سحبان فيصل محجوب*
الجهد الوطني …ثروات مغيبة
عندما إنكشفت أساليب الابتزاز والمماطلة التي اتبعتها إحدى الشركات اليابانية لدى طلب الاستعانة بها لتنصيب المعدات الخاصة لأحدى محطات الكهرباء والمصنعة لديها كان الجهد الوطني حاضراً وشجاعاً في مستوى التحدي فأسندت اليه مهمة تركيب وفحص هذه المعدات وتشغيلها بنجاح على وفق إداء فني سليم ، وعلى الرغم من قيام الشركة اليابانية بإلغاء فترة الضمان لها الا ان الملاك الوطني المتخصص قد استطاع الحفاظ على ديمومة عملها منذ عام ١٩٨٩ م ولحد يومنا هذا ، وحين قبل العاملون في إحدى المشاريع المهمة دخول حلبة المواجهة مع خبراء الشركة الصينية المجهزة للمعدات والتي أنجز الصينيون تركيبها الا إن إدارة شركتهم رفضت تشغيلها بحجة تقاطع ذلك مع قرارات الحصار الاقتصادي المفروض على العراق ( ١٩٩١ - ٢٠٠٣ م ) ، كان هذا في مشروع محطة توليد كهرباء القدس الغازية وقبل ما يقارب العقدين من الزمان حيث كان الخيار الوحيد أمام إدارة قطاع الكهرباء آنذاك وعلى الرغم من هامش المجازفة فيه هو إناطة مهمة فحص وتشغيل المعدات والاجهزة الخاصة بهذا المشروع الى الملاك العراقي .. حينها أثبت هذا الملاك قدراته الفعلية على تأمين متطلبات الانجاز الكامل عندما قام بتشغيل وربط الوحدات الانتاجية للمحطة بالمنظومة الوطنية للكهرباء والتي كانت بأمس الحاجة الى إضافة سعات جديدة لسد ما يمكن من العجز الحاصل في تلبية احتياجات المواطنين من الطاقة الكهربائية .
وهنا لست بصدد سرد الكثير من الوقائع ذات الدلالة على تميز المستوى المتقدم للكفاءات العراقية في مختلف المجالات ليس على الصعيد المحلي فقط بل امتد الى المحيط الخارجي أيضا ً ، فالعديد من حالات طلب الاستعانة بالخبرات الاكاديمية أو الفنية والادارية العراقية من الخارج كانت نتائجها مبهرة في التنفيذ الأمثل بمستوى دقته العالية والتي حازت على شهادات المعنيين في الدول التي عمل الملاك العراقي فيها .
إن تقدم المهارات الوطنية على غيرها يعود الى توافر القواعد الاساسية اللازمة لبناء الخبرات العراقية في مختلف الميادين وعلى وجه التحديد المناهج الدراسية المحكمة ورقي ومتانة التعليم الجامعي السائد بالاضافة الى انشاء المئات من المعاهد المهنية ومراكز البحوث العلمية المتخصصة ويدعم هذا ما يتعلق بالقرارات الخاصة بالزام المؤسسات العامة بأحتواء الخريجين من الشباب على وفق خطة متكاملة لتشغيلهم تبنتها وزارة التخطيط وذلك بعد إستدراج حاجة هذه المؤسسات من عديد العاملين وتخصصاتهم حيث كان يطلق عليها في حينها ( خطة التعيين المركزية) ، كما ان المنهج الذي عملت عليه وزارات ألدولة وهيئاتها بتعشيق عملها مع الامكانات الاكاديمية في الجامعات العراقية وبوساطة تعاقداتها مع المكاتب الاستشارية المتخصصة فيها كان له التأثير الفاعل في تطوير الاداء المهني لها .
إن من عوامل تحفيز الملاكات الوطنية باتجاه تطويرها و بمختلف التخصصات هو توفير فرص العمل لها وعلى مستوى القطاعات كافة والذي سوف يكون سبيلاً لاستثمار طاقاتها الى أقصاه للمساهمة في البناء وتحسين مستوى الخدمات العامة ، أما حرمانها من هذه الفرص وعدم اقحامها في ميادين العمل أو تشتيتها يعني تغييب لقدرات متاحة وبالتالي فقدان السبل الكفيلة لبناء خبرات وطنية ذات مهارات متقدمة ، لذا فإن الحفاظ على تطبيق الأسس الضامنة لتفعيل الجهد الوطني وعدم التفريط به يعد من المهمات ذات الاولوية في المجتمع باتجاه تحقيق شروط التطور والتعمير ودلالة واضحة على مستوى الحرص المطلوب في صيانة الثروات الوطنية وفي مقدمتها القدرات البشرية على مختلف أنواعها .
*مهندس استشاري
2657 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع