يتحدث البعض عن العفو العام , يختلف البعض مع البعض حول ترضيات على حساب دم الضحايا , الحكومة التي هي طرف حول الطاولة المستديرة للمساومات التوافقية , تؤكد على انه ـــ لا وجود في السجون والمعتقلات العراقية ثمة اصحاب فكر ومواقف سياسية معارضة , وحتى منتقدي الحكومة والداعين لتغييرها , ينظر اليهم في سياق حرية الرأي التي يضمنها الدستور .
نصدقها : لكن الذي لا نفهمه, عن من سيصدر العفو العام ان لم يكن عن الأرهابيين والمتهمين بجرائم قتل جماعي واغتيالات فردية واعمال فساد واختلاس وتزوير وتهريب , او بقايا شريرة من مجرمي النظام البعثي السابق , من سنصدق والطغم المتهمة تشكل اكثر من ثلاثة ارباع اعضاء السلطة التشريعية , واكثر من ثلثي حكومة الشراكة , وان الجرائم التي ارتكبت , هي حصراً بحق الأبرياء من بنات وابناء العراق , فبأي حق يسمح للملطخ تاريخهم بمعانات الضحايا ورذائل الفساد والتزوير ان يتصدروا الحديث عن العفو العام ... ؟؟؟ .
صحيح ان الحالة العراقية قد تجاوزت حدود المسخرة , وان اطرافاً في حكومة الشراكة , تهرب القتلة والفاسدين والمزورين حتى من داخل السجون والمعتقلات , ثم تدافع عنهم وتطالب بأعفاء المتبقي منهم خوفاً من ان تدق الأعترافات وسلطة القانون ابواب الملفات الثقيلة لثلاثـة ارباعهم .
اطراف العملية السياسية , بعضها يلقم البعض حجر الفضائح المضادة , اذا ما نبح بشي من المخفيات , والملفات تبتز وتساوم الملفات , وقبل الأقتراب من الخطوط الحمراء لمجمع الفضائح , تَفتعل الأزمات وتشتعل حرائق المتفجرات وترتفع حمى التصعيد والوعيد , ثم زيارة من هناك واخرى من هنا وجولات مكوكية بين العواصم المخترقة للسيادة الوطنية , وبعد ان يستسلم المواطن لقدر الأحباط واليأس وخيبات الأمل والخوف من اسوأ الأحتمالات , يبدأ الحديث عن انفراجات وتقاربات وزيارات وحسن نوايا وحلول سياسية توافقية للأزمة , ويقبض كل اسلابه مع الأبقاء على ابواب اللعبة مفتوحة وحلول المأزق معطلة والحسم الجدي لا وجود لـه ونظام التحاصص سيد المبادرة , يبقى الرأي العام الذي تم استلابه , يبحث عبثاً عن الحقيقة في الدهاليز المسيجة بالممنوعات داخل المنطقة الخضراء او يتلمس ثقوباً بأتجاه الفرج الملغي , يلهث خلف الكذابين حتى ابواب مقراتهم , فلم يجد للصدق والشفافية مكاناً في قواميس المتسلطين .
العراقيون الآن قد تجاوزوا نهاية صبرهم , يقفون وجه لوجه امام تعقيدات وقذارات اللعبة وادوار اللاعبين , نادمون يفكرون في استرجاع ثقتهم واصواتهم ممن لا يستحقونها , ليبصقوا احباطهم وخيبات املهم بوجه من خدعهم وساوم على قضاياهم , ومخاض وعيهم سيولد حتماً اسماءً ووجوهاً لجيل جديد من النخب الوطنية , كفؤة نزيهة فاعلة صادقة الأنتماء والولاء , تخاف اللـه وتحترم الوطن وثقة واصوات الناخبين .
الرأي العام , المحبط بعض الشيء , عاجلاً سيفلت من قبضة التضليل والتجهيل والأستغفال , ويشد السنة الدجالين الى ذيولهم , لتقلب صرخة صمته سافهم فوق عاليهم , الأغبياء منهم فقط , يتوهمون ان " دار السيد مأمونه " .
المحبطون : يحتويهم تابوت يأسهم , حالة تسبق غيث الأستسلام لواقع يتظاهرون رفضه وادانته والتمرد عليه , لكن ارباكهم وانهياراتهم من داخلهم , تغزل مبررات الأرتماء في احضان ذات الواقع المدان .
قد تمر صفقة العفو العام ويجري الألتفاف على حقيقتها ومضامينها وابعاد مخاطرها وتبرير نتائجها وتوضع في النهاية على الرفوف المنسية لحفظ الفضائح , لكن : لنا في التاريخ عبر وتجارب غنية اغلبها موجعة , اثبتت , ان طريق تضليل الرأي العام وتمييع دوره وقمع ارادته بقوة السلطة والمال والأعلام , كانت نهاياتها دائماً غير امنة , ولنا في نهايات الأنظمة الفاسدة نماذج عديدة والقادم اعظم .
ليس هنا ضد العفو الجزئي والقانوني عن ابرياء او انصاف ابرياء من الذين ظلموا بأجراءات التبعيث , او كانوا ضحايا تقارير ووشايات مجحفة , او ممن ارتكبوا اخطاء بنوايا ليست سيئة ولديهم الرغبة الصادقة للعودة صالحين الى احضان المجتمع , لكن العفو المطروح مغلفاً بمساومات سياسية ثمنها هدر حقوق الضحايا والألتفاف على حق الشهداء والأستهانة بمعاناة الأرامل والأيتام والمعوقين والمشردين , وهذا الأمر البشع بكل المقاييس , ان استطاعت الحكومة ابتلاعه عبر مساومة توافقية , سيتراكم عليها لتضيق بـه مخارج سمعتها المغلقة اصلاً .
الحكومة ـــ مع الأسف ـــ لم تنجح في تطهير واصلاح سواقي الثقة والشفافية مع الرأي العام , ولا تكفيها المواقف التي تفرضها عليه الخيارات الصعبة في القبول باهون الشرين .
المواطن : وهو يعيش معاناة حقيقية مع البعث الشيعي الذي ابتلع مؤسسات الدولة في محافظات الجنوب والوسط , والبعث السني الذي ابتلع مؤسسات الدولة في المحافظات الشمالية الغربية , والبعث ( الجحوش ) الكوردي الذي اقتسم وابتلع مؤسسات الأقليم , يكابر داخل مقارنة موجعة بين ما هو قائم وما كانت علية الدولة البعثية , لكنه حريص على اعادة ترشيد تجاه بوصلة يقضته وحقن وعيه بفيتامينات العبر والتجارب ثم اعادة تنظيم اوليات صفوفه والتصرف الحسن في تحديد مواقع ثقته واصواته في النقلة التي ينبغي ان تكون نوعية للأنتخابات القادمة .
الآن : لماذا نفقد رشدنا ردحاً على طبول هذا ضد ذاك والعكس , واغلب المسؤولين الحكوميين متهمون بقتل العقل العراقي وتشويه الشخصية العراقية , ونحن الذين ننتمي الى المشروع الوطني , وعبر شد ذيول مواقفنا الواهمة بتواريخ واحداث تبخرت ازمنتها , نساهم ـــ مع الأسف ـــ في تمزيق وتدمير دور الرأي العام في تصحيح المسار انقاذاً للمستقبل العراقي , لنثبت في النهاية ورغم تمنطقنا ’ على اننا ذيول لجريمة ترتكب بحق الناس والوطن .
835 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع