د.سامان سوراني
يقال بأن الأديب يفترض أن يكون لديه مبدأ يؤمن به يحلق به يميناً وشمالاً باحثاً عن الحكمة مؤصلاً لها في موروثه الأدبي
و الأدب أداة مثلى لمعرفة أحوال المجتمع ، تقيس بدقة التحوّلات الإجتماعية مهما كانت محدودة ، لأن نصوصه يكتبها مبدعون من رحم تلك المجتمعات، يعبّرون من خلالها عما تشاهده أعينهم وتسجّله مشاعرهم ، وتلتقطه آذانهم. هكذا كان المثقف والسياسي الكوردستاني البارز فلك الدين كاكائي ، الذي رحل أمس الأربعاء في أربيل عن عمر يناهز الـ 70 عاماً، إثر مرض مفاجئ لم يمهله وللأسف أن يستمر في حلاجياته. هذا الكركوكي الكوردستاني بدأ حياته الثقافي ضمن حركة اليسار و أنتمی في مطلع الستينيات للحزب الديمقراطي الكوردستاني ليصبح قيادياً فيه ، مساهماً عبر أسلوبه الواضح ذو النهج الهادف بفاعلية و نشاط في تأسيس إعلام الحركة الكوردستانية التحررية وإثراء الثقافة والفكر والسياسة الكوردستانية ليصبح فيما بعد إسماً في الوسط الثقافي الكوردستاني و العراقي والعربي. وهو الذي ترأس تحرير صحيفة "التآخي" منذ صدورها ولسنوات متأخرة.
التصوف هو إشراق في القلب و الصوفي هو من يتعامل مع عصره من خلال تفاعله مع واقعه و فلك الدين كاكائي الزرادشتي كان معروفاً بتواضعه الوجودي و نزعته الصوفية و بحثه الدائم في أحوال العقل الواعي وفي ماهية الوجود وفلسفته ، مٶمناً بالإنقلاب الروحي ، قائلاً بأن الإنسان أدنی شأناً بكثير ممّا يدّعي ، سواء من حيث علاقته بالمبادئ والقيم والمثل، أو من حيث قدرته على السيطرة والتحكم في الأهواء والأشياء والأحداث ، مقارناً محنة شعب كوردستان بمحنة الحسين بن منصور الحلاج ، الذي ذهب ضحية المظالم والالتباسات والافتراءات كما كان حال الثورات الكوردستانية وقادتها الخالدين.
لقد طبع فلك الدين كاكائي أسمه في ذاكرة الزمن الكوردستاني بأحرف ذهبية مضاءة بالمحبة والنضال و الإصرار علی التسامح والتعايش و البناء وكان يحاسب نفسه بإستمرار لتقويم أعماله و يغذيه بالفضائل ليجعل حياته معتدلة. التقيت به لأول مرة عام ١٩٨٦ مع قيادي كوردستاني في غرفة ضيقة في أحدی "مسافرخانات" طهران القديمة وهو جالس علی أرض مرطوبة وحوله أوراق مبعثرة ، يكتب في السياسة والنضال.
هذا العارف المجاهد أفنی كل زهرات عمره و شبابه بالنضال و ترك بصمة و تاريخ ناصع بياض. كان الراحل الخالد يٶمن بعدالة قضية شعبه وحقه بمقاومة الطغيان والدكتاتورية و يبحث بناصية اللغة الرمزية الممزوجة في بیانها بين التعبير والمعنی الی حدّ التماهي ويكتب في معنى الجسد والظلام و معنى النفس
والروح والنور ومعنى الموت والتجرّد والحياة لينتج نصوصاً كأجنحة الملائكة ساعياً في بيان المعرفة الحسية.
حاورته في مسائل أدبية و سياسية، أثبت لي من خلالها أنه مثقف إجتماعي متواضع صانع تاريخه بنضاله وإنسانيته و مٶلفاته و ثقافته ، يحب التواصل بعيداً عن الحواجز التي قد يصطنعها البعض ، شجاعاً في الإدلاء بآرائه و أفكاره يقول الحق ولا تأخذه فيه لومة لائم.
وختاما نقول: أن البعض قد ينسی هذا الحلاجي الثائر لكن التاريخ لن ينسی مواقف الثوار والمناضلين.
أتمنی لأهله وإخوانه في النضال الصبر والسلوان ولنفسه المطمئنة السعادة الأبدية.
الدكتور سامان سوراني
899 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع