خالد القشطيني
هذه طريفة عفوية وقعت في شهر رمضان دون قصد أو مداعبة، ولكنني أدرجها ضمن الطرائف الرمضانية.
تولى القضاء في بغداد الأستاذ محيي الدين. لا أتذكر اسمه الكامل، فقد كان قاضيا على الأحداث، على الصغار، والصغار لا يتذكرون من الكبار غير اسمهم الأول، مثلما لا يتذكر الكبار من الصغار غير وقائعهم وبلاويهم ومصايبهم.
بحلول شهر رمضان، عزم الأستاذ محيي الدين على الصوم، ربما لأول مرة في حياته، لأنه عندما فتش عن المصحف الشريف لتلاوة شيء من الذكر الحكيم في المناسبة، لم يجد أي نسخة منه في البيت. فبعث بالخادم ليأتيه به، لا من سوق الكتب، وإنما من المحكمة حيث توجد نسخة يستعملونها لأداء اليمين. فجاءه الخادم بها.
عاد في اليوم التالي للمحكمة وشاءت الصدفة أن تتضمن جلسات المحكمة إفادة من أحد الشهود، واقتضى ذلك أن يؤديها بعد القسم. فتشوا عن المصحف فلم يجدوه. فراح كاتب الضبط يولول ويشتم، «الله أكبر، يعني بهذا البلد يسرقون حتى كلام الله؟! ومن المحكمة؟! الله يلعن كل من أخذه».
لا شك في أنها كانت لعنة تسرع فيها واضطر لسحبها والاعتذار عنها بعد أن عرف أن القاضي هو الذي أخذ المصحف. فبعثوا بالفراش ليستعيده، وأجلوا المحاكمة إلى ما بعد الظهر. ولكن الفراش كان رجلا أميا، ويظهر أن زوجة القاضي كانت هي الأخرى أمية فأعطته القاموس العصري لإلياس أنطون إلياس. جاء به الفراش للمحكمة. فتقدم الشاهد ووضع يده عليه وقال: «بحق هذا كلام الله ما أقول غير الح قيقة».
لا أدري ما الذي سيقوله الفاضل إلياس أنطون إلياس، مؤلف القاموس، عن هذه الشهادة البليغة لقاموسه الشهير لو أنه سمع بها! ولكن الشهادة جرت. وتلتها شهادة أخرى، بل وشهادات وشهادات على مر الأيام، والقاضي يحكم بموجبها دون أن يفطن أحد إلى حقيقة هذا الكتاب المطروح على الطاولة للشهادة.
جاءت أيام وفاتت أيام وجرت المقادير أن يحضر للشهادة رجل يهودي. ومن عادة اليهود أن يدققوا في الكتب والدفاتر. نظر إلى الكتاب نظرة سريعة وقال أنا موسوي. أنا أقسم بالتوراة ولا أقسم بالقاموس العصري، إنجليزي/ عربي أو عربي/ إنجليزي. صرخ به القاضي «شنو؟ جاي تمزح مع المحكمة؟ تأدب!». مد الرجل يده ليعرض الكتاب على القاضي، ولكن كاتب الضبط، صرخ به، «جر إيدك من كلام الله! لا تمس الكتاب!»، فجر اليهودي يده باحتشام وسكت. لاحظ الكاتب العنوان المطبوع على الغلاف. وأدرك أن هذا اليهودي لم يقل غير الحق. قام وهمس شيئا في أذن القاضي الذي قضى بقية اليوم يتأمل في كل الشهادات التي سجلها والأحكام التي أصدرها بناء على القسم بهذا الكتاب المغلوط. لم يكن كلام الله قط بل كان كلام النصراني إلياس أنطون! تمتم القاضي مع نفسه أخيرا وقال: «من يدريني؟ يمكن كل هالوزراء والمديرون اللي حلفوا بالإخلاص للملك والوطن، حلفوا على القاموس العصري للخواجة إلياس أنطون!».
955 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع