وقعنا في خطاء بسيط لكنه افرحنا بعد ذلك مع جهاز ـ GPS ـ
حيث قال استدر يمينا في الشارع الثاني فاستدرنا في الاول لندخل شارع يؤدي الى جبل رهيب لم نتمكن من الاستدارة فيه حيث لا يوجد استدارة او محطة استراحة فقررنا او أُجبرنا على الصعود لمسافة سبعة كيلومترات في منطقه خلابة لنجد ان هناك محطة استراحة يمكن ان نستدير منها لكن جمال المنطقة و المفاجئة جعلتنا نختار الاستمرار في الصعود لنقطع ونحن مذهولين مسافة ثلاثة عشر كيلومتر كلها دوران حول الجبل لنجد هناك ساحة واسعه فيها كازينو وبار و مطعم وموقف سيارات يتسع لأكثر من 50سيارة...
يطل على سفوح ووديان غاية في الروعة تحيط بك وتسلبك ارادتك اصوات الماعز والابقار والاغنام السارحة هناك في الوديان واصوات الاجراس المربوطة في اعناقها لتجعلك راضيا او مرغماً تعيش الطبيعة البكر على حقيقتها
وقفنا هناك نقرا الإعلانات لنجد اننا على ارتفاع اكثر من 1600متر وهناك خارطة توضيحية تقول ان القمة لا تزال امامكم والوصول اليها سهل لو تريدون التمتع بالمشي في هذه الاجواء الجميلة حيث لا طريق للسيارات بعد هذا المكان للقمة... وهناك بحيره طبيعة في اعلى الجبل اي في قمته
وهناك سهم يشير للطريق الذي سلكه قبلنا العشرات الذين نشاهدهم وبأحجام مختلفة حسب بعدهم عنا و من كل الاعمار فقررنا الصعود على الطريق النيسمي الصغير لمشاركتهم عرسهم الطبيعي الجميل هذا
صعدنا ونحن بين مذهول بما يرى من جمال الطبيعة واكثرها جمالا عندما تنظر الى الاشجار من قمتها اي من اعلاها لتجدها اكثر جمالا من النظر اليها من اي زاوية اخرى(اتمنى من تسنح له الفرصة ملاحظة ذلك) وبين اصوات الابقار والاغنام والماعز المنتشرة كما قلنا والتي تمر بنا ونمر بمجاميعها وهي هانئة مطمئنة في ربوع خضراء رائعة واجواء امنه والشمس الذي يتنماها اهل البلد او المنطقة والزرع والضرع
صعدنا مشياً لمد حوالي الساعتين ونحن نتلقى التحايا (تمنيات بيوم جميل) من النازلين ممن صعدوا قبلنا و من الصاعدين الاكثر نشاط منا...
نجلس ونسير ونراقب و نصور و نتصور ونتمنى و نضحك ونتألم ونضع الحجارة فوق اكوام وضعها قبلنا حيث تكرر الموقف لنتبين ان كل من يصعد يضع حجرة صغيره على اكوام وضعها من مر قبلنا للذكرى والمشاركة
وصلنا الى سياج الدار او الحقل الحيواني الوحيد لمن يرعى هناك حيث فتح جزء من الجدار السلكي لداره او حقله ووضع له باب ليسهل مرور الزائرين ووضع على الباب لوحه يرحب بها بمن يمر ويرجوه الهدوء واحترام الحيوانات والتحذير بأن هناك كلاب تحميها ووجدنا هناك مولده كهربائية يتم شحنها على الطاقة الشمية ليستعملها اهل الدار ليلاً دخلنا البيت وخرجنا من السياج الثاني له
تجاوزنا البعض وتجاوزنا البعض من مختلف الاعمار والغريب فيهم ليس من هم بعمري الستيني لكن هو من بعمر اكثر من ذلك ربما منهم من تجاوز النصف الثاني من عقده الثامن وهم يتحركون برشاقة ويرتدون ما يناسب السير ويحملون ما يحتاجون من ماء وغيره من الحلويات القليلة كما لاحظنا البعض وهو يتناولها اثناء الاستراحات اي الجلوس على الصخور فالطريق ضيق اوسعه لا يتعدى المتر وبعض الشيء...وهناك من يستلقي على العشب في بعض الاماكن ليشارك الماعز في رعية او جلوسه او استراحته
واصلنا المسير حيث سبقنا الاولاد لنتخلف انا وامهم عنهم بعض الشيء وهذا طبيعي فصارت احدى وقفاتنا مع عجوزين شابين لا ابالغ اذا قلت ومن ما حفرته الايام على محاياهم الجميلة انهما تجاوزنا ال80عام من العمر وهم رجل ورفيقته يرتدون الشورت والفانيلا الرياضية والحذاء الخاص
بعد التحية والاستفسار حيث كنا متميزين من اننا من الغرباء الوحيدين فيما رؤوهم في صعودهم ونزولهم ...استفسرنا عن المتبقي من المسافة والزمن اللازم للوصول للقمة وهما من العائدين منها وعن طبيعة الباقي من الطريق حيث الصعوبة تزداد مع الصعود والطريق صخري طبيعي فقالا ان الباقي ليس اقل مما قطعنا والوقت اللازم اكثر كون الصعود صعب ويحتاج الى تسلق وانتبها الى ما لم ننتبه له حيث قالا انه صعب عليكم وانت تنتعلون مثل هذه الاحذية غير الملائمة...عرفنا نقصنا في مثل هذه الأماكن وهذه الحياة ونحن انتبهنا لذلك او اجبرنا لأننا كنا ننتعل حذاء رياضي للمشي خفيف(نُسميه في العراق بالحذاء الكتان)وهو ينتعلون حذاء الامان الملائم فاعتذرنا فضحكوا وقلنا انها اول مرة فقالوا نتمنى ان نلتقي في العام القادم وانتما في احسن حال...لا يزالون يحلمون بالعام القادم وهم يدخلون او دخلوا العمر الثالث...افترقنا على الخير والامل في اللقاء بخير
واصلنا الصعود ليختفي الاولاد عن ناظرينا واتصلوا بالهاتف ليقولوا انهم هناك في القمه والطريق وعره وينصحون بعدم الاكمال و لو تمنوا ذلك...اخبرناهم اننا سنواصل وان لم نتمكن سنعود الى السيارة...و فعلا توقفنا بعد ان اصبح الصعود صعب وبدأت آلام القدمين بسبب عدم ملائمة الاحذية.
وقفنا هناك برهه وقفلنا راجعين نلتقي الصاعدين والصاعدات حيث قابلنا ولأول مره عائلة باطفلها الاثنين وكلبهم وقلنا هل يتمكن الكلب من الصعود وجاوبنا على ما قلناه انهم سيحملونه على صدورهم ليصل معهم...وعند النزول شاهدنا الرجل ورفيقته الذان التقونا ونحن نصعد(كبار السن) وهم مستلقين على العشب تحت اشعة الشمع وقالوا توقعنا نزولكم السريع ودعناهم وتمنينا لهم الصحة وقضاء اوقات ممتعة
نزلنا واستغرق وقت النزول 47دقيقة لنصل الى السيارة حيث افترشنا العشب واغتسلنا وشربنا بعض الماء وبدأت حفلة الغداء حيث تجاوز الوقت الثالثة بعد الظهر...انتظرنا لحين عودة الاولاد حيث وبعد استراحتهم وتناولهم الغداء عزمنا على مواصلة رحلة الهبوط بالسيارة حيث القرى والبيوت والفيلات والمرابع والمناظر الرائعة والنسيم العليل.
انتبهنا في الصعود مشياً الى انهم (الاخرين)متعودين على ذلك وجزء من عطلتهم الاسبوعية وقد يمارسونها كل ايام الصحو الخالية من الثلوج
الكل يحمل ما يحتاج من الخفيف والمناسب ...لم نشاهد من وقف ليدخن سيكاره او من بيده مشروبات كحولية
لم نشاهد علبة مشروبات روحية او غازيه فارغة مرمية في الطريق او محيطه لم نرى بطل ماء فارغ مرمي وكل صاعد يحمل واحده منها بيده او في حقبته ...لم نرى حذاء مقطوع او مرمي او كيس بلاستيكي او ورقي ولم نرى ورقة واحده او صحيفة او مجلة حتى من التي توزع مجانا كدعايات ولم نشاهد ورقة تعريف بالمنطقة مرمية في الطريق وهي مبذولة امام الجميع و توزع مجاناً
لم نرى قطعة قماش او جزء من ملابس او اي حاجيات اخرى مرمية...لم نلاحظ من وقف او انزوى للتبول او غير ذلك
لم نسمع ضوضاء او كلام بصوت عالي او قهقهات او سفاهات او تهريج او تصفيق او غناء او مناحرات...نعم كانت الابتسامات والتمنيات بقضاء وقت طيب والتحايا يتبادلها الجميع.
اما طريق الصعود والهبوط بالسيارة فكان في غاية الروعة والتنظيم وكانت تشارك السيارات اعداد كبيره من راكبي الدراجات الهوائية بشكل مجاميع او افراد كلهم يرتدون الملابس الرياضية الخاصة وواقيات الرأس(الخوذة) وهي اجباريه وما يميزهم ايضا ان الراكبين والنسبة العالية منهم كبار السن ومن الجنسين والذي اثار دهشتنا تمكنهم من الصعود في تلك الطرق الصعبة والصعود القاسي
كذلك كانت اعداد من بعض راكبي الموتوسيكل بملابسهم المميزة والجميع يراعي اصول المرور والسياقة واحترام التعليمات واحقية المرور دون انزعاج او ازعاج حيث يصادف ان يتشكل طابور من عشرات السيارات خلف راكب دراجه واحد لان الطريق متعرج وحاد وغير مسموع في الكثير من اجزاءه التجاوز ولم نسمع ولو مرة واحده استعمال المنبه...او استعمال اشارات الاشمئزاز والتعدي
تعلمنا من هذه السفرة ان هناك انواع عديده للأحذية للمشي الطبيعي و للركض و للتسلق و للحفلات و للنزهة وهناك ملابس خاصه لكل شيء وتعلمنا اهمية التعود على حمل الحقائب الصغيرة على الظهر وتعلمنا اهمية الاستعانة بالعصي الخاصة للمشي وتعلمنا اهمية وجمال التحية والابتسامة عندما تقابل الناس واهمية المشاركة في مثل تلك الفعاليات للاندماج والتعلم والالتقاء والراحة النفسية...تعلمنا اهمية السياحة ولماذا يصر عليها الناس هنا ويخططون لها كل ايام السنة ويستعدوا لها... تعلمنا كيف نحترم التعليمات في المشي والسياقة والسباحة والسير على الطرقات راجلاً او راكباً... تعلمنا مقدار احترام الشعوب هنا وسعادتها لاستخدام الدراجة الهوائية في سفراتهم السياحية حيث كنا نشاهدهم وهم يحزمونها على سياراتهم عندما يذهبون في رحلاتهم الترويحية... تعلمنا لماذا تزدحم الخطوط الخارجية السريعة في مواسم السياحة والتي هي عطلة رسمية او اجازة سنوية شبة اجبارية وتعلمنا مقدار سعادتهم وهم يتهيؤون لها وخلالها وفي العودة وبعدها حيث يتبادلون الكلام حول ما شاهدوه ومارسوه وتعلمنا كيف يبحثون عن الشمس ويذهبون اليها
تعلمنا كيف يهتمون بالرياضة والترفيه ويقدمونها على كل شيء وكيف يتبارى المسؤولين السياسيين والاداريين لتشجيع ذلك وتهيئة المستلزمات المطلوبة وبأسعار رمزيه وكيف تكون كل الملاعب والاماكن السياحية الترفيهية بمتناول الجميع وشبة مجانية
تعلمنا ان الشعوب الحية من تنظم اوقاتها وتعطي جل وقتها بعد العمل للرياضة والثقافة والترفيه...وتعلمنا ان من يريد ان يبني يجب ان يتعلم كيف يحب ويحترم ويخلص ليكون انسان.
ملاحظة: استخدمنا مفردة تعلمنا ولم نستخدم كلمت عرفنا او لمسنا...لأهميتها وتطابقها.
الى اللقاء في الجزء الاخير والذي سيكون بعنوان(14تموز في فرنسا)
722 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع