العرب والمسلمون بين ثقافة العنف وغياب التبصر و التعقل..

                   

ليس مستغربا أن تنطلق جحافل المسلمين المتهيجة في الشوارع حاملة علم القاعدة الأسود ردا على فيلم تافه حاقد. فقد سبق وأن شاهد العالم كله ردود الفعل على رسم  دانيماركي فسر بالإساءة للإسلام، وعلى فيلم هولندي اتهم بالتهمة نفسها.

وقبل ذلك، كانت الضوضاء والصخب في قعر الدول العربية نفسها، كما نعرف من مقتل فرج فودة [ أطلق مرسي القاتل!!]، ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ، ومكافأة خميني لمن يقتل سلمان رشدي. وشهدنا المظاهرات الصاخبة في التسعينات لطلبة الأزهر احتجاجا على رواية حيدر حيدر، التي كانت قد نشرت  قبل عشرين عاما من ذلك التاريخ، ووزعت في مصر نفسها، وتبين أن أي طالب أزهري لم ير حتى غلاف الرواية؛ مثلما، كما لم يكن خميني ولا الجحافل الغاضبة قد قرؤوا صفحة واحدة من رواية سلمان رشدي. واليوم تهب جموع الغوغاء ضد فيلم تافه لم يشاهدوه، أنتجه شخص أو أشخاص مغمورون، يسئ للرسول الكريم بأسلوب أحمق وسخيف.

أميركا فيها أكثر من 309 مليون نسمة، وحرية التعبير والإنتاج مضمونة قانونا. وفي الولايات المتحدة، كما في الغرب، آلاف الجوامع والمراكز الدينية المسلمة، والمحجبات يملأن الشوارع، ولا أحد يتدخل في ممارسة المسلمين المتدينين لفرائضهم الدينية. فكيف بعد هذا نتهم هذه الدولة بمعاداة الإسلام وبمسؤولية فيلم أنتجه بضعة أنفار مغمورين؟ هل نحن في دولة دكتاتورية شمولية لا ينشر أو يوزع فيها شيء بدون عرضه على الرقيب؟! هل الدول الغربية تحكمها أنظمة صدامية، أو خامنئية، أو بشار- أسدية، أو بشيرية -سودانية  أو طالبانية، وأمثالها، لتكون مسئولة عن الشارد والوارد؟! ومن حسن الحظ أن فريقا من كتابنا العراقيين والعرب، من أمثال طارق الحميد وحسان حيدر وعدنان حسين وغيرهم، قد أجادوا في تناولهم للموضوع.

في جوامعنا يتنادى الكثيرون من أئمتها للدعاء بفناء النصارى واليهود. وهذا حلال عندنا طبعا!! كتحليل مطاردة المسيحيين وهدم كنائسهم. ومن الفضائيات الخاصة والحكومية في الدول العربية والإسلامية تصدر فتاوى وتحريضات مماثلة، ولكننا لم نجد مظاهرة ولو صغيرة في الغرب تحتج على حكوماتنا العربية والإسلامية رغم أنها تتحمل قسطا من المسؤولية. وأيمن الظواهري مصري، وهو زعيم القاعدة التي تقوم بتفجير الأبرياء وقطع الرقاب، والتي نجد بين ضحاياها مسلمين وغير مسلمين، وعملياتها الأكثر كانت في الغرب [ 11 سبتمبر ومدريد ولندن]. فهل تظاهر ولو بضع عشرات من الغربيين في مظاهرة سلمية أمام سفارة مصرية في الغرب احتجاجا على مصرية زعيم القاعدة المجرم؟!

يتشكى المسلمون من تدهور سمعتهم في العالم. والحقيقة أن المتطرفين والمتعصبين بينهم، والرعاع الذين يتبعونهم، هم أكثر من يسئ للإسلام ولسمعة المسلمين، وهم الذين يعطون الذرائع بعد الذرائع لأقلية من المتعصبين والعنصريين في الغرب لكي يعملوا على تغذية مشاعر الخوف والقلق والشك تجاه الإسلام والمسلمين.

إن الأعمال الحاقدة والتافهة التي تصدر عن أفراد في هذه الدولة الغربية أو تلك، وفيها ما يسئ للدين، لا تواجه بالعنف والصخب والحرق والقتل، ورفع أعلام القاعدة السوداء، والتي راحت تصيح الأعلام الأكثر انتشارا في مصر وتونس ليبيا وغيرها. إنها تواجه إما بالصمت إن كان العمل المنتَج تافها ولم يصل لغير أنفار، وإما بالرد الهادئ والتوضيح، وبالسلوك الحكيم، والدعوة للمحبة بين البشر، وإلا فأمام المحاكم. ولكن بعض الحكومات العربية والأحزاب الدينية وكبار رجال الدين المتزمتين يستغلون أمثال هذه المناسبات للمضي في مداعبة غرائز الشارع وعواطفهم الدينية والمتاجرة بها، ولتغطية الفشل بالنسبة للحكومات. ولا أدري كيف تندفع الجموع في العراق بهيجان ضد فيلم بائس مغمور بينما لا تبالي بما يعم البلاد من فساد شامل، ومن قمع للحريات العامة والشخصية، ومن هيمنة الأحزاب الدينية على مقاليد البلاد ورقاب العباد! وهل من الإسلام تفشي الفساد وغض النظر عنه، أو تعذيب المتهم ليدلي بإفادات كما يريد الحاكم، أو العفو عن حملة الشهادات المزورة، وهكذا، وهكذا. وفي مصر، يلعب الإخوان، وهم الحكام، لعبا مزدوجة، بتضخيم قضية الفيلم وحديث موسي عن " الغضب الديني" وحرية التظاهر، ولكن فقط " لا تهاجموا ولا تقتلوا"!- أي تشجيع التظاهر غير المنضبط والتبرير المبرقع للهجمات الغوغائية على السفارة الأميركية. ولم نسمع منه إدانة لمقتل السفير الأميركي في بنغازي. ومع ذلك، فمصر هي ثاني أكبر دولة تتلقى العون المالي من واشنطن بعد إسرائيل، وقد بح صوت أوباما الذي كان يصرخ بمبارك كل ساعة "اخرج، اخرج، الآن، الآن". وواشنطن هي التي وضعت ثقلها مع ترشيح مرسي ضد ترشيح أحمد شفيق. ولكن هكذا يكون اعتراف العرب والمسلمين بالجميل، كما كان اعتراف أهل بنغازي، الذين، لولا طائرات الأطلسي، لما كان لهم ولمدينتهم من أثر اليوم. وقد سبقناهم في العراق!

إن قضية ردود الفعل الهمجية على الفيلم إياه تقدم دليلا مفجعا آخر على أن قضية الديمقراطية والدولة المدنية وحقوق الإنسان والحريات العامة والشخصية هي آخر ما تفكر فيه غالبية النخب وشرائح الشارع في معظم الدول العربية والإسلامية. يكفي أن تثار في الشارع، ولأسباب من تطرف أو لحسابات سياسية، عواطف دينية أو مذهبية، حتى يبدأ الهياج العام باسم الدفاع عن المقدسات، وتنسى الغالبية همومها اليومية وسياسات الحكام المنحرفة عن مبادئ العدالة ولحرية والنزاهة.  

إن البداية، وكما كتبت مرارا، يجب أن تكون بمعالجة خطر ثقافة الكراهية والتعصب والعنف التي تلف الشعوب العربية والمسلمة، وضرورة الإصلاح الديني وإصلاح التعليم وتحديثه. ولكن الكارثة أن تحقيق هذا التغيير غير ممكن اليوم مع انتشار وهيمنة الموجة الأصولية في كل المنطقة، أصولية إخوانية –سلفية- قاعدية كانت، أو أصولية خمينية بطبعاتها المتعددة!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1055 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع