صبري الربيعي
ثمة سؤال طالما طرحته على نفسي , وودت الكتابة فيه خلال خلودي الى الذات , في (استراحات المحارب) مما يقض مضاجعنا, ويستفز ضمائرنا ويرحل بهدوء أعصابنا الى المجهول !
لقد توصلت بعد رحلة 60 عاما , ان الحب في حياتنا مفتاح للولوج الى عوالم ننأى بأنفسنا عنها خشية عقد أو غلو , أو مبالغة ..عوالم تسمو بالنفس الى ما يثر انسانيتنا ويستل الأخلاقي منها , ربما بوعي أو من دون وعي استباقي, يعتمد الحاسة والحاجة فقط من اجل قيم الحب , ويالها من قيم تصطف اليها مضامين لاحصر لها من ايجابيات تصرفات المرء حيال الكائنات واهمها الانسان الآخر !
الحب الذي انوي ملامسته هنا ..الحب بمعناه العاطفي , بين المرأة والرجل , ولا اسقط (الحب) على سلسلة ممن نحبهم ويحبونّا , تجعلنا الغريزة او الطبيعة نحبهم خارج أطر التعاملات الإنسانية العامة..فان حبهم قدر للمرء يجد نفسه عليه منذ ولادته ..وأنا في هذا لاأهرب من حقيقة ان الحب بين الرجل والمرأة , هو مايشكل العنصر المثير في مفردة (الحب) !
لقد عرفت صفحات من هذا الحب الذي يطبع حياة كثير منّا مبكرا , ولربما تخيّلت آنذاك أني امتلك شيئا ثمينا , لاينازعني عليه أحد , خاصا ومخصوصا لي وحدي , أمارس دور المالك المتصرف بملكه , فلا أجد مبررا ان يتحدث معها أحد , او يجاملها مجامل , او يقدم لها خدمة ما متبرع ( وما اكثرهم ) ..الحب عند الرجل الشرقي يظلم ( ويدكتر) , ويلغي في الوقت نفسه الكثير من نوازع الحرية في الملبس والحركة التلقائية , وحتى نمط الضحكة لدى الأنثى المتورطة في حب اختارته واستجابت من خلاله لجهاد الحبيب !, الذي عادة مايقدم نفسه كأحسن وأفضل ماتقدمه صورة فارس وسابي قلوب العذارى !, وبطل احلام سباتهن على وسادات خالية , التهم منها الخيال , ولم يبق منها على صعيد الواقع غير التمنيات المعبر عنها بالتنهدات وابتكار الحيل للقاء الحبيب حتى على اكتاف الخطر, فيصبح الأمرعند ذلك مثل خلطة قوامها الشوق والعذاب والتوق الى الإرتماء في احضان الحبيب , خارج كل المقاييس التي تكل فيها العين عن رؤية مثالب من نحب,عملا بمقولة (وعين الحب عن مثالب الحبيب كليلة ) ..هنا تقع المشكلة الحقيقية في موازنة العقل والعاطفة .. وهذا يتطلب تحملا لمسئولية الحب في مجتمع يمد نظره بعيدا في تفاصيل الحياة الخاصة للآخرين ..وفي المقابل نرى ان فلسفة (الحرية الشخصية ) في معظم بقاع العالم , قد نسفت القيم والمعاني المكرسة والسائدة في مجتمعاتنا الشرقية , فأصبح التعرّي وكشف كل شيء في جسد المرأة أمرا عاديا ..ولكن المصيبة ان النساء المتعرّيات يجدن في من يركز نظره على مفاتنهن تصرفا معيبا ! ورطة !!!
هل ان المرأة على سلبية من أمر صياغة حب ؟
هذا الأمر لايصح اعتباره مؤسسا ..فليس هناك من سلبية تنظر بها المرأة الى حب قادم مهما تذرعت ..فليس أحب الى امرأة من الوقوع في حب قادر على جعلها تنتزع سعادة مفتقدة في ظروف اجتماعية معقدة , على ان تكون المرأة في عجلة من أمرها ..بل انني أظن جازما ان حسابات المرأة الذكية في دراسة حب قادم تنطوي على كثير من التمعن والتفحص والرصد ايضا , وان بدت الأنثى في غير مبالاة ,عندما تدرك رصدا ينضج حبا يقود الى اسرة , ناهيك عن حب لتطرية وقت او تلبية لرغبة !.ولا أظن ان حب الرغبة هذا حب مستنكر لايستقيم مع مانظنّه أو نتوقعه من الحب.. يجب ان يحتمل الكثير من نزر عقدنا النفسية والإجتماعية التي جبلنا عليها , الا أنه في النتيجة لايحقق للساعين اليه هدف بناء اسرة ,وفق مقولة (أكوّن نفسي), وفي هذاجوهر سعي مبارك!..فليس المرء ( بدرويش حقيقي ) حتى لاتؤنسه صورة بهيّة وعيون تتجسد فيها الطبيعة الخلابة بالوانها الصفراء والخضراء والنرجسية والسوداء وزرقة البحر وتلك الرمادية الغامضة غموض لحظات مابين الغروب والعتمة ! كما انه ليس من المستنكر سياحة منفعلة في رقبة (ترى الماء فيها وهو يترقرق لرقتها وشفافيتها), وفي تجانس خلق الله في صورة وجه امرأة ينقسم بالتساوي الى ثلاثة اقسام , لايستطيل فيها قسم على قسم ولايستعرض ..وهذه ابرز اشكال التنسيق الرباني في بدائع البشر .
الحب ..هل هو للجميلات فقط ؟
هذا الأمر طالما وجدت انه لايستقيم مع الحقيقة على الأرض .. قد نرى رجلا على درجة من الوسامة , يهيم بأمرأة توصف ب(الدميمة) تدفع أمها كرشا حشت فيه أطنانا من كل لذيذ وطيب , فغلفت كرشها الشحوم ,ولم تعد حتى صالحة (لشفط أو لفط) يحيله الى غصن بان ..كما يمكن ان ترى وجها نفخت فيه تضاريس ومرتفعات (وذرنك) وشفاه فم نفخت وتدلّت تحاول اخفاء اسنان ديناصورية , لوّنت بشرتها بسمرة مصفرّة مسحت من ذاكرتنا ان هناك بشرة سمراء بحمرة وبيضاء بلون لبن , تجلجل موسيقى ضحكاتها لتجلب نعما ! , ما الذي احبه فيها هذا الرجل..هذه القضية في حقيقة الأمر تنطوي على كثيرمن الخصوصية ! ربما يكون (الجنس) أبرز عواملها , ولكن (الجنس) غريزة انسانية أريد بها تناسل البشر من اجل اعمار الأرض واشباع غريزة الأمومة والأبوّة , وربما تكون للظروف المحيطة مؤثراتها في قناعة رجل بامرأة دميمة ..ولكني لاأظن ان امرأة جميلة ترضى برجل دميم ..والّا لوجدناها قد تنازلت عن رؤية خطيبها ..فهن يصررن على رؤية الخطيب حتى ولو من وراء ضلفة الباب (هذا في زمان مضى) ..اليس لهن الحق في القناعة بوجه يحكم عليها النظر اليه طيلة حياتها ..واذا كان الرجل يدرك في يوم ما ان زوجته أمست باهتة لاتسعد او تنعش قلبه , وقد استسلمت لمقدرات (الأمر الواقع) فيما يتعلق بالعمر او الظروف الناشءة بامكانه الذهاب الى غيرها ..اما المرأة وهي تعيش مجتمعا ذكوريا ,عليها ان تبقى طيلة حياتها امام من جاءها من خلال كلمة واحدة (نعم وأنت وكيلي) ! ويمكن ان يختلف المختلفون في وصف ماقيل باية غرابة او تجاوز, بسبب من ان الجمال في اي مكون كان , يعتبر منحة من الله الى واحد من البشر ليجعله مقبولا , وهذا يسري على أي طير أو حيوان يمكن ان يكون جميلا , و على زهورا توقع اعجابا ..وهذا مع ذاك يتساوى في حقيقة الأمر وجوهره .
هذا الأمر لاينظر اليه الأوربيون كما ننظر اليه ..(يورس) صديق ..جاءني يوما صحبة طفله ذي السابعة ليقول ..هذا ولدي وقد تزوجت اليوم والدته ! ترى اين كان (يورس) وحبيبته طيلة سبع سنوات أنجبا في بدايتها طفلهما ..مثل هذا الأمر تعبير عن الحرية الشخصية , التي لايمكن للمجتمع الشرقي تقبلها , فهي خارج مقاييس ثقافتنا الشرقية الدينية والإجتماعية !
حب للمؤانسة فقط !!!
هو في الثمانين وهي في الخامسة والثمانين..طلما التقيتهما (لازكان ببعضهما ) هي تستحلب النعناع وهو يقلدها ..هي تلوك (العلكة ) وهو يعتذر عنها عندما تقدمها له ..هي تجري غسيل الكلية ثلاث مرات في الأسبوع وهو يدب معها على ايقاع دبيبها ..قلت لها ..متى عرفتيه ؟ قالت منذ سنتين ..قلت لها لماذا عرفتيه ؟ قالت يؤنسني في وحدتي , فقد ترك بيته المجاور لبيتي, وصرنا نصبّح ونمسّي بوجها بعضنا ..نقطع الوقت بلعب الورق ومشاهدة التلفزيون والإستماع الى الموسيقى , وقد اقتصدنا في استهلاك الوقود , ووفرنا على أنفسنا الوحدة ..بعد أشهر طلبت السيدة محادثتي لتقول لي "انها اقتنغت بان موتها قادم بعد أيام قليلة وانها جمعت أبنائها وذويها لتخبرهم بتوقفها عن غسيل كليتها , فقد اكتفت من حياة عاشتها بطولها وعرضها ..فأين ذلك من جبر الذي ولد (من ....أمه للكبر) ؟
الحب من النظرة الأولى ..
هل هناك حبا ينشأ , ويثمر , ويفرض نفسه منذ اللحظة الاولى ؟
أقول نعم .. واليكم هذه القصة الواقعية جدا
لحظة مروره بسيارته في ساحة بغدادية , لمح فتاة بانتظار باص النقل العام . أوقف مباشرة سيارته في كتف الساحة ليحادثها , فزاغت ببصرها عنه ..ركبت الباص ..تابعها بسيارته حتى (الباب الشرقي) لاصقا سيارته دبر الباص , ومع كل توقف للباص تقف سيارته , حتى نقطة مغادرتها الباص في( ساحة التحرير) بقصد الوصول الى دائرة الجنسية , لإستظهار شهادة الجنسية بعد تخرجها من الجامعة , ترك سيارته ليحادثها , وحادثها ..لتبدأ بعد ذلك قصة تراجيدية مؤثرة تصلح في تفاصيلها كقصة فيلم يمزج بين (التراجيديا والرومانسية )..لم يوافق أهلها عليه لسبب محدد لايتعلق بشخصيته او عمله ..لاذ بالصبر.. مجملا ن\النفس بما يتذكره منها , وبعد سبع سنوات تحرك الحب في قلبه , فاتصل بكل جديّة , ليجد ان حبه في قلبها قد مكث , وانه لم يغادر ذاكرتها وعاطفتها ..عقد الحب عقده ..وحتى اللحظة يعيشان مابدآه من حب عمّد بتضحيات , رغم تغييرات قد حصلت في كثير من الأمور, منها مافرضته 30 عاما من إرهاصات , ومنها مافرضته الظروف المستحدثة ..الا انهما باقيان على وشيجة الحب التي ذللت كثير صعاب ! مارأيكم أليس هو حبا من النظرة الأولى !
الحب من خلال الصوت !
هل يحقق حب من خلال الصوت اهداف الحب النهائية ؟
أكاد اكون على ثقة من ان الحب يمكن ان ينشأ من خلال الصوت ..ولاأعني به حب محب لصوت مذيع او مذيعة او متحدث او متحدثة ..فهذا يمكن ان يرفل بمشاعر الإعجاب , ينقصه الكثير ليتمتع بصفة الحب ..فالحب يغنى ويترعرع بالرؤية والمعايشة ..أعرف صديقا اتصل بدوافع عمله بأمرأة في مسئولية ادارية ما ..وخلال بضعة دقائق قرر ان يكلل إعجابه بهذه المرأة بمشاهدتها صوتا وصورة , أذ أحس ان صورتها ستكون أجمل بكثير من نبرات وغموض وترنيمات صوتها ,واعتزم لقاءها بعد يومين..ولكن صدمته كانت عظيمة ..حين قرأ في الأخبار, انها ماتت بنوبة قلبية (حكاية مما تحفل به حياتنا من غرائب) !
الحب والمال
لاأظن ان توفر المال او عدمه سيحول دون نشأة حب يفضي الى حياة مشتركة ..كثير من الفقراء أحبوا وعاشوا صعوبات الفقر , ولكنهم بنوا حياة مشتركة , فجرى المال من بين ايديهم , وكثيرون غيرهم مكثوا فقراء , الا ان الله اغناهم بغنى ابنائهم , فعاشوا حياة الفقر والغنى معا!
حب (السماج)
من الشخصيات المعروفة في قضاء (الهندية ) بائع سمك يدعى (و.س) , احب امرأة وتزوجا , كان رواد المقهى ينفرون من رائحة السمك المتطايرة من (دشداشته) الوحيدة ..هذا الرجل لم تنفر زوجته منه , وقد انجب (ع ) الذي اصبح طبيبا مبرزا برتبة اللواء , فأعز (دشداشة) والده التي جعلت منه كما هو !
الحب والرجولة
يحتاج الحب في مجتمعات شرقية الى الرجولة نظرا (ضعف القوانين الناظمة لحياة المجتمع)..فلا حب من دون رجولة , يعتمد عليها الحب في حمايته وصيانته من تدخلات مبررة وغير مبررة , تؤاخذ الحب وتفتري عليه وتشتت اركانه ان كانت محض جذوع خاوية !
الحب يغزونا من غير فتوى او إجازة مرور , ربما نستنشقه مثل الهواء ,وهو خارج قيود الصحيح والخطأ , لايعترف بعاذل او مانع فيما اذا طرق القلب واستجابت له الأحاسيس , يلغي المسافات , ويفرض نفسه مقيما وليس زائرا , مستمكنا وليس قلقا , حاملا سعادة ترتجى .. يمكن ان تكتشفه بضربات قلبك المتسارعة وانت تتذكر الحبيب , وبزوغان نظرك بعيدا وكأنك تستدعيه اللحظة ..وهوذلك الذي يحتلّك منذ اللحظة الأولى ..وقد قلت في كتابي (اوراقي في الصحافة والحياة ) "ان الرجل من غير حب امرأة , مثل جربوع تائه في صحراء الحياة " ..
ورود الكلام ..
اعطني حبا حقيقيا .. أعطيك حياة حقيقية
2025 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع