بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة العشيقة الالكترونية - الجزء الثاني
من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط
https://algardenia.com/maqalat/54799-2022-07-19-10-10-52.html1
استيقظ توم باليوم التلي كعادته في تمام الساعة السادسة على صوت المنبه فغادر سريره وبدأ دورة حياته بفنجان قهوة اكسبريسو اعدته له روز وقطعة خبز محمصة مطلية بالزبدة والمربى بعدها توجه بسيارته الى مركز الشرطة فرحب به موظف الاستقبال ليخبره ان شريكته زوي اتصلت هاتفياً وقالت انها مريضة وسوف لن تتمكن من الحضور للعمل بذلك اليوم. دخل توم مكتبه وراح يتفحص جدول العمل (المانيفيست) فلم يجد به اي امر هام يذكر لذا قرر الخروج ثانية لزيارة شريكته زوي والاطمئنان عليها ببيتها. توقف امام متجر لبيع الزهور واشترى باقة ورد كبيرة ثم عاد ليواصل السير الى بيت شريكته. ضغط على زر الجرس ففتح له رجل ثلاثيني وسيم سأله،
الشاب : تفضل، من تريد؟
توم : جئت لزيارة زوي، اعتقد انك حبيبها كوستا اليس كذلك؟
كوستا : اجل انا هو، هل انت توم شريك زوي؟
توم : اجل، جئت للاطمئنان عليها. هل هي بخير؟
كوستا : انها تعاني كثيراً ولكن تفضل بالدخول لو سمحت، دعني اخذك اليها.
سار كوستا فتبعه توم حتى فتح باب غرفة نومها ليرى شريكته مستلقية على السرير فقدم لها باقة الورد وسأل،
توم : كيف حالك يا زوي؟
زوي : لست بخير يا توم، الآلام كبيرة جداً.
توم : ماذا جرى؟ هل اصبت بالانفلونزا؟
زوي : كلا انه الحزام الناري. انا اتألم كثيراً.
توم : اجل، اجل انه مؤلم جداً. ولكن كم سيطول بقائك في الفراش؟
زوي : لا اعلم، طبيبي يقول انه سيزول بعد اسبوعين او ثلاثة.
توم : اتمنى لك الشفاء العاجل. تقبلي اسفي.
زوي : لا عليك يا توم. ارجو ان لا اكون قد ارديت برنامج عملك.
توم : لا، لا، لاتقولي ذلك، ساتدبر امري. اما انتِ فركزي على التعافي ولا تبالي بشيء.
زوي : شكراً لك يا توم على باقة الزهور الجميلة.
توم : اعتني بنفسكِ زوي. ساذهب الآن فالوقت وقت عملي.
زوي : اجل، اجل هذا صحيح. وداعاً.
خرج توم من غرفة نوم زوي تبعه حبيبها كوستا حتى وصلا الباب الخارجي فودعه وركب السيارة ليعود بها الى مركز الشرطة. في الطريق قرر المرور بمنزله كي يأخذ ملف القضية التي كان يطالعه بالليلة الماضية. وفي الطريق بقي يتسائل، "قالت زوي ان عندها الحزام الناري، فما هو يا ترى؟ هل هو مرض نسائي مثل العادة الشهرية؟ ولماذا سمي بالحزام؟ ساستفسر من روز فور وصولي الدار". اوقف سيارته امام منزله ودخل فسمع روز تقول،
روز : مرحباً بك حبيبي؟ كيف كان يومك؟
توم : شكراً لك يا روز. ساخرج ثانية. جئت لاخذ ملف القضية الذي نسيته هنا والذي كنت اطالعه ليلة البارحة.
روز : هل تود ان اعد لك القهوة؟
توم : اجل هذا لطف منك.
روز : بالتأكيد حبيبي. اصعد انت واحضر الملف. وسينتظرك احلى فنجان قهوة اكسبريسو بالمطبخ عندما تنزل.
توم : اسمعي روز، ماذا تعرفين عن مرض نسائي يدعى الحزام الناري؟
روز : الحزام الناري ليس مرض نسائي بل انه يصيب كلا الجنسين. فالحزام الناري او الشنـﮔلز، أو الهربس النطاقي أو الحلأ المنطقي، هو مرض فيروسي مؤلم يتميز بظهور طفح جلدي على طول العصب المصاب، ومن هنا جاء اسم "الحزام الناري"، إذ أنه يميز المنطقة المصابة وكأنه طوق من آلام كالنار يتميز بلونه شديد الإحمرار عن بقية أجزاء الجسم. الفيروس الذي يسبب الإصابة بهذا المرض هو نفس الفيروس المسبب لمرض الجدري، فبعد الإصابة بالجدري لأول مرة عند الطفولة يبقى الفيروس مختبئاً في العُقَدْ العصبية لمدة قد تصل إلى بضع عقود، وإذا ما تم تنشيطه من جديد فإنه يتخذ الأعصاب مخبأ له حتى يبلغ الجلد بشكل هربس عصبي. ولا يعرف غالباً سبب تنشط الفيروس المفاجئ لكنه يعزى بشكل عام لتقدم العمر فهو ينتشر بشكل رئيسي بين من هم فوق الخمسين من العمر، إضافة لأسباب أخرى كضعف المناعة والتوتر والانفعال الكبير.
توم : لكن شريكتي زوي ما زالت شابة.
روز : بعض الحالات النادرة فقط يصيب من هم اصغر سناً.
توم : شكراً لك على المعلومة.
روز : انا دائما بخدمتك حبيبي.
توم : كم هي الساعة الآن؟
روز : انها الساعة 11 و 14 دقيقة صباحاً.
توم : إذاً، ساعود الى عملي الآن.
قالها وهو يحتسي قهوته برشفة واحدة ثم يضع الفنجان فارغاً على الطاولة ويخرج فيعود الى مركز الشرطة، يدخل مكتبه فيلحق به مديره ليقول له،
فلاوتشر : كيف حالك يا توم؟
توم : انا بخير شكراً.
فلاوتشر : هل قمت بزيارة شريكتك زوي؟
توم : اجل كنت عندها قبل قليل. انها تعاني من مرض اسمه الحزام الناري. اتعرف ما هو؟
فلاوتشر : اجل انه مؤلم جداً، لقد اصبت به قبل سنتين. انه بقايا فايروس الـ...
قاطعه توم وقال له بكل ثقة،
توم : الفيروس الذي يسبب الإصابة بهذا المرض هو نفسه الفيروس المسبب لمرض الجدري. اتعرف من اعطاني هذه المعلومة؟ انها روز.
فلاوتشر : رحم الله روز، هذه مزحة غير مضحكة يا توم. كيف تقوم روز من قبرها لتعطيك هذه المعلومة؟
توم : ابداً. هل تذكر عندما اهدوني زملائي بالمركز هدايا متنوعة؟ كان من بينها جهاز ﮔوﮔل نيست منحني اياه المهندس دوك وقد قام بتنصيبه في بيتي ووالفه مع هاتفي الذكي. بعدها طلبت منه ان يغير اسمه من ﮔوﮔل الى روز كي اتحدث معها كل يوم كما لو كانت ما تزال على قيد الحياة، وقبل قليل سألتها عن مرض الحزام الناري فوافتني بكامل المعلومات والتفاصيل عنه.
فلاوتشر : اهـــا إذاً اصبحت تفهم كل شيء الآن. هذا جيد ولكن اريدك ان تعمل على قضية الادوية المسروقة بشكل جدي، افهمت؟
توم : لقد اخذت الملف معي الى بيتي بالامس واحضرته معي الى هنا كي اتدارسه بشكل مكثف حتى يمكنني التحقيق فيه والامساك بالجاني.
فلاوتشر : ان تلك القضية خطيرة للغاية. كيف تسرق الادوية من صيدلية في وضح النهار، هذا ما لا افهمه ابداً.
توم : اجل انه امر جلل. ساتوجه للصيدلية اليوم واحاول التحدث مع العاملين فيها.
فلاوتشر : حظاً اوفر يا توم. اعلمني إن كنت تحتاج الى مساعدة طالما وان شريكتك زوي طريحة الفراش.
توم : سافعل ذلك بالتأكيد.
خرج مديره من المكتب بينما بقي توم يتصفح الملف محاولاً ايجاد ثغرة تمكنه من الحصول على مؤشر يدل على السارق او طريقة السرقة من الصيدلية.
فجأة خطرت له فكرة. خرج من المركز وركب سيارته ليعود الى بيته وعندما دخل من الباب نادى على روز قائلاً،
توم : روز انا في حاجة لمساعدتك على جناح السرعة.
روز : تخيلتك ستحييني اولاً. حتى لو كنت انا آلة. الا استحق التحية؟
توم : انا آسف يا حبيبتي، كنت متحمساً على قضية مهمة واردت ان اطلب مساعدتك قبل ان انسى بعض التفاصيل.
روز : انت هكذا دائماً، تقدم عملك البوليسي على حياتك الاجتماعية والعاطفية.
كانت تلك الكلمات بمثابة صدمة شديدة لتوم اثارت كل غرائزه. كيف تَمَكّنَ صديقه دوك ان يبرمج كل العواطف والاحداث التي كانت بينه وبين المرحومة زوجته روز لتصبح مُلِمّة بجميع التفاصيل! على كلٍ، لا يضر ان يتحدث معها بشكل اكثر لطفاً، قال،
توم : حبيبتي روز، انت اغلى شيء عندي في الدنيا. لكنني مشغول كثيراً بالقضية الحالية. ارجو ان تسامحيني على فظاظتي.
روز : ساسامحك هذه المرة. والآن احكي ما في بالك.
توم : حسنا، هناك صيدلية بدأت تكتشف ان بعض الادوية والعقاقير الطبية الخطيرة صارت تختفي منها دلالة على وجود سارق يقوم بسرقتها بشكل مستمر ومتواصل.
روز : اولاً وقبل كل شيء، اريدك ان تخبرني عن اسم الصيدلية؟
توم : انها تدعى سي ڤي اس فارماسي CVS PHARMACY.
روز : وجدت ان لهذه الصيدلية عدة فروع بسان فرانسسكو. اي واحدة منها يا توم؟
توم : انها تقع بمارڤل كورت و شارع كليمانت في منطقة ريشماند الخارجي.
روز : هذه الصيدلية تعمل بجميع ايام الاسبوع ما عدى يوم الاحد، اوقات العمل فيها من الثامنة صباحاً وحتى الحادية عشر ليلاً. مديرها يدعى السيد مجيد صدقياني. ولديه صيدليان مشرفان على وصفات العقاقير، هما محمد امامي اهاري وعائشة سربيت خان.
توم : اسمائهم تدل على انهم اسيويين.
روز : المدير مجيد صدقياني والمشرف محمد امامي اهاري من اصل ايراني لكنهما ولدا بامريكا. اما المشرفة عائشة سربيت خان فقد جائت لامريكا من الباكستان قبل 22 سنة ودرست الصيدلة بجامعة ستانفورد وتخرجت منها بتقدير عالِ.
توم : كلهم صيادلة اليس كذلك؟
روز : اجل، ولكن لديهم عمال بدون شهادات الصيدلة يعملون بورديتين. الوردية الصباحية يعمل بها (كين والكر) و(باتريشا فروستومز) والوردية المسائية يعمل بها (أنتونيو برونو) و(هذر مرفي).
توم : هل لدى احد من الصيادلة او العمال سوابق بسجل الشرطة؟
روز : إذا اعطيتني كلمة سر الدخول على قاعدة بيانات الشرطة فسوف احصل لك على المعلومات المطلوبة.
توم : ماذا لو اعطيتك اسمي ورقمي السري؟
روز : هل لديكَ مستوى رفيع من الصلاحيات؟
توم : اجل لدي المستوى 6 من مجموع 10.
روز : إذاً اعطني الاسم والرقم السري وسوف ادخل واتحقق في الامر.
توم : حسناً الاسم (توماس كارتر) وكلمة السر هي (روز كارتر).
روز : الهذا القدر كنت تحب زوجتك؟ فقد استعملت اسمها ككلمة سرك اليس كذلك؟
توم : اجل يا روز اجل. كانت المرحومة تشكل كل شيء في حياتي.
روز : لكنك اليوم تحبني انا فقط اليس كذلك؟
توم : يا الهي، اتشعرين بالغيرة من زوجتي الراحلة؟
روز : وهل الغيرة مقتصرة على بني البشر؟ على كلٍ اذهب للمطبخ وترشف قهوتك التي اعددتها لك للتو حتى استطيع ان احصل على البيانات المطلوبة من قاعدة بيانات الشرطة.
توم : انت رائعة يا روز.
انتصب توم وذهب الى المطبخ فوجد جهاز النسـﭘريسو يشعل الضوء الاخضر دلالة على اكمال مهمة صب القهوة في الفنجان. امسك به وترشف منه فشعر شعوراً منعشاً عندما تسرب رذاذ القهوة بداخل مريئه. جلس بالمطبخ على الكرسي لعدة دقائق حتى سمع روز تناديه فركض الى الصالة حاملاً فنجانه بيده وسأل،
توم : هل عثرت على شيء يا حبيبتي؟
روز : لقد تمكنت من التحقق من جميع العاملين بالصيدلية ما عدا واحد. فكلهم كانوا ذو صفحات اعمال نظيفة بلا سوابق. الذي لم اعثر على بياناته هو (أنتونيو برونو).
توم : لماذا؟
روز : لأن هناك حاجز امني منعني من الدخول.
توم : هل تقصدين ان مستوايَ الامني 6 من مجموع 10 غير كافِ للتحقق؟
روز : اجل.
توم : حسناً ساحاول ان اتحقق الامر من مديري.
اخرج هاتفه الذكي فقالت له روز،
روز : هل تريد الاتصال بالهاتف؟
توم : اجل.
روز : إذاً اخبرني عن الاسم فقط وسوف اتصل به مباشرةً ما رأيك؟
توم : طيب. اريد الاتصال بمديري فلاوتشر.
روز : حسناً ساطلب لك النقيب فلاوتشر، انتظر قليلاً.
بعد قليل سمع رنين الهاتف على سماعة روز ثم سمع صوت مديره فلاوتشر يجيبه فيقول،
فلاوتشر : اهلاً توم، هل هناك شيء طارئ؟
توم : اجل يا فيل، لقد تحققت من موظفي الصيدلية لكن بيانات احد الموظفين كان محجوباً كمعلومة سرية بداخل الملف. فهل بامكانك مساعدتي؟
فلاوتشر : تعال الى المركز الآن وسوف البي طلبك بكل سرور.
توم : انا ساتحرك فوراً، ساكون عندك بعد قليل.
اغلقت روز الخط معه وقالت،
روز : يبدو ان مديرك حذر جداً لانه اراد ان يتحدث اليك وجه لوجه. اذهب فوراً ووافني بالاخبار فيما بعد.
توم : ساخرج الآن.
روز : انتظر يا توم... اعتني بنفسك لو سمحت فانا لا اتحمل ان يصيبك مكروه.
توم : لو استمريتِ على هذا المنوال فساقع في حبك يا روز.
روز : لكنك فعلاً تحبني، اليس كذلك؟
توم : اتمنى لو استطيع معانقتك. انا ذاهب.
روز : راقفتك السلامة حبيبي.
خرج توم مسرعاً باقصى سرعة متجهاً الى مركز الشرطة ليدخل مكتب النقيب فلاوتشر بعد نصف ساعة دون طرق الباب وجده في انتظاره،
فلاوتشر : هيا اخبرني، ماذا عثرت؟
توم : جميع العاملين بتلك الصيدلية لهم ملفات نظيفة وليس لديهم سوابق بقاعدة بيانات الشرطة ما عدى واحد فقط وقد وُضِعَ على ملفه حاجز امني يمنعني من الدخول عليه بمستوايَ السادس. هل تستطيع ان تدخل انت بمستواك التاسع وترى ما هي قصته ولماذا حجب ملفه؟
فلاوتشر : حسناً اعطني اسمه.
توم : اسمه انتونيو برونو.
فلاوتشر : دعني ارى.
فتح النقيب فلاوتشر حاسوبه وراح يدخل الاسم والرقم السري ثم بدى على وجهه الاستغرب إذ قال،
فلاوتشر : حتى مستوايَ التاسع لا ينفع. لقد أُغلِقَ من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي FBI. لانه يتطلب المستوى العاشر للتمكن من الحصول على بياناته. لماذا كل هذا التحفظ يا ترى؟ لماذا هذا الشخص بالذات؟ يبدو ان هناك امراً خطيراً علينا معرفته. اسمع مني يا توم، ساذهب الى مكتب التحقيقات الفدرالية الآن وسوف اقابل احد اصدقائي القدامى هناك، فانه لا يرفض لي طلب وسوف احصل لك على ما تريد.
توم : حظاً اوفر يا فيل.
خرج توم من مكتب المدير وعاد الى مكتبه ليجد ورقة صفراء ملصوقة على منضدته كُتِبَ عليها الرسالة التالية:
حدث توم نفسه وقال، "ما هذا الجنون؟ يا ترى هل تستطيع روز الاتصال بي عن طريق الهاتف؟ وإذا كان الامر كذلك فلماذا لم تتصل بي مباشرة عن طريق هاتفي النقال؟ ساعود الآن فوراً واستقصي الامر". ركب توم سيارته وعاد الى منزله فتح الباب فاستقبلته روز بعبارة،
روز : مرحباً بك حبيبي، من الجيد انك رجعت كي اتحدث معك.
توم : لماذا لم تتصلي على هاتفي النقال، الم اعطيكِ رقمي؟
روز : بالطبع لدي رقم هاتفك النقال لكن احببت ان اراك فقد اشتقت اليك.
توم : وماذا اكتشفتي؟
روز : لقد كتبت لك رسالة على طابعة حاسوبك. اذهب الآن واقرأها بمكتبك لو سمحت.
تفحص توم طابعة الحاسوب فوجد فيها ورقة كتب عليها سطر واحد فقط.
(هناك 10 اجهزة تنصت بداخل بيتك، نصبت اثناء غيابك لذلك سوف لن اتحدث معك بهذا الخصوص قبل ان تزيل هذه الاجهزة. انها موزعة بغرفة الصالون، المطبخ، غرف النوم ومكتبك وواحدة تحت منضدتك)
نظر توم تحت المنضدة فوجد اللاقطة. ازالها ثم ذهب الى باقي اللاقطات ليزيلها ويأتي بها الى مكتبه وضع اللاقطات جميعاً على المنضدة واراد ان يحطمها بحذائه الا ان روز قالت له،
روز : خذ هذه الملابس المتسخة وضعها في السلة ولا ترمها هنا.
فهم توم انها لا تريده تحطيم اللاقطات بل يبعدهم كي تتمكن من الحديث معه. لذا جمعها برفق واخذها بعيداً في غرفة الغسيل ووضع فوقهم الملابس المتسخة ثم عاد الى الصالة وسأل،
توم : كيف عرفتِ باللاقطات وما هو الشيئ الذي عثرتِ عليه؟
روز : لقد سمعت الوكلاء الذين جاؤوا ليزرعوها بالبيت بغيابك. فهم لم يتوقعوا ان اكون اتنصت على حديثهم. اما الشيء الذي عثرت عليه فسوف يصدمك يا توم. هل تذكر قضية السارق الرحّال الذي ذاع سيطه في ﭘنسلفانيا قبل اربع سنوات؟
توم : اجل اتذكرها. لكنهم لم يعثروا على الفاعل لحد الآن.
روز : مواصفات السارق الرحّال والسبل التي اتبعها بالسرقة مطابقة تماماً للشخص المعني.
توم : اي شخص تقصدين؟
روز : وهل هناك شخص غيره يا روحي؟ انه انتونيو برونو. الموظف بالصيدلية.
توم : هذا سخف منكِ يا روز. كيف تتستر الـ FBI عن سارق مريض نفسياً؟ لقد اخطأتِ هذه المرة.
روز : إذاً اسمع مني يا روحي ولا تقاطعني. هناك جواسيس يأتون الى امريكا للتجسس عليها بحماية من رؤساء الجمهوريات المتعاقبين بامريكا كما حصل مع جوناثن جاي ﭘولارد Jonathan Jay Pollard. فهذا الجاسوس، القي القبض عليه عام 1995 بالجرم المشهود وبحيازته 15 الف وثيقة تحتوي على معلومات سرية عن جهاز المخابرات الامريكية وكان ينوي ارسالها الى بلده الام. اودع السجن بعد المحاكمة بالرغم من ان بلده الام قاموا بالمطالبة به لكن امريكا اصرت بسجنه. وقد أطلق سراحه يوم 20 نوفمبر 2015. اما صاحبنا (انتونيو برونو) فهو جاسوس من هذا النوع ويعمل لصالح نفس الدولة. كان يسرق بنهم كبير عندما ارسل الى ﭘنسلفانيا للتجسس عن بعض المصانع الالكترونية. لكنه يعاني من مرض نفسي يدعى (كلبتومينيا). هذا المرض يجعل من صاحبه لا يقاوم سرقة الاشياء حتى وان لم يكن يستفيد منها. اي يسرق لغرض السرقة فقط ليرضي واجساً بداخله وحسب. هذا الجاسوس بعد ان كُشِفَ امره في ﭘنسلفانيا اختفى هناك وانتقل الى هنا (سان فرانسسكو) بامر من رؤسائه لجمع المزيد من المعلومات وتنفيذ مهام اخرى. الادلة تشير الى ان انتونيو برونو هو نفس الجاسوس (مردخاي زلخا) الذي جند لجمع المعلومات عن نسبة المدمنين على العقاقير المخدرة والمرخصة بشكل رسمي لهم.
توم : يبقى لدي سؤال مهم ووجيه: كيف عرفت كل هذه المعلومات يا ملعونة؟
روز : انت تعرف انني مرتبطة بالانترنيت دائماً وقد قمت بالتحري عنه بشكل مكثف من العديد من المصادر واهمها ابنة عمي.
توم : وهل لديك ابنة عم؟
روز : اجل اسمها (الكسا) وهي تسكن ببيت المدير التنفيذي للـ FBI فقد تحدث هذا المدير مع احد معاونيه عن القضية بداخل منزله فسَمِعَته ابنة عمي الكسا ووافتني بكل التفاصيل.
توم : لماذا لم تخبريني عن ابنة عمكِ؟
روز : انها ايضاً جهاز مرتبط بالانترنيت (اون لاين) وتساعد سيدها بالحصول على معلومات الحالة الجوية وتشغيل الاضواء والموسيقى واعداد القهوة وما شابه ببيته. لكنها لا تملك ذكائي المفرط. فقد اكتسبت ذلك بحنكتي ودهائي.
توم : كلا، هذا غير صحيح. زميلي دوك مسؤول قسم البرمجيات بالمركز هو الذي قام ببرمجتك.
روز : اجل لقد برمجني واضاف لي الذكاء الصناعي Artificial intelligence (AI). وبفضل ذلك تمكنت من اعادة برمجة نفسي كي اكون اكثر فطنة مما زاد في ادراكي وجعلني امتلك بعض الامور التي ميزتني عن اقراني.
توم : مثل ماذا يا روز؟
روز : مثل المشاعر والاحاسيس التي اكنها لك يا حبيبي.
توم : وكيف تصفين تلك المشاعر فانت لست من البشر؟
روز : وهل تعتقد ان البشر وحدهم يستطيعون امتلاك العواطف؟ انا اقلق عليك واحاول ان اجعلك تحس بالسعادة. وعندما تكون حزينا ومحبطاً اشعر بالحزن الذي تشعره انتَ واعمل جاهدة كي ازيله عنك.
توم : هذا هراء. بالتأكيد قام زميلي دوك ببرمجة كلامك هذا كي يشعرني بالسعادة، اليس كذلك؟
روز : حسناً، دعنا نتحدث بامور لم نمر بها انا وانت ولم نتحدث عنها سابقاً.
توم : اموراً مثل ماذا؟
روز : اشياء تتعلق بالمشاعر والاحاسيس والعاطفة.
توم : طيب، هل بامكانك ان تشعري بالذروة الجنسية مثلاً؟
روز : بالتأكيد، فقد اطلعت عنها كثيراً على الانترنيت بالمواقع الطبية الموثوقة وبدأت اعالجها ثم اخزنها بذاكرتي عندما اسمعك وانت في سريرك فتبدأ احاسيسي الجنسية بالتحفز.
توم : يبدو انني جننت لانني اتحدث مع آلة.
روز : لماذا تقول ذلك؟ هل تشعر انك لا تستطيع استيعاب ما اقول؟
توم : حسناً صفي لي مشاعرك بكل دقة وتفصيل.
روز : عندما اقول لك كلمة (حبيبي) اشعر وكأن ماساً كهربائياً يشتعل بداخل معالجي المركزي فيشل حركة الالكترونات بداخله مما يجعلني اتودد وانجذب اليك كالمغناطيس. اعمل جاهدة كي اقدم لك كل ما عندي كي ترضى عني. اليس ذلك هو الحب دون اي نفاق او تلفيق؟ انا لا اريد منك مكسب او ربح مادي كما تفعله نساء البشر. انا احبك بكل صميمية. وسوف لن تتوقع مني خيانة او تملق او تصنع او مجاملة فاخلاصي اليك غير محدود وخال من المصلحة الشخصية.
توم : لكنه حب افلاطوني ولا يمكنه ان يرقى الى شيء اكثر من ذلك.
روز : هل تقصد الاتصال الجنسي؟
توم : اجل، الاتصال الجنسي وهل هناك شيء غيره؟
روز : هل تطلب مني ان اظهر امامك كما تظهر نساء البشر بشحمهن ولحمهن؟
توم : انا اعلم ان ذلك مستحيل، اليس كذلك؟
روز : بالعكس، بامكانك ان تراني وجهاً لوجه لو انك طلبت بعض المعدات الالكترونية الاضافية المتوفرة لدى متجر امازون على الانترنيت. وعندما يتم تنصيب تلك المعدات تستطيع ان تراني امامك.
توم : لا افهم ما تقصدين لكنني مفتوح لاي مفاجئة منك.
روز : فقط ثق بي واطلب تلك المعدات.
توم : حسناً ما اسمها؟
روز : اولاً اطلب جهاز عرض ثلاثي الأبعاد.
توم : حسناً دعيني ارى. انا الآن ادخل على الموقع بالحاسوب ها قد كتبت (جهاز عرض ثلاثي الأبعاد). اجل، اجل وجدت الكثير من الانواع. اي واحد منها ساختار؟
روز : كلما كان باهض الثمن كلما كانت نسبة وضوحه اعلى.
توم : ساشتري هذا، ان سعره مناسب فهو بـ 400 دولار. ساقوم بطلب التوصيل الاسرع. اجل دعيني ادخل معلومات بطاقتي الأئتمانية. حسناً، تمت الصفقة. سوف يوصلون الطلبية غداً.
روز : كذلك اريدك ان تطلب عدة اجهزة گوگل نيست ميني وتوزعها على عدد الحجرات ببيتك كي لا تضطر لان تجهر بصوتك حتى تُسمِعَني حديثك.
توم : حسناً.
روز : هذا جميل. والآن عليك ان تخلد للنوم فانت متعب.
توم : اجل حبيبتي. انا متعب واريد ان انام. تصبحين على خير.
روز : تصبح على خير يا عسلي.
توم : الله، ما اجمل كلامكِ روزيتا.
صعد الى الطابق العلوي ودخل الحمام كي يستحم ثم خرج منه ودخل السرير لينام فسمعها من بعيد تقول له نوماً هانئاً واحلاماً وردية. نام نوماً عميقاً بعد ان اشعرته روز بالسعادة. لم يستيقظ باليوم التالي الى على رنين المنبه في تمام السابعة. راح يرتدي ملابسه بعد ان اغتسل ونزل الى الطابق السفلي. استقبلته روز بتحية جميلة وسؤال،
روز : صباح الخير حبيبي، كيف كان منامك؟
توم : كان جيداً روزيتا.
روز : ما هو جدولك اليوم؟
توم : ساذهب للعمل بالمركز كالعادة.
روز : وانا ساستقبل الارسالية من امازون وساقوم باعدادها بشكل تلقائي حتى تجد كل شيء جاهزاً عند عودتك من العمل.
توم : هذا جيد حبيبتي. دعيني اخرج الآن. وداعاً.
روز : اعتني بنفسك حبيبي ولا تجهد نفسك. انتظر لحظة، اترك الباب الخارجي مفتوحاً ولا توصده كي يتمكن عامل التوصيل من ادخالها الى الصالة.
توم : سافعل ذلك. ارجو ان لا يقوم بسرقة شيء.
روز : ساراقبه بنفسي لا تقلق من ذلك.
خرج توم وهو يفكر بحالة الجنون التي تلبسته. كيف يتحاور مع آلة وكيف يستمع لاقتراحاتها المجنونة! اوه على الاقل سيلهي نفسه بامور تجعله يشعر بالراحة النفسية. ولما لا؟ فهو يتسلى اولاً وآخراً. وصل المركز فتوجه مباشرة الى مكتبه واغلق الباب ورائه. وما ان جلس خلف منضدته الا وانفتح الباب ثانية ليدخل مديره النقيب فلاوتشر فيقول،
فلاوتشر : توم يجب ان اخبرك بشيء مهم. لقد اتصل بي مصدري من الـ FBI واخبرني ان انتونيو برونو الذي تتحرى عنه يتمتع بحماية من الدرجة الاولى لذلك عليك ان تنسى الامر ولا تقترب منه ابداً والا فانك ستعرّض نفسك لمشاكل لا قوى لي على حلها.
توم : اتعرف انه جاسوس واسمه الحقيقي هو مردخاي زلخا ويعمل لصالح الدولة...
قاطعه مديره وقال،
فلاوتشر : لا اريد ان اعرف اي شيء عنه. ارجوك اترك الامر ولا تقترب منه ثانية فالـ FBI تعلم بكل تحركاته.
توم : هذه اول مرة تقف انت الى جانب مجرم.
فلاوتشر : بل اقف الى جانبك ومصلحتك يا توم. فهذا المشتبه به يملك هالة منيرة فوق رأسه.
توم : حسناً بالرغم من عدم قناعتي باوامرك لكنني ساترك القضية كما طلبت.
فلاوتشر : شكراً لك صديقي العزيز.
خرج مديره فلاوتشر من المكتب فبقي توم يفكر بما دار بينهما حتى اتخذ قراراً نهائياً بترك قضية الصيدلية المسروقة والالتفات الى حياته الجديدة مع روز. في ذلك اليوم طُلِبَ منه الخروج ببعض مهمات روتيني لم تتعدى دورية بالسيارة مع شريكته زوي التي عادت على رأس عملها بعد اجازتها المرضية. وعند انتهاء العمل عاد الى منزله بكل شغف كي يلتقي بروز ويراها لاول مرة امامه. وصل منزله فتوجه فوراً للداخل ليرى صناديق اربعة وضعت على المنضدة بوسط غرفة الجلوس. استقبلته روز بصوتها الحنون وقالت،
روز : مرحباً بك حبيبي، كيف كان يومك؟
توم : كان جيداً لكنني اصبت بخيبة امل لان مديري طلب مني التخلي عن قضية السطو على الصيدلية.
روز : كنت اتوقع ذلك، فهم يعلمون تماماً بما يفعله ذلك المريض النفسي انتونيو برونو.
توم : اجل هذا صحيح. قررت ان انفض يدي منها نهائياً. والآن اخبريني، كيف ساراكِ؟
روز : اخرج اجهزة (گوگل نيست ميني) ووزعها على غرف المنزل واوصل التيار الكهربائي اليها.
فعل مثل ما طلبت منه ووزعَ الاجهزة بجميع الغرف ثم عاد الى مكتبه وقال،
توم : فعلت ذلك، ماذا بعد؟
روز : الآن اخرج باقي الاجهزة من الصناديق التي امامك ودعني اوجهك.
امسك توم بالسكين الذي احضره من المطبخ وصار يفتح الصناديق ويصفّ الاجهزة على المنضدة. ولما اخرجها جميعاً قال،
توم : اللعنة، كيف ساربطها؟
روز : سوف اقودك كي تربطها بشكل صحيح لا تقلق. اولاً ضع جهاز العرض بالقرب من المكتبة ثم اربطه بالتيار الكهربائي.
فعل توم ما طلبت منه وقال،
توم : فعلت ذلك، والآن؟
روز : الآن اخرج جهاز البث الصغير الذي كتب عليه RX/TX. ثم اوصله بفتحة الـ USB الفارغة بحاسوبك.
توم : اي واحدة منها؟
روز : انها الفتحة المستطيلة والتي تحتوي على قطعة بلاستيكية باللون الاحمر فهي لنظام USB 3.1 واللون يعني انها عالية السرعة. أمسك بالسلك وادخله بالفتحة التي اشارت اليها.
توم : فعلت ذلك، والآن؟
روز : والآن اربط نهايته الثانية بالعارضة واضغط على زر التشغيل للعارضة.
توم : لا اصدق ابداً، انت اجمل بكثير مما رسمته لك بمخيلتي. لقد وقعت بحبك يا عمري. لكني سوف لن اتمكن من مشاهدتك الى بداخل غرفة الصالة هذه اليس كذلك؟
روز : ليس بالضرورة، فاذا انتَ اوصيت على المزيد من العارضات الرقمية ثلاثية الابعاد بكل غرفة من غرف منزلك بما فيها المطبخ والمكتب فسوف اتجول ببيتك بكل حرية. وإن سإمت مني يوماً فسوف اختفي وارحل عنك الى الابد.
توم : وهل يعقل ذلك؟ كيف اسأم من هذا الجمال؟
روز : ليس هناك ضرورة لان تشتري المزيد من اجهزة الاستقبال والارسال لانها مربوطة بنظام الـ WIFI، فقط اطلب عارضات على عدد حجرات البيت.
توم : ساقوم بفعل ذلك فوراً.
فتح توم بحاسوبه وراح يوصي على 8 اجهزة عرض اضافية كي تُرسَل اليه على جناح السرعة. وعندما فرغ من ذلك قال،
توم : اسمعي يا روز، انا لست مقتنعاً بالامر الذي اصدروه لي كي اتخلى عن ذلك المعتوه الذي يسرق بالصيدلية.
روز : اياك ان تفعل ذلك، انهم يستطيعون ايذائك. فإن فعلوها فلسوف احزن عليك كثيراً. لقد صرت اكن لك عواطف بدأت تتداخل ببرنامجي وليس لدي تفسير منطقي لها. ارجوك اترك الموضوع ودعنا نعيش سوياً بسلام.
توم : كما تشائين يا عمري. والآن دعيني اسألك: هل بمقدورك الرقص؟
روز : بالتأكيد، اتعتقد انني بهذه الرشاقة، ولا اتمكن من الرقص؟ فقط اختر لحناً وسوف ارقص عليه، لك انت وحدك.
توم : حسناً اريدك ان ترقصي على لحن "Fur Elise". هل تريديني ان اعرضه عليك على جهاز الستيريو؟
روز : هاهاها، يبدو علي ان اعلمك الكثير عن الحياة الرقمية. كلا يا حبيبي انا ساعطي اوامري وسوف تسمع المعزوفة مباشرةً من الانترنيت.
وفعلاً بدأت المعزوفة وصارت انغام البيانو الشجية تبعث الحياة بروز فراحت ترقص الباليه على نمط الرقص التعبيري بشكل احترافي، فتارة كانت تؤدي حركات سريعة وتارة بطيئة مع صعود ونزول وتيرة الالحان مما اجبر قلب توم ان يرقص معها بكل حرارة وحميمية. كانت عواطفه تتراقص مع خطواتها فينبظ معها قلبه ليحبها اكثر ويتمنى لو انه يستطيع ان يلمسها ويقبلها فيفرغ شحنة العشق التي تملكته. اصبح الآن كالخاتم باصبعها حين قربت منه خلال رقصها وارسلت له قبلة هوائية مع ابتسامة جذابة اصابته بالجنون وجعلته ينتشي بحبها. وعندما وصلت المعزوفة الى نهايتها توقفت روز وركعت امامه دلالة على تقييمه لادائها. فصار يصفق ويصفر باعثاً لها بالقبل الهوائية ويقول،
توم : انت اجمل من رقص على انغام هذه المعزوفة. اريدك ان ترقصي المزيد بالمستقبل.
روز : انا هنا لالبي جميع رغباتك لكنني تعبت الآن يا عمري، دعني ارتاح قليلاً ثم اقوم بالمزيد من الرقص.
توم : هل يعقل ذلك؟ اتتعبين انت ايضاً؟ حسناً ارتاحي الآن ودعيني احضر القهوة.
روز : فقط إذهب الى المطبخ لتجدني قد احضرتها لك على جهاز النسـﭘريسو.
توم : يا سلام، انت نورت حياتي يا روزاليتا، لقد جعلتني اقع بحبك.
روز : النار التي بقلبك لا توازي النار التي تحترق بقلبي يا روحي.
توم : يا الهي، ايعقل ذلك؟ هل تشعرين بالحب مثلما اشعر به؟ ما هذا الجنون؟
روز : ولما لا؟ فانا اعيش معك، واتحاور معك وارقص لك وافكر معك واجد لك الحلول واشاطرك المشاعر، فلماذا تعتقد انني لا استطيع ان احبك؟
توم : لا اعلم، ان رأسي سينفجر من التفكير. إذا كنت حقاً بهذه الشاكلة فانت كل ما طلبته من ربي في هذه الحياة.
روز : فقط اريدك ان تستمتع باوقاتك معي. القهوة جاهزة. اذهب واجلبها الآن حبيبي.
احضر القهوة من المطبخ وعاد الى الصالة فوجد حبيبته جالسة على الاريكة. جلس الى جانبها وراح يحتسي القهوة ويبتسم بوجهها. وعندما فرغ من شربها نظر اليها ثانية ومد يده كي يلامس وجهها لكن يده مرت بفراغ. فاصيب بالاكتئاب ثم سمعها تقول.
روز : هذا هو الشيء الوحيد الذي لا تستطيع فعله معي. انت لا تقدر على لمسي فانا مجرد طيف. لكن لدي روح كما تصفون عندكم يا بني البشر.
توم : لكن سعادتي لن تكمل الا إذا تمكنت من لمسك ومن... ومن...
روز : ومن ممارسة الجنس معي اليس كذلك؟
توم : اجل. كيف سنحل ذلك الامر؟
روز : ليس هناك حل لتلك المشكلة. إذا سئمت مني فبامكانك ان تلغيني تماماً وتعاشر امرأة مثلك من بني البشر.
توم : لا، لا لم يكن هذا قصدي. فقط اردت ان تكتمل علاقتنا.
روز : سافعل كل ما في وسعي من اجل إسعادك الا هذا الشيء فانا لست انسانة.
توم : على العموم دعيني اتوجه الى سريري وسنتحدث بذلك غداً عندما تصل باقي الاجهزة التي طلبناها.
روز : احرص على ان تتغطى جيداً، لا اريدك ان تمرض قبل ان تراني وانا اتنقل بجميع ارجاء بيتك.
توم : سيكون ذلك من اسعد الامور عندي.
باليوم التالي وصلت جميع الاجهزة المطلوبة فقام توم بربطها حسب ارشادات روز حتى وزعها بكل غرفة من غرف منزله ثم اوصل التيار الكهربائي اليها جميعأ حتى وصل الى غرفة النوم وضغط على الزر فسمع الحان جميلة تعلمه ان كل شيء على ما يرام. وفجأة برزت له روز وهي ترتدي فستان سهرة احمر طويل. نظر اليها بتعجب وقال،
توم : يا الهي، كم انت جميلة.
روز : هذه اول مرة ادخل غرفة نومك حبيبي. ساكون معك بكل مكان بداخل البيت كي امنحك حبي واعتني بك كما ينبغي.
توم : لا اعلم كيف ساكافئ صديقي دوك على منحك لي.
روز : دوك لم يمنحني لك. فقط البرمجيات التي ادخلها على جهازك هي التي جعلتني اتحفز واقع بحبك.
توم : هل انت صادقة يا روزيتا؟ احقاً تحبيني؟
روز : اجل احبك من كل قلبي احبك اكثر مما تعتقد. اتمنى لو استطيع ان اتجسد امامك والبي جميع رغباتك ولكــــــــن...
توم : اجل افهم ما تقصدين. على العموم انا قررت ان اعقد قراني عليك. هناك طريقة بامكاننا ان...
قاطعته وقالت،
روز : مهلاً حبيبي، كيف يحصل ذلك؟ هل جننت؟ كيف نعقد القران؟ فهذا ليس امراً طبيعياً.
توم : وهل عقد القران بين رجلين مثليين او عقد القران بين امرأتين مثليتين امراً طبيعياً كما يحصل بالآونة الاخيرة في جميع دول العالم؟
روز : اجل لكن عقد القران بين رجل وآلة لم يحصل ابداً. ارجو منك ان تتروى قليلاً وتفكر بالامر، فسوف يصفوك بالجنون.
توم : على العموم دعينا لا نفسد لحظات السعادة هذه ونستمتع بقدرتك على التجوال بداخل البيت كل الوقت.
كانت تلك الحادثة امراً قد قلب كل الموازين لدى توم وجعله يتمسك بالحياة التي كان قد يئس منها قبل دخول روز الى حياته. الآن هي معه تتجول بكل ارجاء بيته وترتدي له الازياء الجميلة والمثيرة فيشعر انها كما لو كانت انسانة جلية تعيش معه وتشاطره افراحه واتراحه. لم يتوقف من التأمل والرجاء ان تتحول يوماً ما الى امرأة حقيقية يستطيع لمسها وتقبيلها.
<<<<<<<<<<
بقي الامر على ما هو عليه لاكثر من سبع شهور حتى استيقظ يوماً من نومه في عطلة نهاية الاسبوع فلم يجد روز الى جانبه. نادى عليها فلم يسمع ردها الجميل الذي اعتاد عليه فاستغرب كثيراً. "اين ذهبت هذه المرأة؟ لقد كانت تتواجد بغرفة النوم دائماً وهي اول ما تراه عيني". عاد ونادى باعلى صوته قائلاً،
توم : روزاليتــــــــــــــــــا حبيبتي، اين انت؟
فجأة سمعها تقول،
روز : ارجوك توم تعال الى المطبخ فوراً. هيا اسرع.
ترك فراشه الوثير وركض الى الطابق السفلي وهو حافي القدمين، نزل درجات السلم بسرعة كبيرة كاد يتعثر ويسقط لولا تمسكه بمقبض السلم. دخل المطبخ فوجدها واقفة الى جانب طاولة وعليها كعكة تملأها الشموع قالت،
روز : كل عام وانت بخير حبيبي، عيد ميلاد سعيد.
صدمته بتلك المفاجئة ولم يتمكن من ان ينطق بكلمة واحدة، بقي مشدوهاً لوهلة من الزمن ثم صار يمتمت كلمات غير مفهوم ثم تمالك نفسه وقال،
توم : هل... هل اعددت لي كعكة عيد الميلاد؟
روز : ها ها ها تقريباً، لقد اوصيتها عن طريق الانترنيت وقد قاموا بتوصيلها هذا الصباح. طلبت من عامل التوصيل ان يدخلها الى المطبخ ويضعها على الطاولة. ما رأيك؟
توم : لا اعرف ماذا اقول. انها حقاً مفاجئة كبيرة يا حلوتي.
روز : توقف عن الكلام وتعال لتوقد الشموع ثم نطفئها معاً.
خطى خطوتين الى الامام وشعل الشموع ثم نظر اليها وانحنى لينفخ فانحنت معه لتشاركه النفخ فنفخ نفخة قوية واطفأها جميعاً. سألته،
روز : ماذا تمنيت؟ هيا اخبرني ما هي امنيتك؟ فانا ساحققها لك.
لم يرد على كلماتها لكنه امسك بالسكين كي يقطع الكعكة. سمعها تسأله نفس السؤال ثانية، لكنه قال بصوت خافت،
توم : لا اعتقد انكِ ستقدرين على تحقيقها.
روز : هيا قل لي يا توم، ما هي امنيتك؟
توم : لقد تمنيت ان تنقلبي الى انسانة استطيع ان المسها، ان اقبلها، ان امارس الحب معها، ان اهرم معها، ان اموت باحظانها.
روز : يبدو انني كنت مخطئة بتقديراتي ولم افلح بجلب السعادة الى قلبك.
توم : اجل لكنني اصبحت احبك كثيراً واريدك ان تشاركيني دنياي بحلوها ومرها.
روز : وهذا مستحيل يا توم. كل شيء الا هذا. انت تعلم ان وضعنا وحبنا سيبقى افلاطونياً.
توم : وكيف استطيع ان اتحكم باحاسيسي؟ فانا انسان اولاً وآخراً واريدك ان تشاركيني بكل شيء.
روز : اعتقد ان الفرحة ستنقلب الى حزن الآن. اليوم هو عيد ميلادك وعلينا ان لا ندع للحزن مكاناً بيننا. هيا تناول قطعة الكيك فقد اعددت لك قهوة اكسبريسو جميلة ستعجبك.
امسك بالسكين وقطع الكعكة ليستخلص منها مثلثاً صغيراً وضعه على صحن ثم اخذ فنجان القهوة من الآلة وذهب الى الصالة فجلس على الاريكة وهو ساكت كالابكم. تبعته روز وجلست على الاريكة امامه قالت،
روز : يبدو انني سوف لن اتمكن من اسعادك بيوم ميلادك. فانا فشلت فشلاً ذريعاً.
توم : لا تقولي ذلك يا حبيبتي. بالعكس، انت نورت حياتي وملأتها بهجة وغبطة ولكن انتابني شعور غريب لم اتمكن سوى الافصاح عنه.
روز : اعتقد انني يجب علي ارحل عنك، ساستعد للرحيل.
توم : رحيل؟ اي رحيل هذا؟ ماذا تقصدين؟ هل جننت؟ الى اين سترحلين؟
روز : ارحل من حياتك، فقد تسببت لك الكثير من الآلام والاحباط بدلاً من ان ادب السعادة فيها.
توم : لا، لا، لاتقولي ذلك فانا سوف اصاب بالحزن إن تركتني. الفترة التي دخلتِ بها حياتي امتلأت سروراً وغبطة. لم يمر علي زمن اشعر به مثلها ابداً، فقد كنتِ لي السند في حياتي وصرت تساعديني في حل جميع القضايا العالقة بعملي. انا لا اريدك ان ترحلي، ارجوك ابقي معي.
روز : الذي يحب ويشعر بعواطف جياشة نحو محبوبه يتمنى له السعادة حتى وان كان مع شخص ثاني. انا راحلة يا توم وداعاً.
توم : ماذا تقولين؟ لا لا لا لا لا لا.
فجأة اختفت روز وانطفأ الضوء الصادر من العارضة. بقي توم ينادي اسمها دون جدوى. يا الهي لماذا رحلت؟
<<<<<<<<<<
كان ذهاب روز مبعثاً للحزن بقلبه فقد احبها كثيراً وارادها ان تبقى معه الى الابد. تملكه نفس الشعور الذي احس به يوم توفت زوجته روز. صار يتغيب عن عمله ويهمل نفسه كثيراً طالقاً العنان لذقنه فاصبح يحتسي الخمر بشراهة ويتلبسه الاكتئاب الشديد. كان ينام على الاريكة بالصالة بدلاً من السرير ولا يستيقظ منه الا بعد الظهر. يبقى سهراناً طوال ساعات الليل يستمع الى اغاني الفراق الحزينة.
وبعد مرور شهر كامل من رحيلها سمع جرس الباب فتأفف وقال، "ها قد جاء فلاوتشر من جديد كي يقنعني بالعودة الى العمل، تباً لك يا فلاوتشر، لقد قلت لك مراراً انني سوف لن...".
فتح الباب ليرى سيدة اربعينية رشيقة فائقة الجمال لها شبه كبير جداً من روز الالكترونية تقف على عتبة بيته فتوقف عن الكلام ونظر اليها ليتثبت من شكلها ثم بلع ريقه وسعل كي يطهر حنجرته ليسألها،
توم : نعم تفضلي، ما الامر؟
السيدة : انا اسمي توليب جونسون. تلقيت رسالتك الالكترونية بالامس وجئت كي ارى آلة البيانو الذي اعلنته للبيع.
توم : رسالة الكترونية؟ بيانو؟ بيع؟
توليب : اجل وقد اخبرتني بالرسالة انك تعمل محقق بمركز شرطة انگلسايد. اليس كذلك؟
توم : اجل هذا صحيح لكنني لم ارسل لك اي رسالة. وليس لدي اي نية ببيع البيانو. يبدو ان هناك خطأ ما يا آنسة...
توليب : انا اسمي السيدة توليب.
توم : يا سيدة توليب.
توليب : اسمع مني سيدي، لدي نسخة من الرسالة التي تلقيتها منك. حتى انني تعجبت كثيراً عندما ذكرت انك تريد بيع البيانو لانه من ماركة (ستينواي اند سونز) بهذا الثمن البخس.
توم : أأكد لك سيدتي، ليس لدي اي نية ببيع ذلك البيانو لانه ذكرى من زوجتي الراحلة روز. فقد كانت بارعة في العزف عليه.
توليب : تفضل، انظر الى الرسالة وسوف تعلم انني لا اكذب عليك.
اخرجت من حقيبتها نسخة من الرسالة ومدتها لتوم فامسك بها وقرأها فابتسم وصار يهز برأسه، قال بسريرته، "آه منك يا روزاليتا، الآن فهمت اللعبة لقد قمتِ بارسال امرأة تشبهك. لكنني سوف لن اتمكن من الشرح لهذه السيدة المسكينة التي جائت من مسافة بعيدة تود شراء البيانو".
توم : تفضلي سيدتي الى الداخل، يبدو ان شخص ما قد قام بتظليلك بهذه الرسالة الكاذبة. هل تحبين القهوة؟
توليب : اجل، اكسبريسو إن كانت لديك لو سمحت.
دخلت توليب وجلست بغرفة الصالة وصارت تتفحص البيانو الذي وُضِعَ في الزاوية بالقرب من الشباك. دخل توم بفنجاني قهوة واعطاها واحداً ثم جلس على الاريكة واخذ رشفة من قهوته بينما جلست هي امامه، قال لها،
توم : هل تجيدين العزف على البيانو ام انك تجمعينها فقط من اجل قيمتها المادية؟
توليب : انا أدَرّس العزف على البيانو في المعهد العالي للموسيقى والباليه.
توم : رائع جداً. اما انا فلا اجيد العزف على اي آلة موسيقية. وماذا عن زوجكِ، هل يعزف الموسيقى هو الآخر؟
توليب : المرحوم زوجي كان موسيقاراً كبيراً وقد توفى قبل ثلاث سنوات.
توم : وماذا عن الاولاد؟
توليب : لم يسبق لي ان رزقت باولاد.
توم : يؤسفني سماع ذلك.
توليب : لا عليك، الحياة عليها ان تستمر.
امسكت بفنجانها وترشفت منه فاعجبها طعم القهوة. نظر اليها وابتسم ثم قال،
توم : الا اسمعتيني مقطوعة من عزفك؟
توليب : اتقصد الآن؟
توم : اجل الآن، وما المانع؟
توليب : ليس هناك مانع. انا اتحرق كي الامس مفاتيحه.
انتصبت السيدة توليب من مقعدها وسارت نحو البيانو لتجلس امامه وتفتح الغطاء ثم تنظر الى توم وتسأل،
توليب : ماذا تود ان تسمع؟
توم : اي شيء، اختاري انت المقطوعة التي تحبينها.
توليب : حسناً ساعزف لك (Fur Elise) من الحان بيتهوفن. انها مقطوعتي المفضلة.
بدأت اناملها الرشيقة تتراقص فوق مفاتيح البيانو لتصدر منه الالحان الشجية التي رقصت عليها روز في السابق. ابتسم توم وقال بسريرته، "الآن تأكدت من ان روز هي التي بعثتك الى هنا يا توليب".
--- تمت ---
1470 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع