الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
العراق بين نارين
تستمرمحاولات سياسيي الغفلة من ذيول الاحتلال وعملائه الخروج من ألازمات التي كانوا جزء من اسباب افتعالها ومنها تشكيل الحكومة، ومازالوا يتبادلون الاتهامات بالتسبب فيها، قرر رئيس التيار الصدري التحول إلى المعارضة واعترف الصدر، بإلاخفاقات في تشكيل حكومة أغلبية بعد عدة محاولات تجريبية فاشلة،وواضح ان هناك خلافات حادة تتصاعد بين المالكي والعامري في تعاطيهم مع قرارات الصدر الاخيرة ،ويذهب المالكي بأتجاه اعادة هيكلة التحالفات وابعاد الصدر عن تشكيل الحكومة ،في حين يرى العامري صعوبة تشكيلها بدون التنسيق مع التيار الصدري.
يبدو كذلك من غير الواقعي اتجاه حلفاء الصدر، للتمسك بمواقفهما من عدم الخروج عن الثوابت التي اتفقا عليها ، في تحالف إنقاذ وطن،كما أن قوى "وازنة" من الإطار التنسيقي، "قد" تذهب إلى المعارضة، وقوى أخرى ستكون جزءا من الحكومة الجديدة، في حال تشكيلها ؟؟!!.مع ظهور بعض المعطيات التي تشير إلى احتمالات تفكك الإطار التنسيقي، إلى محورين؛ أحدهما يضم "ائتلاف دولة القانون" برئاسة نوري المالكي، و"عصائب أهل الحق" برئاسة قيس الخزعلي، والمحور الآخر بقيادة رئيس "ائتلاف تحالف الفتح" هادي العامري ولا تزال القوى التابعة لنظام طهران تسعى لكسب تأييد النواب المستقلين (40 – 45 نائبا ) والتحالف معهم، لتحجيم دورهم السياسي مستقبلا.حيث تعوّل الكثير من القوى السياسية على الدور المنتظر للمستقلين في التصويت لتمرير الحكومة الجديدة أو عدم تمريرها وأعلنت قوى "الإطار التنسيقي"، في 4 حزيران، مبادرة حاولت من خلالها تأكيد مراعاة المدد الدستورية، والحفاظ على العملية الديمقراطية، والجلوس معا إلى طاولة حوار تناقش الحلول والخيارات المتاحة أمام القوى السياسية للخروج من الأزمة.
غياب الوطن والمواطن
منذ احتلال العراق والأزمات تلاحق المواطن وتثقل كاهله وترهق معيشته اليومية، مثل إقرار الموازنة العامة، التي لم تقدمها حكومة مصطفى الكاظمي، حتى الان ،في ظل خلافات دستورية حول طبيعة هذه الحكومة وتوصيفها، كأن تكون مؤقتة، أو انتقالية، أو لتصريف الأعمال، لمعرفة صلاحياتها، وفق الدستور.وتتمسك قوى الإطار التنسيقي (بفرية) اطلقوقا وصدقوها واستغلوها بوجود اكثرية واقليات في الاتفاق على ترشيح رئيس مجلس الوزراء القادم،!!! بعيدا عن التحالف مع القوى السياسية من الشعب.وأيضا حسم موضوع الرئاسات الثلاث، عبر تفاهم المتصارعين فيما بينهم ، ورفض أي مرشح من المكونات الأخرى،ولا تزال المُهل الزمنية الغريبة التي يعلنها رئيس التيار الصدري، مثار جدل ، و دورها في تفاقم الازمة السياسية الى مستويات غير مسبوقة حيث يبدو جليا ان لاضوء في نهاية نفقها او أفاق للخروج منها في المدى المنظور، وواضح ان مقتدى الصدر يتجه بقرارته الاخيرة لاستخدام ورقته القوية بتحريك الشارع في المدن وسط وجنوب البلاد وربما في المحافظات الاخرى ليس للضغط من خلالها على خصومه ،بل واعادة انتاج المشهد السياسي بأفاق اخرى!!! وفي حال نجحت قوى الإطار التنسيقي، وتحالفات أخرى، في تشكيل حكومة جديدة،(وهو امر مستبعد جدا ) من المتوقع لجوء التيار الصدري إلى الشارع لإسقاطها والدعوة لانتخابات مبكرة، في سيناريو مكرر لتظاهرات 2019، التي أرغمت رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، على تقديم استقالته، وتشكيل الكاظمي، حكومة مؤقتة، بمهمة محددة، هي إجراء انتخابات مبكرة.
ان الأزمات السياسية في العراق المحتل واضح انها خلقت لكي تبقى عصية عن الحل،ولا تبدو أية آفاق للخروج من أزمة تشكيل الحكومة، على الرغم من دعوات الأمم المتحدة ودول عربية وإقليمية للقوى السياسية العراقية إلى ضرورة التوافق والخروج من حالة الفشل السياسي،وتحث الاطراف الدولية جماعات المراهقة والدكاكين السياسية في العراق لاحكام منطق العقل ان وجد وتجنيب الوطن والمواطنين من تبعات صراع المغانم والمكاسب بينهم، واستغلال المال الذي نهبوه، والمليشيات التي اسسوها من اموال الشعب ووظفوها ضده ، والتهديد بها، ليسرقوا المزيد من اموال العراق ، وكان تمرير مشروع قانون الأمن الغذائي أحد منجزاتهم الفاسدة،رغم المسرحية التي قيل بموجبها ان المحكمة الاتحادية، ألغت بموجبها وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد، القانون بناء على دعوى تقدم بها أحد النواب المستقلين، المحسوبين أو المقربين من قوى الإطار التنسيقي.وكان المفروض ان الإلغاء يتم قبل عرض مشروع القانون على مجلس النواب للتصويت عليه، بذريعة عدم امتلاك الحكومة الحالية التقدم بمشاريع القوانين، بوصفها حكومة تصريف أعمال، وهو ما أيدته المحكمة الاتحادية.
توقعات مثيرة للجدل
أن استمرار أزمة تشكيل الحكومة المرسوم له بزيادة التعقيد ، سيفرض استخدام الخيارات ألاخرى، واحدها حل مجلس النواب ودفع الاوضاع الى خيار يبدو هو الاقرب، عبرالدعوة إلى تشكيل حكومة طوارئ وهذا الخيار يقوم على تحجيم دور طهران واعادة انتاج دورا بريطانيا والولايات المتحدة في ترتيب الاوضاع الجديدة، ومنها تغيير تركيبة العملية السياسية بما فيها ابعاد الكتل السياسية التي وظفت في العقدين الماضيين بعد ان انجازها المطلوب منها في تنفيذ خطط الاحتلال في تدمير العراق وسرقة ثرواته، وتكليف مجاميع اخرى لادارة البلاد برؤية قد يعتقد بعض الواهمين او يروها وكأنها حلة سياسية جديدة بثوب وطني.
ان الانقسام في العراق يزداد حدة بين الجماعات السياسية وأتباعها من المنتفعين، ومما يزيد هذا الانقسام ويعمق نتائجه السلبية على العراقيين،هو التدخل الخارجي الذي يتجلى بأوضح صوره بحكومة طهران مستغلين ببشاعة الطائفية الدينية المتطرفة والفاشلة، والتي تحاول أن تجعل من العراق ولبنان وسوريا واليمن امتدادا لنظامها الفاشل ، وتكون تابعة لها سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
من المعضلات الكبرى في العراق المحتل استمرار ما تقوم به المجاميع السياسية المتنفذة المستغلة للدين يقودها مرتدي عباءة الطائفية الدينية بكل الوانها واشكالها و(الدين براء منهم جميعا) وهذه الجماعات، شاءت أم أبت، هي جماعات انتظمت على أسس طائفية أيديولوجية، فالجماعات الدينية في كل الأديان والبلدان لا تستقطب سوى المتزمتين والانتهازيين من أبناء الطوائف التي ينتمي إليها قادتها، وهي بالضرورة منقسمة طائفيا، بل باعثة على الانقسام في البلد، كالعراق وغيره.
ان لعبة تشكيل الحكومة في العراق عادة ما تطل على العراقيين بعد كل انتخابات، وهي مزورة كليا ،وهدف كل المشاركين الحصول على جزء من المغانم عبر منحها حصة في الحكومة، وجميعهم يعلمون ان استبعدوا خارج الحكومة فلن يكون لهم شأن، ولن يستطيعوا سرقة ألاموال واستغلال قسم منها لكسب الشعبية، لاستغلالها في الانتخابات المقبلة والعمل بقوة على توسيع تمثيلهم فيها، بما يتناسب مع نفوذهم المالي والسياسي،ولعل مافعله نوري المالكي خير برهان على ذلك عندما عين اعدادا هائلة في الدولة وهؤلاء اصبحوا اتباع له يحركهم كما تحرك جنود الشطرنج وهذا مايفسر حصوله على حجم معلوم من الاصوات، مقارنة بغيره من الحلفاء الذين لم يستغلوا صلاحياتهم بالدولة كما استغلها المالكي،وهذا مايبدو انهم نادمين عليه ،فهذا الاستغلال أضعف الدولة العراقية، وأفقد الشعب الثقة المعهودة بها، مع ان اولى مهامها التي يجب ان تحرص عليها رعايتها لحقوق كل المواطنين العراقيين ، ومعاملتهم على قدم المساواة.
التنوع في العراق
معروف ان التنوع الديني والقومي والثقافي ظاهرة موجودة في معظم بلدان العالم، وتحرص الدول والانظمة ان لا تكون سببا لإضعاف المجتمع والدولة، وان تجعل منه الحكومة القوية المُفعِّلة للقانون، عامل تماسك ووئام، ودافعٌ قوي نحو الاستقرار والتطور والابداع، ويظهر المجتمع كتلة متناسقة متناغمة على كل شيء،
وهدف كل الشعوب العصرية احراز التقدم وتحسين ظروف حياة أفراد المجتمع، وتوفير الخدمات الأساسية وتحقيق الإنجازات العلمية والاقتصادية، واحترام الحريات العامة والخاصة، ورفع معدل السعادة بين أفرادها، ولا تعير اهتماما للأفكار والمعتقدات البالية التي يتشدق بها بعض سياسيي العراق، الذين حاولوا استغلال طيبة الشعب وبساطته، وغفلته في مرحة معينة، كي يقفزوا على السلطة ويحققوا مكاسب شخصية وعائلية.
شرعية النظام السياسي.
كان الشعب العراقي وسيبقى يناضل من اجل تغيير الواقع الفاسد ويتطلع إلى غد جديد، ودولة قوية، مخلصة، عمادها الكفاءة والاخلاص للعراق ، وتجاوز الازمات والعقبات والمحن التي فرضها الاحتلال وذيوله ،ومعالجة الاخفاقات في كل الملفات ومنها الأمن وتزايد حالات الخطف والقتل للمثقفين والأكاديميين والناشطين السياسيين، من أصحاب الرأي المناهض للاحتلال وعمليته السياسية الفاشلة، وتدهور حقوق الإنسان وانعدام الخدمات الأساسية المطلوب من الدولة ان تقدمها للشعب، من كهرباء وصحة وتعليم وخدمات بلدية، ومعالجة ارتفاع الفقر الذي بلغ نسبا عالية، على الرغم من الثروات الهائلة التي يتمتع بها العراق. ويمتلك العراق كفاءات وطنية تتمتع بالخبرة ولديها إنجازات وسجل ناجح في مجالات تخصصها، سواء في الداخل أو الخارج، وتتميز بالسماحة والمواقف الوطنية والالتزام بمبادئ العدل والإنصاف والديمقراطية، وهذا ما يسهل ابعاد العناصر الفاشلة التي أخذت فرص كبيرة على مدى عقدين من عمر الاحتلال البغيض ولم تحقق سوى الخيبة وتأجيج العنف وإضعاف الدولة وانقسام المجتمع وإفقاره.
لقد اصبح توصيف الدولة الفاشلة، ، ينطبق تماما على العراق،لان الدولة التي تأسست بعد الاحتلال فشلت في تنفيذ وظيفتها الأمنية وفي تحقيق وظيفتها التنموية، وهي لا تستطيع إعادة إنتاج ظروف بقائها.
في تقرير صندوق السلام لعام 2018 صنف العراق ضمن دائرة الـ (HIGH ALERT) أي الدول التي في حالة خطرة من الفشل، فمشاكل العراق ذات علّل مركبة، فهي أمنيّة حيث تزداد عمليات الإرهاب والترهيب الذي تمارسه المليشيات والتحديات التي يواجهها الاقتصاد العراقي، إذ إن الاعتماد على الموارد النفطية فقط يشكل عامل غير سليم بديمومة عجلة الاقتصاد، كونه يشكل ضمان لتوفير الأموال لإدارة مرافق الحياة العامة وجميعها يسرق من المجاميع المهيمنة على الدولة والنظام وليس لإدارة السليمة للاقتصاد بالمعنى العلمي للكلمة.
إن فشل القيادات السياسية الفاسدة في العراق المحتل وسوء إدارتها هو السبب الرئيس في ديمومة االفوضى وانعدام الامن وانتشار الفساد، وهذا ما يجعل العراق قابعا في دائرة تصنيف الدولة الفاشلة،مع استمرار المشكلة الحقيقية في ضياع المسؤولية لحالة التردي التي وصلت إليها البلاد بعد عقدين من الزمن من عمر الاحتلال البغيض ،فالفساد الإداري والمالي، ووفشل وفساد الإدارة يمنعون أي منجز سياسي أو خدمي يقدَّم للمواطن، كذلك فشل الدولة في تحقيق الاندماج السياسي والاجتماعي، وإعادة ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها. فتوالي ضياع الفرص من قبل المجاميع المتسلطة لا يزال يعتمّ الظروف ويحجب أيّ بصيص أمل نحو مستقبل الإصلاح السياسي.،وكل الذين استلموا السلطة ابتداءا من نوري المالكي ونهاية بالكاظمي أضاعوا فرص بناء دولة القانون والمؤسسات، وإعادة الثقة بين المواطن والحكومة كل ذلك وغيره كان كفيلا في تلاشي أي منجز سياسي أو أمني أو خدمي.
الثورة الشعبية قادمة
كل ماجرى ويجري في العراق المحتل يشير بوضوح الى ان الشعب العراقي لن يجد ضالته في تجاوز الاوضاع الكارثية الى بقيام ثورة شعبية ليست ناعمة ،ستكون اكبر واشمل من ان يحتويها هذا الطرف او ذاك مهما حاول ذلك،فالشعب الذي عانى قسوة وجور وظلم من فرضوا عليه بغير ارادتهم ،ليسوا كما كانوا قبل عقدين من الزمان حيث سلبت ارادتهم وعطلت عقولهم بالشعارات والدعاوى الطائفية البغيضة،ونطمح ان تدفع الثورة العراقية القادمة بالامور الى نصابها التي تخدم الشعب اولا وثانيا وثالثا،وان ارادة الشعب ستنتصر على الظالمين والفاسدين والعملاء بكل الوانهم واشكالهم،وان غدا لناظره قريب.
2188 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع