الحكاية في العين الثالثة - دراسة نقدية

                                                           

                          يوسف عبود جويعد

  


الحكاية في العين الثالثة - دراسة نقدية

   

يعد الروائي طارق احمد السلطاني، واحد من الساردين الذين اعتمدوا في كتاباتهم الروائية على سياق فني مختلف،كونه يستمد رؤيته الفنية والحكائية من الموروث الشعبي الكبير حكايات (الف ليلة وليلة)، وكتاباته خليط متجانس من تلك الحكايات حيث نطوف معه في عالم الجن، وغرائبية وعجائبية الأحداث، وأحياناً ينتقل بنا الى عالم الفنتازيا، وبالرغم من أن روايته ( العين الثالثة) تختلف من حيث البناء والثيمة والأحداث، كونها تنتمي الى أحد الأنماط الكتابية، وهو الواقعية النقدية، الا أننا نكتشف أن السياق الفني المتبع في تدوين الأحداث يعتمد على الاسلوب الحكائي المستقى من هذا الموروث، وهي مسحة أضيفت الى هذا النمط، لتأخذ الأحداث جانباً مهماً في توظيف جانب المتعة والتشويق وحسن المتابعة للأحداث، وتعتمد هذه الرواية على عنصر أكثر طغياناً وبروزاً، وهو عنصر الشخصية، حيث نتابع حركة ونمو شخصية أيوب منذ طفولته حتى ترعرع وكبر، وصار ذا شأن كبير في مجال الحياة التجارية، ويبدو لنا من خلال حركة المبنى صدق وحقيقة الأحداث، من خلال نقلها من واقعها الى المتلقي دون أن تحيلنا الى وقائع مضللة وغير صادقة أو خيالية، وكذلك سنجد عنصر المفاجأة في مواطن كثيرة من هذا النص السردي الروائي، ويكشف لنا الروائي بعض الزوايا المعتمة وغير المكشوفة في دوائر الكمارك في ذلك الوقت، كون الاحداث تدور في منتصف القرن الماضي، وقد نجد تشابهاً واضحاً بين حياة بطل هذا النص أيوب، وحياة الروائي، الذي مر بذات الظروف والاحداث الوقائع المدونة في هذا النص، وهي تشبه الى حد بعيد انسلاخ الروائي من ذاته ليكون الشخصية المضمرة داخل شخصية أيوب، التي سوف نجدها زاخرة وساخنة ومحتدمة بالأحداث الجسام والكبيرة والواسعة، وهي لا تخلو من المتعة والتشويق، وبعد أن نتابع نمو شخصية أيوب وبلوغه سن الصبا ينجرف الى العمل في الاخراج الكمركي، وهو عمل له صلة بطرفي من تخصة البضاعة، التاجر والسلطة في ذلك الوقت، وسنتابع حركة التخليص الكمركي، وتخليص البضاعة ونقلها بتفاصيلها الدقيقة والصحيحة، والاوراق والاوامر الرسمية التي تخص هذا العمل، وهو دليل واضح بصلة الروائي بهذا العمل، وقربه من تلك التفاصيل، ولأن أيوب لم يبلغ سن الثامنة عشر من العمر، لم يمنح اجازة التخليص الكمركي، بل أنه منح اجازة مساعد مخلص لحين بلوغه السن القانوني، وعندما يبلغ أشده يمنح هذه الإجازة، حيث أبدع فيها وصار واحداً من العاملين في التخليص الكمركي، ويسعى التجار والدول، وحتى السلطة في ذلك الوقت الى ايكال مهمة هذا العمل اليه، كما يكشف لنا الروائي الفائدة المالية من هذا العمل، حيث يمنح ايوب مبالغ مالية كبيرة لقاء جهده في تخليص البضاعة ونقلها، الى داخل البلاد أو خارجه، ونتابع تفاصيل نقل البضائع الى السعودية والى دول غربية اخرى، كما يتخلل النص علاقات أيوب العاطفية خلال مراحله العمرية، حيث علاقته مع وفاء في صباه، وعلاقته مع مي في ريعان شبابه، وزوجته التي دأب على المحافظة على علاقته الزوجية معها، الا أن هذا النجاح لم يدم، بسبب اعدائه، ومن خلال شجار بسيط مع احد الموظفين في دائرة الكمارك، تسحب منه الاجازة ويطرد من هذا العمل، فيقرر الذهاب الى الكويت الى أحد الاصدقاء، ويعمل هناك في ذات العمل:

(تبينت لأيوب انها بسيطة وان انجاز البيان الكمركي لا يمرر بمراحل طويلة فهو يقتصر على اقسام المنافيست والتثمين والصندوق في حالات دفع اية رسوم كمركية. وفي وسط مبنى دائرة الكمارك توجد دكات من حجر المرمر لجلوس المخلصين الكمركيين فوقها، كما يحق لهم جلب طاولات للكتابة كما يسمح لعمل المخلص الكمركي بعد توكيل احد التجار أو الشركات التجارية المستوردة للبضائع)(ص 121 )
وهكذا نكتشف حالة الظلم والاضطهاد الذي تعرض له ايوب في عمله، حيث يعاد مرة اخرى بأمر من الوزير، الا أن حادثة غريبة من نوعها تخلص نقل البضائع للدول المشاركة في معرض بغداد، تكون سبباً في اعتقاله الى دائرة الامن العامة، فينقلنا الروائي الى هذا الواقع المرير للمعتقلين في هذا الجهاز القمعي، وكذلك نكتشف طرق واساليب التعذيب، والسجن في اقفاص حديدية تشبه اقفاص الحيوانات المفترسة في حديقة الحيوانات، والعطش والجوع، ثم يحكم بالسجن من قبل محكمة الثورة بثلاثة سنوات، وتتخلل هذا الحقبة الصعبة من الاحداث مفاجآت كبيرة وشيقة وساخنة، كما نود أن نسجل بعض الملاحظات منها النسخة التي اهديت لي فيها تكرار في التسلسل (103 – 104 ) وهناك ورقة منزوعة من الرواية بسبب عدم رزمها، وكذلك خلت الرواية من مشاهد الحوار والتي تعد محطة استراحة للمتلقي من متابعة الاحداث، وكذلك وجود خطاب مباشر في بعض من مواطن الرواية، وهناك بعض المشاهد داخل النص تخص الجن وليس لها علاقة بمتن النص، منها ظهور ايوب في بيته رغم اعتقاله وهو ينام على فراش وثير ويشرب العصير البارد، ثم نجده في المعتقل، وهي ملاحظات خفيفة وغير طاغية على الاحداث في متن النص، وليس لها تأثير كبير على سياقها الفني، وبعد الهجرة الثالثة لأيوب هارباً من جور السلطة وبطشها وقمعها، يمرض مرضاً شديداً، وعندما يحس باقتراب الموت، يقرر العودة ليموت بين اسرته وفي احضان وطنه.
من اصدارات دار امل الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع لعام 2022 الطبعة الرابعة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

975 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع