الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
طبيب أطفال – الموصل
غرائب وقصص الحيوان في كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري
الدميري : هو كمال الدين محمد بن موسى بن عيسى بن على الدميري (أبو البقاء) ، ولد عام 742هـ / 1341م في بلدة دميرة في الوجه البحري بصعيد مصر. بدأ حياته خياطا حتى اجتذبه العلم فالتحق بجامعة الأزهر فتعلم الأدب والفلسفة والحديث والفقه ودرس على يد مجموعة من كبار علماء الأزهر، وأصبح من فقهاء الشافعية، وقد أولع بدراسة المخلوقات فانكب على دراسة الحياة الحيوانية وتوفي عام 808هـ / 1405م بالقاهرة.
مؤلفاته : رغم تعدد مؤلفات الدميري في الحديث والفقه،حيث صنف شرح المنهاج في أربع مجلدات ونظم في الفقه أرجوزة طويلة إلا أن كتابه "حياة الحيوان الكبرى" هو الأشهر بين مؤلفاته، إذ يعد أول مرجع شامل في علم الحيوان باللغة العربية.
وقد جمع مادته من 560 كتاب، و199 ديوان شعر. ويقع الكتاب في جزئين ورتبه على حروف الهجاء، حيث يتناول كل حيوان على حده. ويشمل الكتاب 1069 مادة وفيها نجد مادة لغوية ووصفية وبيولوجية وأحكام شرعية بالنسبة للحيوانات ومنتجاتها، بل ويتعدى ذلك إلى تفسير رؤية الحيوانات في المنام.
وأتخذ الدميري في مشاهداته لصفات الحيوانات الأسلوب العلمي الحديث القائم على الرصد والمشاهدة. وقد تمت ترجمة كتاب حياة الحيوان الكبريى إلى العديد من اللغات واقتبس منه العديد من الغربيين.وقمنا بدراسة مستفيضة عن الكتاب من الناحية العلمية ستنشر في مجلة أخرى إن شاء الله .
خصصنا مقالنا هذا لبعض غرائب وقصص الحيوان التي وردت في كتاب حياة الحيوان الكبرى وجدنا أن ذكرها والإطلاع عليها لايخلوا من فائدة لما تحويه من عبر ، وقد أعطيت لكل منها اسما للتفريق بينها ، وهي حسب تسلسل ورودها في الكتاب كما يلي :
رب تبول عليه الثعالب
عند الحديث عن الثعلب قال والذكر ثعلبان وأنشد الكسائي عليه
أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب
فقد رواه ابو حاتم الرازي الثعلبان بالفتح على أنه تثنية ثعلب وذكر أن بني ثعلب كان لهم صنم يعبدونه فبينما هم ذات يوم إذ أقبل ثعلبان يشتدان فرفع كل منهما رجله وبال على الصنم وكان للصنم سادن يقال له غاوي بن ظالم فقال البيت المتقدم ثم كسر الصنم وأتى النبي فقال له النبي ما اسمك قال غاوي بن ظالم قال بل أنت راشد بن عبد ربه .( . ) ج 1 ص 174
فطنة ثعلب
مما يروى من حيل الثعلب ما ذكره الشافعي قال : كنا في سفر في أرض اليمن فوضعنا سفرتنا لنتعشى وحضرت صلاة المغرب فقمنا نصلي ثم نتعشى فتركنا السفرة كما هي وقمنا إلى الصلاة ، كان فيها دجاجتان فجاء الثعلب فأخذ إحدى الدجاجتين ، فلما قضيت الصلاة أسفنا عليها وقلنا حرمنا طعامنا فينما نحن كذلك إذا جاء وفي فمه شئ كأنه دجاجة فوضعه فبادرنا إليه لنأخذه ونحن نحسبه دجاجة قد ردها فلما قمن جاء إلى الأخرى وأخذها من السفرة وأصبنا الذي قمنا إليه لنأخذه فإذا هو ليف قد هيأه مثل الدجاجة . ( . ) ج 1 ص 176.
حفظ اللسان
وذكر ابن الجوزي في آخر كتاب الأذكياء والحافظ ابو نعيم في حلية الأولياء عن الشعبي أنه قال : مرض الأسد فعاده جميع السباع ما خلا الثعلب فنم عليه الذئب ، فقال الأسد إذا حضر فأعلمني فلما حضر أعلمه فعاتبه في ذلك فقال كنت في طلب الدواء لك ، قال فأي شئ أصبت قال خرزة في ساق الذئب ينبغي أن تخرج فضرب الأسد بمخالبه في ساق الذئب وانسل الثعلب ، فمر به الذئب بعد ذلك ودمه يسيل فقال له الثعلب يا صاحب الخف الأحمر إذا قعدت عن الملوك فانظر ماذا يخرج من رأسك . قال الحافظ أبو نعيم لم يقصد الشعبي من هذا سوى ضرب المثل وتعليم العقلاء وتنبيه الناس وتأكيد الوصية في حفظ اللسان وتهذيب الأخلاق والتأديب بكل طريق وفي مثل ذلك قيل
إحفظ لسانك لا تقول فتبتلى إن البلاء موكل بالمنطق
( . ) ج 1 ص 178
أكلت يوم أكل الثور الأبيض
قالت العرب إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض ، روي عن علي رضي الله عنه أنه قال إنما مثلي ومثل عثمان كمثل ثلاثة أثوار كانت في أجمة ابيض واسود واحمر ومعهما فيها أسد فكان لا يقدر منها على شئ لاجتماعها عليه ، فقال الأسد للثور الأسود وللثور الأحمر إنه لا يدل علينا في أجمتنا إلا الثور الأبيض فإن لونه مشهور ولوني على لونكما فلو تركتماني آكله خلت لكما الأجمة وصفت ، فقالا دونك وإياه فكله فأكله ومضت مدة على ذلك ثم إن الأسد قال للثور الأحمر لوني على لونك فدعني آكل الثور الأسود ، فقال شأنك به فأكله ثم بعد أيام قال للثور الأحمر إني آكلك لا محالة فقال دعني أنادي ثلاثة أصوات فقال افعل فنادى إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض قالها ثلاثاً ، ثم قال علي كرم الله وجهه إنما أهنت يوم قتل عثمان رضي الله عنه يرفع بها صوته . ( . ) ج 1 ص182
عسى أن يكون خيراً
قال مسروق كان رجل بالبادية له حمار وكلب وديك ، وكان الديك يوقضهم للصلاة والكلب يحرسهم والحمار ينقلون عليه الماء ويحمل لهم خيامهم ، فجاء الثعلب فأخذ الديك فحزنوا له وكان الرجل صالحاً فقال عسى أن يكون خيراً ، ثم جاء ذئب فخرق بطن الحمار فقتله فقال الرجل عسى أن يكون خيراً ، ثم أصيب الكلب بعد ذلك فقال عسى أن يكون خيراً ، ثم أصبحوا ذات يوم فنظروا فإذا قد سبي من حولهم وبقوا سالمين ، وإنما أخذوا أولئك بما كان عندهم من أصوات الكلاب والحمير والديكة ، فكانت الخيرة في هلاك ما كان عندهم من ذلك كما قدر الله سبحانه وتعالى فمن عرف خفي لطف الله رضي بفعله .( . ) ج1 ص240.
دبيب الذر
وفي المدهش للإمام العلامة أبي الفرج ابن الجوزي أن رجلاً من العجم طلب الأدب حيناً فبينما هو في الطريق سائر إذ مر بصخرة ملساء فتأملها فإذا ذر ( نمل أحمر صغير ) يدب عليها وقد أثر عليها من كثرة دبيه ففكر وقال مع صلابة هذا الحجر وخفة هذا الذر قد أثر فيه هذا الأثر فأنا احرى على أن أدوم الطلب فلعلي أظفر ببغيتي فراجع الإثبات على الأدب فلم يلبث أن خرج مبرزاً .
( . ) ج1 ص 357.
الزرياب المستغيث
( الزرياب ) قال في كتاب منطق الطير إنه أبو زريق ، قال وحكى أن رجلاً خرج من بغداد ومعه أربعمائة درهم لا يملك غيرها فوجد في طريقه أفراخ زرياب فاشتراها بالمبلغ الذي كان معه ثم رجع إلى بغداد فلما أصبح فتح دكانه وعلق الأفراخ عليها ، فهبت ريح باردة فماتت كلها إلا فرخاً واحدا وكان أضعفها وأصغرها فأيقن الرجل بالفقر ولم يزل يبتهل إلى الله تعالى بالدعاء ليله كله ويقول يا غياث المستغيثين أغثني ، فلما أصبح زال البرد وجعل ذلك الفرخ ينفش ريشه ويصيح بصوت فصيح يا غياث المستغيثين أغثني فأجتمع الناس عليه يستمعون صوته ، فاجتازت به أمة لأمير المؤمنين فاشترته بألف درهم، فانظر كيف فعل الصدق مع الله تعالى والإقبال بكنه الهمة في التضرع بين يديه وحضور القلب وعدم الإلتفات إلى غيره ))
( . ) ج2 ص 7
العطف على عصفور
ويروى عن الجنيد أنه قال أخبرني محمد بن وهب عن بعض أصحابه أنه حج مع أيوب الجمال ، قال فلما دخلنا البادية وسرنا منازل إذا بعصفور يحوم حولنا فرفع أيوب رأسه إليه وقال قد جئت إلى هنا فأخذ كسرة خبز ففتها في كفه فانحط العصفور وقعد على كفه فأكل منها ثم صب له ماء فشربه ثم قال اذهب الآن فطار العصفور ، فلما كان من الغد رجع العصفور ففعل أيوب مثل فعله في اليوم الأول، فلم يزل كل يوم يفعل به مثل ذلك إلى آخر السفر ، ثم قال أيوب أتدري ما قصة هذا العصفور ، قال لا ، قال إنه كان يجيئني في منزلي كل يوم فكنت أفعل به ما رأيت فلما خرجنا تبعنا يطلب منا ما كنت أفعل به في المنزل .
( . ) ج2 ص 117
دعاء الوالدة
وفي تاريخ ابن خلكان وغيره من التواريخ أن الزمخشري كان مقطوع الرجل فسئل عن ذلك ، فقال دعاء الوالدة وذلك أني كنت في صباي أمسكت عصفوراً وربطته بخيط في رجله فأفلت من يدي وأدركته وقد دخل في خرق من الجدار فجذبته فانقطعت رجله بالخيط ، فتألمت والدتي لذلك وقالت قطع الله رجل الأبعد كما قطعت رجله ، فلما وصلت إلى سن الطلب رحلت إلى بخارى لطلب العلم فسقطت عن الدابة فانكسرت رجلي وعملت عملاً أوجب قطعها . ( . ) ج2 ص 119
716 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع