بسام شكري
وأخيرا فقد نجت فرنسا من الانهيار
لقد اصبح الرئيس الفرنسي ماكرون أول رئيس فرنسي يُعاد انتخابه لولاية ثانية خلال 20 عامًا الماضية ، منذ إعادة انتخاب جاك شيراك عام 2002 بعد منافسة شديدة بينه وبين مرشحة اليمين المتطرف ماريان لوبين قد وضعت الانتخابات الفرنسية العالم وأوروبا في قلق ورعب لأول مرة في تاريخ الانتخابات الأوروبية ولو فازت مرشحة اليمين المتطرف فان خارطة أوروبا والعالم ستتغير باعتبار فرنسا البلد النووي والذي يملك مقعد دائم في مجلس الامن سيصبح مصدر تهديد للأمن والاستقرار في العالم من جهة ويفتح افاق جديدة لتحويل المسار السياسي الدولي الى جهة التطرف اليميني ويعطي فرصا اكبر لصعود احزاب وتيارات يمينية متطرفة خصوصا في ظل ازمة الغزو الروسي لأوكرانيا ومواقف أمريكا الضعيفة والعشوائية في مواجهة الازمات والاحداث السياسية خلال العشرين عاما الماضية.
في الحقيقة ان فوز ماكرون لا يعني فوز اليسار الفرنسي بل هو فوز للرأسمالية الفرنسية المهيمنة على معظم الرؤساء الفرنسيين فماكرون الذي يطلق الفرنسيين عليه لقب رئيس الأثرياء بعد ان اتخذ قرارين في بداية ولايته اعتبرها اليسار قرارات يمينية رأسمالية ضد مصلحة الأغلبية من الشعب الفرنسي وهما الغاء الضريبة على الثروات وتخفيض اعانات السكن قد مر خلال فترته بأحداث تعامل خلالها مع المطالب الشعبية بالشكل الفرنسي التقليدي الرأسمالي أهمها القمع العنيف ضد تظاهرات السترات الصفراء التي تمثل غالبية الفرنسيين , وكذلك شهدت فترته الرئاسية الأولى تعامل قوات الامن الفرنسية مع المتظاهرين بشكل عام وفي المعاملة المهينة للمهاجرين (الأفغان والسوريين والسودانيين) بالتحديد في عموم فرنسا وفي منطقة كألية بالذات والتي افقدته تيار كبير من أحزاب اليسار الذي ينتمي اليه بالأساس.
المعروف ان الانتخابات الديمقراطية في العالم تعبر عن الراي العام لتلك الدولة والراي العام يتشكل من خلال راي الأغلبية التي ترى مصالحها هي محور تأييدها لمرشح الرئاسة ونتائج الانتخابات مثل موجات البحر فكلما مالت مصالح الأغلبية الى جهة فازت بالانتخابات لكن فوز الرئيس الفرنسي لم يكن الوحيد في يوم الاحد الماضي وخسارة مرشحة اليمين كذلك ليست الخسارة الوحيد التي حصلت في يوم الاحد فقد فاز مرشح اليسار في الانتخابات التي جرت يوم الاحد في جمهورية سلوفاكيا وخسر الرئيس اليميني هناك وفقد مربع اليمين المدعوم من قبل بوتين والمعادي لأوروبا والمكون من بولندا وهنغاريا والتشيك وسلوفاكيا اهم اضلاعه وهو سلوفاكيا ولم ينتبه العالم لنتائج الانتخابات السلوفاكية التي جرت في نفس اليوم لان الانتخابات الفرنسية طغت على كل الاحداث .
ان فوز الرئيس ماكرون على مرشحة اليمين المتطرف في ضوء نتائج الطرفين لا يمثل انتصارا بل يمثل نذير شؤم لمستقبل غامض لفرنسا وأوروبا فالأغلبية التي صوتت لماكرون ليس حبا له وانما كرها باليمين المتطرف، وحصول مرشحة اليمين المتطرف على نسبة 41% من الأصوات يمثل صعودا كبيرا لتيار يميني موحد في فرنسا ولأول مرة في تاريخ فرنسا بهذه القوة، فطوال حملات الانتخابات الفرنسية خلال المئة سنة الأخيرة لم يحصل اليمين المتطرف على نسبة تزيد على 30% , ولأول مرة يتوحد اليمين كله بوجه فرنسا وتتوحد فرنسا كلها بوجه اليمين بحيث لم يدخل الانتخابات سوى مرشحين اثنين فقط .
ما المطلوب من الرئيس ماكرون وكافة الفرنسيين الاحرار لتجنب صعود اليمين المتطرف في الانتخابات القادمة وجني أصوات تصل الى 50% ؟
المطلوب حزمة قرارات وإجراءات سريعة تعيد الى فرنسا وجهها الديمقراطي الحقيقي والى المجتمع الفرنسي توازنه فمن اين البداية؟
ان أبناء المستعمرات الفرنسية السابقة والذين يشكلون نسبة لا باس بها من الفرنسيين وقد وصلوا للجيل الثالث والرابع وما يزالون تحت خط الفقر بسبب التمييز العنصري المعروف في المجتمع الفرنسي والذي بدأ ينمو بشكل متزايد خلال فترة الثمانينات واستمر لغاية اليوم وبسبب التهميش وعدم توفير التعليم والعمل والخدمات الأساسية بحيث اصبح سكان ضواحي باريس والمدن الفرنسية الكبرى اشبه بسكان المناطق التي كان يسكنها السود والملونين في جنوب افريقيا أيام الفصل العنصري ولو تم القيام بإصلاحات جذرية لإنقاذ تلك الشريحة الواسعة لتوقفت احتجاجات السترات الصفراء مثلا واصطف الشارع الفرنسي وراء الرئيس ماكرون، ولو قامت حكومة الرئيس ماكرون بإصلاحات في مجالات التعليم والصحة وتوفير عادل لفرص العمل لسقطت حجج اليمين المتطرف , كذلك يفترض من فرنسا وأوروبا الوقوف بوجه الرئيس الروسي بوتين وعدم السماح له بتأسيس الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا ودعمها للوصول الى السلطة من اجل تفكيك أوروبا ومن ثمة السيطرة عليها وعلى مواردها وصناعاتها ففضيحة المستشار النمساوي اليميني في تلقي أموال من روسيا لم يحاسب عليها لغاية الان على الرغم من مرور ثلاث سنوات عليها وتلقي الرئيس الهنغاري اليميني المتطرف أوربان الملايين شهريا من روسيا والقمع الذي يمارسه بحث الشعب الهنغاري وسياساته المعادية لأوروبا لم يحاسب عليها من قبل أوروبا وقد اكتفى البرلمان الأوروبي بتوجيه انذار واحد له بطرد هنغاريا لو استمرت سياسة قمع الراي العام والصحافة وأخيرا وليس اخرا فقد تلقت مرشحة اليمين المتطرف الفرنسي لوبين قرض بدون فوائد من روسيا بمقدار 200 مليون دولار لدعمها في الانتخابات قد مرت بدون محاسبة كذلك.
ان أوروبا اليوم تمر بأسوأ حقبة تاريخية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فروسيا تغزو أوكرانيا من جهة وامريكا تدفع أوروبا للدخول في حرب مع روسيا من جهة أخرى وايران تستغل تلك الاحداث للاستمرار في تخصيب اليورانيوم للحصول على القنبلة النووية وهيمنة ايران على اربع دول عربية وتهديدها المستمر لأمن الخليج العربي الذي يعتبر اهم منابع البترول في العالم , ويفترض على العالم الحر ان لا يفرح بخسارة مرشحة اليمين الفرنسي المتطرف في الانتخابات الاخيرة ونجاة فرنسا بل على العالم ان يفكر كيف يتخلص من التهديد الروسي في خلق أحزاب يمينية لتقويض الاتحاد الأوروبي وكيف يمكن لأوروبا انهاء الشراكة مع أمريكا لإيقاف مهزلة توريط أوروبا وحلف الناتو في حروبها مع الاخرين بعد توريطها في غزوها الفاشل والغير قانوني للعراق وأفغانستان وهروبها المهين من أفغانستان بعد عشرين عاما من البروبغاندا والكذب والاف الضحايا من المدنيين الأبرياء .
على العرب ان يتوحدوا اقتصاديا وسياسيا لمواجهة المتغيرات العالمية الأخيرة فعند الازمات مثل كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا وتوقف امدادات المواد الغذائية فلا أمريكا نفعتهم ولا روسيا نفعتهم ومصيرهم المشترك يحتم عليهم تناسى الخلافات ومنع كافة التدخلات الخارجية سواء الامريكية او الروسية وعلى العرب ان يفرحوا لأنهم اول من بادر باستقلال القرار السياسي عن أمريكا عندما رفضت المملكة العربية السعودية ودولة الامارات الاملاءات الامريكية برفع انتاج البترول من اجل الضغط على روسيا في غزوها لأوكرانيا ورفض مقاطعة روسيا اقتصاديا واللطمة الكبرى لأمريكا كانت من رد فعل قيادة السعودية والامارات عندما رفضت التحدث بالهاتف مع الرئيس الأمريكي المنتهية صلاحيته العقلية والجسمية.
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
1687 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع