ما حدث في مصر: إنقلاب أم ثورة؟

                                        

          ما حدث في مصر: إنقلاب أم ثورة؟
               مصر تحتاج الى مبادرة عاجلة قبل ان يفوت الاوان

                         
 
                        الدكتور ايمن الهاشمي
                   جامعة بغداد – العلوم السياسية

يبدو أننا فى حاجة لأن ننسف كل ما درسناه  من علوم سياسية و قانونية ، حتى نقر بأن ما جرى فى مصر ليس انقلابا حتى لو كان أبيض. الوضع بمنتهى الوضوح أن المؤسسة العسكرية أقدمت على عزل رئيس جمهورية قادم بالانتخاب ، بعد إنذار شديد اللهجة أمهله ٤٨ ساعة لحل الموقف السياسى المعقد.. وبعد ذلك خرج رئيس الجمهورية المنتخب طارحا مبادرة أو مجموعة أفكار ... لم يكن أحد من الذين قرروا أن يصرمنها مصبحين للتعامل معها أو الاهتمام بها .. ثم بعد انتهاء المهلة خرج وزير الدفاع بخارطة طريق مستقبل تتطابق تماما مع ما طرحه الرئيس مع فارق وحيد هو إزاحة الرئيس من المشهد!!!
لقد أعلن الرئيس مرسي قبوله بحكومة ائتلافية تضم مختلف ألوان الطيف السياسى وتشكيل لجنة لإنفاذ التعديلات المطلوبة فى الدستور، وأخرى للمصالحة الوطنية، وإشراك الشباب فى الحكم، والذهاب إلى انتخابات برلمانية.  الغريب أن هذه الخطوات ذاتها تضمنتها خارطة المستقبل التى أعلنها القائد العسكرى، لكن بدون وجود رئيس الجمهورية، ومع تعطيل العمل بالدستور، والمجىء برئيس المحكمة الدستورية حاكما للبلاد ، مع الأخذ فى الاعتبار أن كل ذلك جرى فى مقر وزارة الدفاع بناء على استدعاء القائد العام للقوات المسلحة لقيادات سياسية ودينية.  تلك هى مفردات الصورة التى يمكن للرئيس الأمريكى باراك أوباما أن يضعها أمام طالب مبتدئ فى العلوم السياسية ويطلب منه تعريفا مناسبا لما جرى.
إن ما يحدث في مصر العزيزة، منذ إعلان وزير الدفاع لخطة المستقبل يبدو شيئا مثيرا للدهشة والعجب ، فبعد هتاف صاخب للحشود الغاضبة «الحرية بتتولد» اشتغلت آلة المصادرات وإغلاق القنوات الفضائية والصحف المؤيدة للرئيس الذى تم عزله، وبعيد الإعلان عن مصالحة وطنية بغير إقصاء أو إبعاد دارت ماكينة الاعتقال تحصد قيادات الإخوان والإسلاميين. وأخشى لو استمرت الحرية تتوالد بهذه الوتيرة فلن يبقى فى مصر مكان لصوت أو قلم ينطق بما يغضب السادة أصحاب المستقبل ، الأمر الذى يحول المرحلة قالية إلى انتقامية بامتياز.
لقد مكث محمد مرسى فى الحكم عاما واحدا، كان يتعرض خلاله للشتائم والسباب والتخوين والإهانة من قنوات وصحف لم تترك مفردة فى قاموس البذاءة إلا واستخدمتها، بل أن بعضا من هذه المنابر اتهمت وزير الدفاع بالخيانة والتفريط فى الفترة التى أعقبت اختيار الدكتور مرسى له ومع ذلك لم تمتد يد لصحيفة أو قناة بالإغلاق أو بالمصادرة ، فضلا عن أن السادة الحقوقيين والمتكلمين باسم حرية التعبير كانوا يوفرون غطاء يحمى كل هذه الانتهاكات المهنية والأخلاقية ، لمجرد أنها توافق هواهم فى النيل من رئيس أرادوا إسقاطه.
لقد أصيب المغردون دفاعا عن حرية الإسفاف والبذاءة بالخرس هذه المرة ، فلم نسمع لهم صوتا و لا همسا ضد عمليات الاعتقال والمصادرة التى تدور على نطاق واسع، والأكثر رداءة أن منهم من يبررها بحجة أنها إجراءات استثنائية مؤقتة، وهم أول من يعلم أن « الاستثنائى» فى بلادنا يصبح مقيما وأبديا فى مثل هذه «الثورات المدرعة».
فعلا «الحرية بتتولد»!!
انقلاب جاء بالديمقراطية على دبابات العسكر تماما كما جاءت امريكا بديمقراطيتنا الجديدة على دبابات الغزو..بغض النظر عن اتفاقنا او اختلافنا مع سياسات د مرسي فهو رئيس منتخب بارادة الشعب في انتخابات حرة وبدا خطوات للاصلاح الاقتصادي تحتاج بضع سنوات من الصبر كي تجني ثمارها.. المشكلة في شعوبنا الاستعجال وانها تلتف حول كل ناعق يدغدغ مشاعرها واحلامها..ان استلام الاخوان للحكم في مصر عقب 35 سنة من الفساد وهم للتو خارجين من السجون كان خطا ستراتيجي كان عليهم ان يبقوا في المعارضة وينتظروا غيرهم يستلم الحكم لان كل من يستلم زمام القيادة بعد خراب 35 عاما لابد ان يحترق... انقلاب 30 حزيران يعيد للاذهان انقلاب 1954 في مصر وقصة عبدالناصر ومحمد نجيب والتاريخ يكرر نفسه..ان ماحدث في مصر ليس حلاً ، انه بداية المشكلة.
لن أستخدم المصطلحات التي استخدمها مرسي وانصاره وهم يرددون شعارات الشرعية ، والدستور ، والانتخابات ، والديمقراطية ، فليس هذا هو المهم في المحاججة، المهم في رأيي هو أمن المجتمع المصري . لان الانتخابات والشرعية والدستور ليست هدفاً بحد ذاتها وانما هي وسيلة غايتها توفير اقصى قدر من الاستقرار للمجتمع كي يتحقق في ظله النمو والرخاء والعدل . هذه هي الاولوية وليس... اي شئ آخر .
فهل ماجرى في مصر مؤخراً سيحقق ذلك ؟
قطعاً لا .
هذا رأيي . فالمجتمع المصري مقسوم لفريقين ، بغض النظر عن حجم كل فريق . فريقان هما الاخوان المسلمون في جانب ، وخصوم الاخوان على اختلاف توجهاتهم وبضمنهم سلفيون وأسلاميون ، وقد إجتمعوا لهدف وحيد هو اقصاء الاخوان عن السلطة .
أما الجيش فقد انحاز لطرف تجاه آخر ، الجيش دخل لعبة السياسة وكان يفترض به ان يبقى خارج تفاعلاتها التفصيلية ، فلو كان ماحدث انقلاب عسكري ربما لكان أفضل ، ان يمسك الجيش بزمام السلطة لفترة وجيزة يعد اثناءها لإنتخابات برلمانية كما فعل سوار الذهب او نموذج جمهورية مالي ربما لكان ذلك أخف وطأة ، لكن ماحدث هو انحياز سياسي لطرف دون آخر ، وهذا الجزء الاهم من المشكلة . دخول العسكر معترك السياسة ، وفقدانهم الحياد .
ولكن هل اخطأ الاخوان فيستحقون ماحدث لهم ؟
أعترف مسبقاً باني لاأؤيد أي نموذج ديني للحكم ، الا اذا كان ذلك خياراً للامة . وعيب الاخوان المسلمين هو رغبتهم في الاستحواذ على الدولة وأخونتها ، انه جوع قديم للسلطة في كل اقطار امتنا ، الامر الذي اشعر المنافسين بالقلق من ابتلاع الاخوانيبن منظومة الحكم . وهو مرسي نفسه لايمتلك الكاريزما والخبرة التي تجعله مقنعاً لشعب اعتاد على كاركتر خاص للزعماء ، وهو وطأة تدخل المرشد في السياسة التي أظهرت مصر وكأنها امام نموذج الولي الفقيه ولكن السني ، وهو عنادهم الذي لم يجعلهم يرون دوران عقارب الساعة من حولهم داخلياً وخارجياً ، فيظهروا قدراً اكبر من المرونة في استيعاب الآخر .
لكن الاخوان فعلوا أقل بكثير مما فعله غيرهم عندما وصلوا للسلطة ، ولم تتح لهم الفرصة ليثبتوا مهارتهم أو عجزهم ، لم يأخذوا وقتهم ليطبقوا برنامج النهضة الذي وعدوا به الناس، لاتوجد ملفات جدية عن فسادهم ، ولم يتخذوا قرارات فيها مخالفة صريحة للقانون . الاتهام القديم والمعروف بان الاخوان ليسوا ديمقراطيين وبانهم لو وصلوا للسلطة سينقلبون عليها ، غير صحيح ، فخصوم الاخوان من العلمانيين والقوميين هم الذين انقلبوا على الديمقراطية التي مايزال مرسي الى الان يتحدث عنها ولو باسلوب منفر . لكنهم سببوا قلقاً لخصومهم ، وقلقاً أكبر لدولٍ عدة لديها خشية من نمو التيار الاخواني العابر للحدود . والأخوان لو تتاح لهم الفرصة يتحولون الى بلدوزر يكتسحُ كل ما أمامه بفضل التنظيم المحكم وخاصية النفاذ المجتمعي ، وهو ماينقص خصومهم ، الذين قد تكون لديهم القدرة العالية على التعبئة الشعبية لكن تعوزهم المطاولة كالاخوانيين .
إجراءات التحقيق والإبعاد والحظر والملاحقة الاخيرة التي اتخذها العسكر بحق الاخوان المسلمين كقيادات وقواعد ومؤسسات واعلام ، لن تجعل الاخوانيين مكتوفي اليد وسيدافعون عن خيارهم وجمهورهم ، وهم عقائديون صلبون، جربوا العيش في ظل الملاحقة لاكثر من نصف قرن،عدوا انفسهم لها .
كان يمكن ان يبقى مرسي رئيساً لحكومة تكنوقراط لتصريف الاعمال لأمدٍ محدد تجري بعدها الانتخابات ، لكن قرار السيسي تحت ضغط حركة تمرد ، جاء منحازاً ، فاقصى الاخوان من سلطةٍ جاءتهم عبر آليات ديمقراطية .
الفريق السيسي مسيس، ولم يتصرف كراعٍ، ورئيس المحكمة الدستورية أخطأ بقبول العرض، والمصريون موزعون، العلمانيون والقوميون شامتون، والاخوان متأهبون حانقون، والجيش مستنفر، والكل دخل في مرحلة استعراض عضلاته الواحد تجاه لآخر . ومصر تبدو لي وكأنها مقبلة على رياحٍ لو ثارت فستعصف بها، أو نكون بانتظار حلٍ عبر مبادرة تحفظ للاخوان المسلمين وضعهم الاعتباري بمشاركة اوسع للشركاء الآخرين، مصر تحتاج لمبادرةٍ عاجلة، مبادرةٌ نرجو ان لاتتأخر فتضيع الفرصة على مصر وعلى أُمتنا.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1212 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع