قصة - رماد البنفسج

                                                   

                          عادل شهاب الاسدي


قصة - رماد البنفسج

           

تتهادى سارة في مشيتها كأنها زورق يشق ماء نهر هادئ .اعتدت رؤيتها أوقات المساء، حينما كنت أركن على أحد المساطب الخشبية المصطفة بتناسق بجوار النهر. جمالها يفتن كل من يراها وهي تمشي بغنج ودلال على ضفافه المعشوشبة، يمتلئ المكان بعطرها المميز.

لم تتجاوز الثلاثين عاما بعد ولكنها تبدو كفتاة في العشرين تفيض حيوية وجمالا ، قوامها الرشيق المتناسق كأنما نحت نحتا، تنفلت خصلات من شعرها الموشى من شال بنفسجي شفيف يسترسل على كتفها منحسرا جهة اليمين فتبدو رقبتها بضة كالشمع : صدر نافر متحفز ، ومؤخرة مكتنزة ، تلاحقها عيوني وهي تمر من أمامي حيث تختفي .مضى على زواجها من أمين خمسة أعوام دون أن يرزقا بمولود ورغم ذلك لم يشعرا بالوحدة لفرط والحب الذي يكتنف حياتهما .

أمين حلاق الحارة يحبه الجميع، رجل متوسط القامة مفتول العضلات حنطي البشرة وسيم ، ناهز الأربعين من عمره ، يحرص دائما على الظهور بكامل أناقته ، يتمتع بثقافة واسعة ، يستمتع زبائنه بقصصه وحكاياته التي يرويها لهم .. أما زوجته سارة فهي لا تقل عنه ثقافة وكياسة ، أكملت دراستها الجامعية واكتفت بالزواج من أمين بعد قصة حب جارفة وقعت بينهما .. عند الركن القصي من المدرسة هناك لطالما انتظرها أمين حتى خروجها بعد انتهاء الدوام.. يتذكر كيف كان يحسب الدقائق وقلبه يكاد أن يتوقف لشدة الوله، يا إلهي .. متى سينتهي الدرس الأخير ؟ ما أقسى ان ينتظر أحدهم حبيبته ! .

اعتاد مرافقتها كل يوم عند عودتها الى المنزل .. ذات مرة لمحهما ابن خالها وهي تسير لصق أمين يتهامسان . كادت ان تحصل خناقة بينهما ولكن أمين تفادى الموقف وانسحب معتذرا تاركا حبيبته في ورطة مع ابن خالها . سارة فتاة من الديانة المسيحية (الكلدانية ) إلا ان ذلك لم يحل دون تعلقها وحبها الشديد لأمين الشاب المسلم ولم يكن ذلك الاختلاف حاجزا في ارتباطهما وسط هيمنة المعتقدات والمفاهيم التي تسود المجتمع ، فالحب لا يؤمن بالانتماءات المذهبية والدينية والعرقية ، الحب هو الوجود ..والوجود هو الله ..والله يدعو إلى التحابب بين بني البشر (كلكم من آدم وآدم من تراب) .ورغم معارضة عائلة الطرفين ووقوفهما ضد مثل هذا الارتباط إلا أنهما تحديا الجميع ليتزوجا . ذكاء وجمال وثقافة سارة وحبها لأمين يجعله اكثر تعلقا وإعجابا بها، لهذا يحسده عليها الجميع وخصوصا سميرة زوجة أخيه رضوان اللذان كانا يعيشان معا في بيت واحد ورثاه عن أبيهما مع أخت لهما متزوجة تسكن بعيدا عنهما .

كانت سميرة تسترق السمع حينما تختلي سارة بزوجها في حجرتهما ، ويعلو صوتهما ومزاحهما مع بعض فتشتعل في قلبها نار الغيرة والحقد .تتمتم سميرة وهي تعض على نواجذها من شدة الغيظ...كم اكره هذا المخلوق !!. كانت تستنكر وجودها وسطهم ، كذلك رضوان لا يخفي هو الآخر حسده وغيرته من أخيه الوحيد ..سميرة لا تشبه سارة المهذبة الجميلة ..فهي جاهلة تكره كل من حولها لذا كانا يعمدان الى تأجيج الخلافات بين الزوجين متذرعين بعدم إنجاب سارة طفل لأمين طيلة السنوات الماضية .. قال رضوان لأمين : ــ عليك ان تطلق هذه المرأة العاقر وتتزوج بأخرى تنجب ، وإلا ستعيش محروما من الخلفة ! .. تغالبه الحيرة ولا يدري ما يصنع إذ لم يكن الأمر سهلا على أمين ، فسارة حلم حياته الذي انتظره وقاسى من اجل تحقيقه ولا يمكنه التخلي عنها فكيف به إذا ما طلقها.. يا رب ماذا افعل؟!. يطرق صامتا ..ولكنه في قرارة نفسه يرغب بامرأة تنجب له ! تنسج سميرة خيوط مؤامرتها بصمت ودهاء دون ان تدع لسارة مجالا للشك بل على العكس ، تكيل لها كلمات المديح والإعجاب فيما تضمر لها نوايا الشر
تمضي سارة أوقات فراغها في حديقة صغيرة تقع في الفناء الخلفي للمنزل تهتم برعايتها . تبدو الحديقة كأنها بساط أخضر ،تخلع حذاءها وتخطو ماشية فوق أديمها العشبي ، تلامس بقدميها الحافيتين حشائشها الرطبة المنقوعة بمياه السقي ، تنشغل بتشذيب شجيراتها وتعتني بورودها وخصوصا وردة البنفسج الوحيدة المغروسة تحت شجرة سدر ظليلة الى جانب من الحديقة مستمتعة بفيئها الوفير ،

    

كانت وردة البنفسج تلك أجمل ما في الحديقة من ورود فهي متفتحة وزاهية يملأ شذاها إرجاء المكان .. تهمس سارة لنفسها وهي تمرر يدها على الأوراق مداعبة إياها يا إلهي كم احب هذه الوردة اشعر وكأنها مغروسة وسط قلبي ..لقد جلبها أمين إكراما لرغبة منها ودعته لأن يغرساها معا . قال لها ممازحا لفرط حبك لهذه الوردة صرت أشعر بالغيرة منها ..أتمنى لو كنت مكانها ، يتورد خداها وينبلج ثغرها عن ابتسامة تأسر القلب .. دعك من هذه الغيرة وتعال معي لتساعدني في سقي الشجيرات .. يدنو أمين محاولا تقبيلها ..فتميل في دلال وخفر .. فيهمس لها ..كم احبك يا بنفسجة روحي!

يزداد كره سميرة لسارة فتعمد الى اشعال فتيل الخلافات بين الزوجين ، استطاعت بمكرها وحقدها القاتل ان تحول حياتهما الهانئة الى نكد وعراك ، باتت تقنع أمينا بأن زوجته تذكره بسوء أمام الجيران وإنها تخرج من البيت دون علم منه فتزيد شكوكه وغيرته ليزداد نفورا منها ، لتحقق ما تريد ، وقد كان لها ذلك ..وها هو امين يقع في فخ سميرة ! .. راح أمين يضغط على سارة متذرعا بأنه يريد إنجاب طفل له. قال : ــ اسمعي يا زوجتي لقد سئمت الوحدة أريد طفلا يملأ علينا حياتنا . ردت عليه سارة : ــ وانا كذلك أرغب بذلك يا عزيزي .. الأمر ليس بيدي .. انها مشيئة الله.
ــ الأعوام تمضي وانا انتظر .. متى ..متى لقد سئمت الانتظار كل ما أقول لك أريد .. تقاطعه ودموعها تنهمر على خديها ! أصبر لعل الله يرزقنا .. يستشيط غضبا ويصفق بوجهها الباب مسرعا بالخروج . من خلف باب الحجرة تسترق سميرة السمع لتعرف ما يدور بين الزوجين من مشادة وخناق فتتهلل فرحا وتضحك في سرها وكأنها ربحت جائزة .. قال لها : ــ انت تخرجين من البيت دون علمي أين تذهبين أريد ان اعرف .. هيا.. اعترفي.. أين ؟؟. تنهار سارة وتجهش بالبكاء ..: ــ ما الذي تقوله بحق السماء؟ من قال لك ذلك ؟ ..متى خرجت دون علمك .. يتركها كعادته مثل كل مرة بعد ان يسمعها كلاما قاسيا .. يحدث ذلك وسارة لم تعد تفهم ما الذي يجري حولها وكيف انقلبت حياتها رأسا على عقب، وكيف تحول زوجها الذي أحبها يوما الى رجل غريب الأطوار ! ينتابها حزن شديد .. ما عادت تهتم بالحديقة التي كانت تتنفس من خلالها عبير السعادة .. يتسرب اليأس الى قلبها ..تحدث نفسها .. هل يعقل ان كل مشاعر الحب التي كان يحدثني عنها أمين تلاشت بهذه السرعة او إنها كانت محض كذبة .. لقد نذرت حياتي له وصبرت وتحملت وضحيت بمستقبلي وحتى عائلتي تخليت عنها لأجله .. ما الذي يحدث بحق السماء ؟ لم أعد أصدق هل انه ذات الرجل الذي أحببت ..؟ !.. وتبقى سارة حبيسة هواجسها لا تجد تفسيرا لما يحدث لها بيد أنها تيقنت ان أمينا لم يعد يطيق وجودها .. ماذا تفعل والى أين ستتجه؟؟. وها هي وحيدة الآن بعد ان هاجر أفراد عائلتها الى المانيا بسبب الأوضاع الأمنية الأمنية الخطيرة والمرعبة التي أحاقت ببلدهم وفي مدينتهم التي تسكن على وجه الخصوص ..حيث عمليات القتل والخطف والتهجير القسري ..ذلك ما دفعهم الى اتخاذ قرار الهجرة للحفاظ على حياتهم . لم يتبق لسارة سوى خالة مسنة تعيش حياة متواضعة في مكان ليس ببعيد عنها كانت تقوم بزيارتها من حين لآخر. قالت لها أمها : ــ ما عاد لنا امل في الحياة هنا يا سارة . سنهاجر الى أوروبا وعليك ان تأتي معنا يا عزيزتي ..هذه آخر فرصة لك ، ستبدئين حياتك من جديد هناك ..!! اسمعيني جيدا ، ستدفعين ثمن تمسكك بأمين !! ..هيا تعالي لنرحل عن هذا الموت !

تتذكر سارة كل كلمة قالتها لها أمها ما زال صداها يرن بأذنها محذرة اياها .. وتمنت لو كانت أخذت بنصيحة امها ؟ يا إلهي هل فعلا سأندم على الذي يحدث لي ..أخذت وساوس القلق والخذلان تسيطر على مشاعرها .. انها قلقة اليوم ومرعوبة اكثر من اي يوم مضى ..يبدو ان هناك عاصفة بانتظارها قد تقتلعها من جذورها . في النهاية تمكنت سميرة وزوجها من إبعاد سارة عن طريقهما ! وبرغم الأمل المعقود في أن يرزق بذرية تخفف عنه وطأة ما يعانيه غير ان قلب امين بات منقبضا رغم زواجه من امرأة اخرى اختارتها له سميرة وكانت احدى قريباتها .. يكابر أمين جاهدا في اخفاء ما يعتريه من إحساس بالندم وتأنيب الضمير ، إذ ما زالت سارة تسكن قلبه وتسيطر على إحساسه ومشاعره وها هي صورتها لا تبارح عينيه وصوتها الدافئ الحنون مازال يملأ مسامعه ..ضحكاتها .. همساتها .. انها موجودة يلمحها في كل ركن من هذا البيت يراها تخطر في أرجاء الحديقة فيهرع الى وردة البنفسج التي تعشقها سارة فيجدها قد ذوت وانطفأت . وحالما يلمسها تتحول الى رماد باهت بين يديه فيطلقها في فناء الحديقة كتنهيدات تستعر في صدره.. . يا رب ما الذي ألمَ بي ؟! تزداد حالته سوءا بعد كل يوم يمر من دون أن يراها ..ولكن فات الأوان ..فلم يعد لذكراها سوى حسرة حفرت أخاديدها في ثنايا قلبه ..خصوصا بعد ان عرف حقيقة الأمر وكيف ان أخاه رضوان وزوجته كانا السبب وراء إبعاد سارة من حياته وما هي سوى مكيدة اتفقا على تنفيذها حقدا وحسدا لسارة وعليه ايضا ..وخوفا من ان تؤول ملكية البيت لها وحدها كما يتصوران . دلفت الى احد المقاهي القريبة ..وركنت الى زاوية منه ، أشارت الى نادل المقهى ان يأتيها بفنجان من القهوة ..كانت مطرقة وواجمة طوال جلوسها ..تجول ببصرها بين أرجاء المكان ..فتشعر بغربة قاتلة ووحشة مفزعة ..فهي تشعر كأنها ريشة في مهب الريح ..خصوصا وهي تنوي ركوب المجهول ..وهي المرة الأولى التي تغادر بها بلدها العراق لتحط رحالها في بلد لا تعرف لغة أهله وعاداتهم .. إنها تركيا ذات الطبيعة الخلابة ..التي غدت ملاذا للكثير من العراقيين والعرب الهاربين من جحيم الحياة في بلدانهم .. رغم أنها لن تمكث فيها طويلا كونها ستغادرها لتلتحق مع عائلتها .. كان هناك رجل يجلس على بعد ثلاثة مقاعد عنها ..كانت قد جلبت انتباهه حال دخولها المقهى وقد راح يرمقها بنصف عين بين الفينة والأخرى وبتمعن بالغ راصدا حركاتها وسكناتها وشرودها .. احتست قهوتها وبقيت جالسة لم تغادر مكانها ..لم يكن في المقهى سوى بضعة أشخاص ، إذ ما زال الوقت مبكرا ، سألها النادل ان كانت تطلب شيئا إضافيا فلم تجبه . .وعلى الفور نهض الرجل من مكانه متجها نحوها واستأذنها بالجلوس عند طاولتها ..وكم كانت دهشتها وفرحتها حينما عرفت انه عراقي .. بادرها قائلا أنا جميل ..أسمي جميل البغدادي هكذا ينادونني ..فردت عليه بابتسامة خفيفة :
ــ تشرفنا ..

كان جميل شابا تعدى الثلاثين من عمره غير ان قليلا من الشيب كان يوحي بأنه اكبر من عمره الحقيقي ببضع سنوات . كان ذا طلعة مهيبة وصوت رخيم يضيف الى شخصيته قدرا من الكاريزما الشخصية .
وبدا عليه انه كان واسع الثقافة والاطلاع .
اوصى جميل لسارة قدحا من عصير المانجو مع قطعة من الكعك وبادرها متسائلا : ــ كيف وجدتِ اسطنبول ؟
ــ مازلت مأخوذة بسحرها ..
ــ هل تنوين الإقامة فيها ؟
ــ اتمنى ذلك .. غير انه لابد لي من ان التحق بأهلي المقيمين حاليا في المانيا ..
ــ وكيف ستصلين اليها ؟
ــ مثل المئات من طالبي الهجرة ..
ــ لكننني أجدك وحيدة ..
ــ صحيح .. انتظر قريبا لي منذ يومين ولم يأت ..
ــ لعلك ستختارين عبور بحر مرمرة الى إحدى الجزر اليونانية القريبة ..
ــ هو بالضبط ما انوي القيام به .. لقد فقدت الأمل في مجيء قريبي ..
ــ أجدكِ قوية الشكيمة .. اذن عليك الحذر من المهربين ومفاجآت الطريق لاسيما وانت لوحدك وبهذا الجمال الباهر ..
توقدت وجنتاها خجلا وأطرقت ساهمة .. فاستطرد جميل معلنا :
ــ أنا أيضا انوي عبور البحر .. لذا احبذ ان تكوني معي بنفس القارب .. هل أنت مستعدة ؟
ــ تمام الاستعداد ..
اخرج هاتفه الجوال معقبا : ــ سأتصل بأحد المهربين واحجز لكلينا ..
قالت بصوت خفيض : ــ لا بأس ..

في ليلة داجية الظلمة ذهب الاثنان معا الى المكان الذي تم تحديده من قبل المهرب الذي اتفقا معه على إيصالهما عبر بحر ايجة الى اقرب الجزر اليونانية حيث ينطلقان بعد ذلك الى أوربا . وما ان وصلا للمكان المتفق عليه حتى وجدا المهرب بمعية مجموعة من طالبي الهجرة . كان نصف العدد من الشباب القادمين من العراق وسوريا والبقية افغانيون . كما حضرت ثلاث عائلات مع اربعة اطفال . وقد أشار عليهم المهرب بالاختباء خلف صخور الساحل والاعشاب المنتشرة تجنبا لأنوار خفر السواحل الكاشفة فامتثلوا لتعليماته . وما هي الا ساعة حتى جيء بالبلم وهو زورق مطاطي يناهز طوله تسعة امتار وعرضه متران . وبعد ان تم تركيب محركه الطوربيدي جهة الخلف ، غص الزورق بالمهاجرين . هتف احدهم متذمرا من زيادة العدد التي ستجعل الرحلة محفوفة بالمخاطر . كانت الأجساد متداخلة مع بعضها . فهتف قائد الزورق ناهرا ذلك الراكب الذي جأر بالشكوى :
ــ اخرس .. ولا تفضحنا بصراخك ..
ــ ولكن .. !
ــ إن لم يعجبك فبإمكانك مغادرة الزورق والعودة من حيث جئت على ان لا تطالب بالمبلغ الذي دفعته لأن العدد محسوب !
ساد الزورق المندفع بركابه صمت ثقيل، فيما لاحت أنوار الجزيرة اليونانية في البعيد تحت سماء مدلهمة . راحت انوار الكشافات تسطع باتجاه الضفاف التي غادرها الزورق قبل قليل وهي تضرب جسد البحر بسياط الأنوار الكاشفة العملاقة . غمر سارة شعور كان مزيجا من الرعب والاطمئنان وهي تجلس في وسط الزورق ملتصقة بجميل التصاق طفل رضيع بأمه . تباعدت أنوار الكشافات لتستلقي على سطح البحر الفضي في البعيد . وبعد ساعة من المسير ، اعلن ربان الزورق انهم متجهون الى جزيرة ( ليسبوس) والتي لم تكن تبعد اكثر من سبعة كيلومترات من الساحل التركي الذي غادروه قبل ساعة .بيد ان تلك الساعة التي استغرقتها رحلة الزورق بدت كما لو كانت دهرا في حين كانت تسمع تنهدات الركاب وادعيتهم بسلامة الوصول . غير ان التيار المعاكس الذي
واجهه الزورق كان يعيده بضعة أمتار باتجاه الساحل التركي . واخيرا اعلن المهرب هاتفا :ــ نحن على مقربة مائة متر لذا عليكم توخي الحذر وعدم التحرك لاسيما ونحن ألان نمخر عباب امواج عاتية . .
وما هي الا دقائق حتى فوجئ الركاب بتوقف محرك الزورق لتتبعه موجة مزمجرة أدت الى ميلانه ودخول الماء المالح الى الداخل حتى راح الركاب يصرخون ضارعين الى الله ان ينجيهم من الغرق .لكن يد القدر كانت أسرع الى قلب الزورق الذي غمرته المياه فيما تناثر الركاب هنا وهناك وهم يثبتون نجاداتهم حول صدورهم . تشبثت سارة بجميل الذي يبدو انه كان سباحا ماهرا والذي راح يشجعها على مواصلة العوم باتجاه الساحل القريب .وما هي الا دقائق حتى سمع الركاب انفجارا أطاح بالزورق الذي جرفه الموج الى البعيد .
انطرحت اجساد الركاب على ساحل الجزيرة وقد بدوا كأنهم اسماك فضية نافقة . وبعد مرور بضع دقائق أدرك الركاب انهم عبروا الى بر الأمان فارتفعت هتافاته وتهليلاتهم وادعيتهم بالنجاة . وبذراعين قويتين لكن رقيقتين . تمكن جميل من حمل جسد سارة المبتل ليضعها على سرير من العشب حيث جعل يضغط على صدرها المتخافق من اجل التخلص من أجاج البحر المالح .
ــ هيا .. هيا .. استيقظي أرجوك . لقد نجونا ..ها نحن الان على جزيرة سافو شاعرة الاغريق التي حدثتك عنها ..هل تسمعينني ؟ !
وشيئا فشيئا راحت تستفيق ببطء مغمغمة : ــ حمدا لله ..
ثم همست وهي تدس يدها في جوف حقيبتها باحثة عن شيء ما لبثت ان عثرت عليه ..
سألها جميل : ــ انه كيس .. ماذا به ؟
ثم جعلت تنثر على جسدها هشيما من ورد بنفسج متقصف وكأنها تتعمد به
.. فيما تراءى لها الافق من بعيد متلألئا بألوانه البنفسجية !

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1448 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع