د. جابر أبي جابر
المارشال جوكوف بين الصعود والهبوط
ولد غيورغي جوكوف في 1 كانون1/ديسمبر عام 1896 بقرية ستريلكونكا (مقاطعة كالوغا) في عائلة فلاحية بسيطة. وبعد أن أنهى ثلاثة صفوف من المرحلة الابتدائية في مدرسة الكنيسة الواقعة في القرية المجاورة، أرسلته والدته إلى موسكو للعمل في ورشة خاله الخاصة بتصنيع الفراء. وفي الوقت نفسه انتسب إلى مدرسة ثانوية للدراسة المسائية التي تخرج منها في عام 1911. وفي صيف عام 1915 التحق بالجيش خلال الحرب العالمية الأولى. وفي العام التالي توجه إلى الجبهة بعد أن تلقى تدريباً في سلاح الخيالة. وأثناء مشاركته في العمليات العسكرية تسنى له القبض على ضابط ألماني. وقد حصل لقاء ذلك على أول وسام في حياته العسكرية وهو صليب القديس جاورجيادس من الدرجة الثالثة.
وبعد ثورة فبراير عام 1917 انتخب رئيساً للجنة سرب الجنود. وفي الأول من تشرين1/أكتوبر عام 1918
تطوع في الجيش الأحمر ثم ما لبث أن انتسب إلى الحزب الشيوعي الروسي (البلاشفة). ومنذ أيار/مايو عام 1919 حارب في الجبهة الشرقية ثم في الجبهتين الجنوبية والغربية ضد قوات البيض. وقد أرسل بعد ذلك للدراسة في دورات الخيالة بمدينة ريزان. وبعد تخرجه في عام 1920 عيّن قائد فصيل ثم قائد سرية خيالة. وخلال العامين 1920-1921 شارك بالقتال في عدة أماكن ومن ضمنها عملية سحق انتفاضة تامبوف الفلاحية الكبرى ضد البلاشفة حيث أصيب ببعض الجروح. ولقاء مشاركته في قمع الانتفاضة المذكورة منح وسام الراية الحمراء في عام 1922. وفي عام 1929 تخرج من دورات القيادة العليا للجيش الأحمر ثم تولى في أيار/مايو عام 1930 قيادة اللواء الثاني من فرقة خيالة سمارا السابعة. وبعد ذلك خدم في بيلوروسيا تحت قيادة رئيس قوات منطقة بيلوروسيا العسكرية يرونيم أوبوروفتش. ومنذ عام 1937 ترأس الفيلقين الثالث والسادس للخيالة ثم عيّن في تموز/يوليو عام 1938 نائباً لقائد المنطقة العسكرية البيلوروسية.
وفي فترة التصفيات الستالينية الكبرى تعرض جوكوف للوم شديد نظراً لأنه لم يلاحظ "أعداء الشعب" في الوحدة العسكرية، التي تولى قيادتها، وأنه كان" قصير النظر من الناحية السياسية". وعشية الاحتفال بالذكرى العشرين لتأسيس الجيش الأحمر منح رتبة" كوم ديف(قائد فرقة) التي تعادل رتبة فريق.
وفي أيار/ مايو عام 1939 توجه بمهمة تفتيش إلى منطقة النزاع السوفيتي الياباني الواقعة ضمن أراضي منغوليا حيث تولى بعد شهر قيادة الفيلق الخاص السابع والخمسين. وفي الحال قام بنقل مقر قيادة الفيلق من خط التماس مع القوات اليابانية إلى جبل خامار-دايا القريب من الخط المذكور. وقد شرع هناك بإحلال النظام ومعاقبة العسكريين بكل قسوة على أي خطأ يرتكبونه أو لأي تصرف لايلقي إعجاب قائد الفيلق. ووصل الأمر إلى حالات الحكم بالإعدام دون تدوين محاضر الاستجواب أو التحقيق في الأحكام الصادرة بحق العسكريين (الجنرال بيوتر غريغورينكو. في القبو لا يمكن أن تجد إلا الجرذان، نيويورك، دار نشر " ديتينس، 1981، النسخة الإلكترونية). وأثناء هجوم القوات اليابانية في مطلع تموز/ يوليو من العام نفسه، الذي استهدف محاصرة مجموعة القوات السوفيتية المنغولية المشتركة وتحطيمها على الضفة الشرقية لنهر خالخين- غول، نشبت معارك عنيفة بين الجانبين استمرت ثلاثة أيام. وقد تسنى لهذه القوات بقيادة جوكوف صد الهجوم الياباني وتحقيق تفوق ملحوظ في الجو. وتقديراً لدوره البارز في المعارك المذكورة أعلاه جرت ترقية جوكوف لرتبة"كوم كور" أي فريق أول.
وفي 20-31 آب أجرى جوكوف بالاشتراك مع الجنرال ميخائيل بوغدانوف عملية عسكرية ناجحة أخيرة لحصار وتدمير القوات اليابانية عند نهر خالخين-غول. وقد خسرت القوات السوفيتية من أفرادها ثلث ما خسرته القوات اليابانية مما دفع اليابان إلى توقيع معاهدة عدم اعتداء مع الاتحاد السوفيتي والعدول عن مخططاتها للاعتداء عليه خلال حربه ضد ألمانيا النازية. وفي ضوء ذلك منح جوكوف رتبة جنرال قائد جيش في عام 1940. كما قلده الزعيم المنغولي خورلوغين تشوبالسان وسام النجم الأحمر المنغولي. في منتصف عام 1940 عيّن جوكوف قائداً لقوات دائرة كييف العسكرية. وأثناء ذلك عقدت القيادتين السياسية والعسكرية برئاسة ستالين اجتماعاً لبحث الإعداد لعملية عسكرية تستهدف تحرير بعض الأراضي التي ضمتها رومانيا عقب الحرب العالمية الأولى. وبعد أسبوع تلقى جوكوف من وزير الدفاع ورئيس الأركان العامة أوامر باحتلال بيسارابيا. وقد قام في اليوم التالي بحشد عدد كبير من القوات على الحدود مع رومانيا. وبعد إجراء الحكومة الرومانية مشاوراتها مع حليفتيها ألمانيا وإيطاليا أعلنت موافقتها على تنفيذ الإنذار السوفيتي بالانسحاب من بيسارابيا. وبعد حوالي شهر (13 حزيران/يونيو) انتخب جوكوف مرشحاً لعضوية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي.
وفي 14 كانون2/ يناير عام 1941 عيّن رئيساً للأركان العامة وبقي في هذا المنصب لغاية تموز/ يوليو من العام نفسه. وقد اختلفت آراء وتقديرات المؤرخين المعاصرين حول أدائه في هذا المنصب حيث يعتبر بعضهم أن جوكوف لايصلح لأي عمل وظيفي ولا للعمل في هيئة التدريس.
بعد خمسة أسابيع من بدء الهجوم الألماني الباغت على الاتحاد السوفيتي في صيف عام 1941 قام ستالين بعزل جوكوف من منصبه. وكان من المتوقع أن يسجن أو يعدم، لكن وزير الداخلية وعضو هيئة الدفاع الحكومية لافرنتي بيريا سارع لإنقاذه من العقاب، الذي ينتظره على الأخطاء التي ارتكبت أثناء اقتحام جحافل الجيوش النازية للاتحاد السوفيتي، باعتباره رئيس هيئة الأركان العامة.وحسب المعطيات الرسمية لروسيا الاتحادية خلال الأسابيع الثلاثة من الحرب (من 22/6 إلى منتصف تموز/ بوليو عام 1941) تلقت الضربة الأولى للآلة العسكرية الألمانية 170 فرقة سوفيتية حيث أن 28 فرقة دمرت بشكل كامل وفقدت 70 فرقة أخرى أكثر من نصف أفرادها وأسلحتها ، إلى جانب 4 آلاف طائرة وأكثر من 11,1 ألف دبابة و18,8 ألف مدفع من شتى الأنواع و11 غواصة. وفقدت الجبهات الغربية والجنوبية الغربية والشمالية الغربية حوالي 600 ألف عسكري. كما وقع في الأسر أكثر من 3 ملايين من الجنود والضباط السوفيت. وفضلاً عن ذلك استولى الألمان على جزء كبير من طاقات الصناعة الحربية السوفيتية. وفي هذه الفترة الصغيرة توغلت القوات النازية في الأراضي السوفيتية مسافة تتراوح بين 300 و600 كم.
وقد توجه جوكوف إلى الجبهة عقب تعيينه قائداً للجبهة الاحتياطية حيث كانت المعارك تدور في جبهة سمولنسك. وآنذاك قاد عملية يلنيا الهجومية ضد القوات النازية الغازية. وقد أصبحت هذه العملية أول عملية هجومية ناجحة للجيش الأحمر منذ بداية الحرب. ومع ذلك فإن خسائر الجانب السوفيتي كانت كبيرة إذ شكّلت ثلث عدد المقاتلين بين قتيل وجريح ( 31 ألف و853 عسكرياً من أصل 130 ألف و200 عسكري). أما الألمان فقد خسروا 8-10 آلاف بين قتيل وجريح. والمعروف أن غالبية معارك جوكوف اتسمت بنسبة كبيرة من القتلى والجرحى السوفيت.
وبعد انتهاء معركة يلنيا عيّن جوكوف قائداً لجبهة لينينغراد للحيلولة دون استيلاء الألمان على المدينة أو احكام الحصار عليها. وعلى خلفية الأوضاع الحرجة بالنسبة للقوات السوفيتية المدافعة عن لينينغراد أصدر جوكوف أمراً قاسياً للغاية إلى المجلس العسكري للجيشين 42و55 يطلب فيه تنفيذ حكم الإعدام الفوري بحق جميع القواد العسكريين والموجهين السياسيين والمقاتلين، الذين يتركون مواقع الدفاع بدون أوامر. كما قام في 29 أيلول/سبتمبر عام 1941 بإرسال برقية مشفرة إلى جيوش جبهة لينينغراد رقم 4976 يطلب فيها أن يتم إعلام أفراد القوات المسلحة بأن كافة عائلات الذين يستسلمون للعدو سيتم إعدام أفرادها بالإضافة إلى هؤلاء العسكريين أنفسهم بعد عودتهم من الأسر.
ويرى بعض المؤرخين أن القسوة المتناهية، التي أظهرتها القيادة الجديدة لجبهة لينينغراد، قد أعطت ثمارها حيث تسنى لجوكوف في وقت قصير تعبئة الاحتياطات القليلة المتوفرة لديه. وقد ازدات القوات ثقة بالقدرة على مقارعة العدو دون الابتعاد عن المواقع التي شغلتها. وفي إطار ذلك تم تحقيق الاستقرار النسبي للجبهة على مشارف المدينة بفضل ما قام به جوكوف من عمل شاق على مدار الساعة بفحص الخرائط والنتقل بين شتى الوحدات العسكرية والتخطيط التشغيلي والتكتيكي الكفء وحل أصعب المهام المتمثلة في إمداد القوات ونقلها ضمن ظروف الحصار.
في مطلع تشرين1/أكتوبر استدعي جوكوف إلى المسار المركزي للجبهة السوفيتية- الألمانية حيث ترأس الجبهتين الاحتياطية والغربية بعد أن تعرضتا بالإضافة إلى جبهة بريانسك للحصار والإبادة مما أدى إلى استيلاء الألمان على مدن كالوغا وكالينين وموجايسك ومالايروسلاف التي تبعد 100-200 كم عن موسكو. وقد كان ستالين في تلك الأثناء في حالة من اليأس الشديد حيث كان الجيش الألماني يقف على أبواب موسكو. ومع ذلك فإن هذا القائد العسكري الصارم والواثق من نفسه إلى أقصى حد كان يبعث الأمل في نفس الزعيم السوفيتي.
وخلال معركة الدفاع عن موسكو أنزلت قوات الجبهة الغربية وغيرها بقيادة جوكوف هزيمة ملموسة بوحدات مجموعة جيوش"المركز"الألمانية، التي كان يقودها الفيلد مارشال فون بوك، وذلك على تخوم العامين 1941-1942. وهذه المرة الأولى التي يهزم فيها الجيش الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك فإن الجانب السوفيتي فقد خلال هذه المعركة، التي استمرت من 30 تشرين1/ أكتوبر عام 1941 إلى 20 نيسان/أبريل عام 1942، 936 ألفاً و644 شخصاً وفقاً للمعطيات الرسمية، بينما يقدر المؤرخ ألكسندر ايسايف الخسائر البشرية للاتحاد السوفيتي في هذه المعركة بحوالي مليوني شخص (ألكسندر ايسايف. مقالة"حول العوامل الموضوعية والذاتية لمعركة موسكو". مجلة بشير معهد العلاقات الدولية،2012، العدد 1).
وفي 26 آب/أغسطس عام 1942 عيّن جوكوف نائباً للقائد العام الأعلى للقوات المسلحة السوفيتية ونائباً لوزير الدفاع في آن واحد. وقد ظل يشغل هذين المنصبين حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية. وخلال عام 1942 بالذات قاد القوات السوفيتية في أربع معارك هجومية كبرى وهي: الهجوم المضاد في منطقة موسكو وعملية رجيف- فيازما وعملية رجيف- صيتشيف وعملية رجيف-صيتشيف الثانية. كما كان له مشاركة فعالة في خريف العام نفسه بوضع خطة الهجوم الاستراتيجي(أوران) خلال معركة ستالينغراد.
وقد بلغت خسائر القوات السوفيتية في عملية رجيف-فيازما 776 ألف و 889 عسكرياً أي 73,3% من عدد أفراد القوات قبل بداية العملية مقابل 193 ألف و683 عسكرياً لدى الجانب الألماني أي 56,1% من عدد افراد جيش العدو. وخلال عملية"مارس" التي استهدفت تحطم الجيش الألماني الميداني التاسع، لم يتسن للقوات السوفيتية تحقيق ذلك حيث خسرت 215 ألف عسكري بين قتيل وجريح وأسير(آب/أغسطس عام 1942).
وفي 18 كانون2/يناير عام 1943 منح جوكوف رتبة مارشال الاتحاد السوفيتي وأثناء ذلك كان يقوم بتنسيق أعمال قوات جبهة فولخوفسكي في عملية"ايسكرا" لخرق حصار لينينغراد. وعقب ذلك شارك في إعداد عملية"النجم القطبي"، التي كلف الجنرال سميون تيموشينكو بقيادتها. وقد كان هدف هذه العملية تحطيم مجموعة جيوش"الشمال" وتحرير مقاطعة لينينغراد وتأمين المقدمات اللازمة للهجوم الناجح على مناطق البلطيق. وخلال المرحلتين الدفاعية والهجومية لمعركة كورسك كان جوكوف ينسق تحركات الجبهة الغربية وجبهات بريانسك وستبنوي وفورونيج. ثم أثناء عملية تشرنيهوف –بولتافا (أواخر آب/أغسطس-مطلع أيلول/سبتمبر) كان جوكوف ينسق أعمال جبهتي فورونيج وستيبنوي حيث جرت ملاحقة العدو المنسحب نحو نهر الدنيبر.
وأثناء عملية جيتومير- بيرديتشيف في مطلع عام 1944 تمكن الجيش الأحمر من حصار القوات الألمانية. وتقديراً لدور جوكوف الرائد في هذه العملية مُنح أعلى وسام عسكري في الاتحاد السوفيتي وهو وسام النصر، رغم اتهام كونيف له وللجنرال نيكولاي فاتوتين بالتقاعس وعدم الحركة مما أتاح الفرصة للألمان خرق الحصار. فقد وجه كونيف بهذا الخصوص شكوى إلى ستالين فقرر تعيينه بدلاُ من جوكوف قائداً للقوات السوفيتية التي حاصرت المجموعة الألمانية. وعلى أثر ذلك ساءت العلاقات بين القائدين العسكريين السوفيتيين. وعقب إصابة الجنرال فاتوتين بجراح بليغة تلقى جوكوف أمراً من ستالين بقيادة الجبهة الأوكرانية الأولى. وقد أجرت قوات الجبهة المذكورة خلال الشهرين الثالث والرابع من عام 1944 عملية بروسكورف - تشيرنوفيتس الهجومية وخرجت باتجاه منطقة كاربات في غرب أوكرانيا. وفي صيف العام نفسه نسق جوكوف أعمال الجبهتين البيلاروسيتين الأولى والثانية أثناء عملية"باغراتيون". وقد انتهت هذه العملية المزودة جيداً بالوسائط المادية الفنية بنجاح. وبفضل ذلك تقدمت القوات السوفيتية مسافة 400-500 كم بدلاُ من مسافة 150-200 المقررة حسب الخطة.
وفي تموز/يوليو من العام نفسه نسق جوكوف أيضاً إجراءات الجبهة الأوكرانية الأولى، التي نفذت ضربات في مدينة لفوف بأوكرانيا الغربية وكذلك في مسار ستانيسلافسكي. وبحلول مطلع تشرين2/نوفمبر عيّن جوكوف قائداً للجبهة البيلوروسية الأولى. وفي المرحلة الختامية من هذه العملية أجرى بالاشتراك مع قائد الجبهة الأوكرانية الأولى الجنرال ايفان كونيف عملية فيسلو- أودير(12 /1- 3/2 عام 1945)، التي تحطمت خلالها مجموعة قوات الجنرال جوزيف هاربيه والفيلدمارشال فرديناند شورنير وانتهت بتحرير القوات السوفيتية لمدينة وارسو. وقد خسرت هذه القوات 193 ألفاً و215 عسكرياً.
أنهت قوات الجبهة البيلوروسية الأولى الحرب بقيادة جوكوف لدى مشاركتها في عملية برلين التي استغرقت 17 يوماً (من 19 نيسان/ أبريل إلى 2 أيار/مايو). وقد فقدت هذه الجبهة لوحدها 179 ألفاً و825 عسكرياً وذلك للاسراع باحتلال برلين قبل وصول الحلفاء إليها. وفي الساعة22,43 من يوم 8 أيار عام 1945 استلم جوكوف من المارشال فيلهلم كايتل رئيس هيئة الاركان العامة للقوات المسلحة الألمانية صك الاستسلام غير المشروط لألمانيا النازية. وفي حزيران/يونيو عام 1945 أقيم بالساحة الحمراء عرض عسكري بمناسبة انتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. وقد استضاف جوكوف موكب النصر بينما قاد العرض المارشال روكوسوفسكي. ووقف على منصة ضريح لينين كل من ستالين ومولوتوف وفوروشيلوف وبقية الزعماء السوفيت. وفي 7 أيلول سبتمبر من العام نفسه جرى عرض عسكري آخر عند بوابة براندنبرغ ببرلين لجيوش الحلفاء: الاتحاد السوفيتي وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة . وقد استضاف جوكوف العرض عن الاتحاد السوفيتي وقاده الحاكم العسكري للقطاع الأمريكي الجنرال ايريك نيرس.
وفي حزيرن/يونيو عام 1945 أعيد تسمية الجبهة البيلوروسية الأولى حيث أصبح اسمها مجموعة قوات الاحتلال السوفيتية في ألمانيا التي ترأسها جوكوف إلى جانب الإدارة العسكرية السوفيتية هناك. وفي آذار/مارس عام 1946عيّن قائداً للقوات البرية السوفيتية ونائباً لوزير الدفاع.
ومع حلول صيف العام نفسه دعا ستالين مجموعة من المارشالات والجنرالات السوفيت إلى اجتماع المجلس العسكري الأعلى للنظر في قضية المارشال جوكوف استناداً إلى استجواب مارشال الطيران نوفيكوف المعتقل لدى أجهزة أمن الدولة في "قضية الطيارين"حيث تلا الجنرال شتيمنكو إفادات كل من نوفيكوف والمساعد السابق لجوكوف المقدم سيوموتشكين، الذي زعم أن المارشال تحدث مراراً ضد ستالين وأنه جمع من حوله رهط من الجنرالات والضباط المستائين. كما كان يضخم مساهمته في هزيمة هتلر ويستأثر لنفسه بالتخطيط لعمليات لم يكن يمت إليها بأي صلة. وبعد تلاوة إفادات نوفيكوف تحدث ستالين ومولوتوف وبيريا وبولغانين في الاجتماع. وقد اتهمه أعضاء المكتب السياسي بالنزعة البونابارتية وقيامه بإخراج أقسام التوجيه السياسي من قوام القوات البرية. وأشير إلى أن جوكوف متعجرف ولم يكن يريد أن يحسب حساباً لسلطة المكتب السياسي وستالين شخصياً. ولذلك ينبغي زجره ووضعه عند حده. ووافقهم الجنرال غوليكوف على ذلك.
ثم ألقى المارشال كونيف كلمة انتقد خلالها جوكوف على الأخطاء التي ارتكبها وأشار إلى طبعه المعقد ونزاقته في تعامله مع مرؤوسيه. غير أن كونيف نفى نفياً قاطعاً أن يكون جوكوف قد جمع حوله جنرالات وضباط ساخطين. وقد أعلن تأييدههم لموقف كونيف في هذا الصدد كل من المارشالات فاسيليفسكي وروكوسوفسكي وسكولوفسكي وريبالكو، الذي قال أنه لا يمكن الوثوق بشهادة ابتزاز استحصلت تحت التهديد والعنف في السجن. وهكذا فقد أدرك العسكريون أنه إذا تخلوا عن حماية جوكوف وتركوه تحت رحمة ستالين، الذي سيقمعه وينكل به كعادته فإنه سيأتي إن عاجلاً أم آجلاً اليوم، الذي سيدق رجال الأمن في الفجر أبواب منازلهم، كما كانت عليه الأمور في سنوات ما قبل الحرب لدى عربدة "الإرهاب الستاليني الكبير".
وحيث أن ستالين شعر بشدة المقاومة الداخلية من جانب جميع القادة العسكريين وتضامنهم ضد الاتهامات الموجهة لجوكوف فإنه اضطر إلى الرجوع عن نواياه الأولية، ولكنه لم يدع القائد العسكري الشهير وشأنه, فسرعان ما أعفاه من منصبيه كنائب لوزير الدفاع وقائد عام للقوات البرية وعينه قائداً لأصغر منطقة عسكرية وهي منطقة أوديسا. (الجنرال نيكولاي بافلينكو. مقابلة مع الصحيفة الأسبوعية "نيديليا"، العدد 52، عام 1989).
وفي الاجتماع الموسع للجنة المركزية المنعقد في شباط/فبراير عام 1947 أُخرج جوكوف من قوام المرشحين لعضوية اللجنة المركزية. وقبل ذلك أي في 23 آب/ أغسطس عام 1946 أرسل عضو هيئة الدفاع الحكومية نيكولاي بولغانين البرقية التالية إلى ستالين: الرفيق ستالين
في جمارك ياغودينسكايا(بالقرب من مدينة كوفيل) تم توقيف 7 عربات قطار تحتوي على 85 صندوقاً كبيراً تضم موبيليا وأغراضاً أخرى تعود إلى المارشال جوكوف.
بولغانين
أجّل ستالين البت في هذه المسألة حوالي عامين. ولكن بعد أن فقد اهتمامه بالمارشال جوكوف الأسطوري ونفاه إلى قيادة منطقة أوديسا العسكرية أصدر إلى رجال وزارة أمن الدولة تعليماته للنظر بكل جدية في موضوع غنائم الحرب الشخصية التي أحضرها جوكوف من ألمانيا. وقد قام رجال الأمن سراً بتفتيش شقفته في موسكو ومنزله الريفي في ضواحي العاصمة السوفيتية. وهذا نص التقرير الذي بعثه وزير أمن الدولة فكتور أباكوموف بهذا الخصوص إلى ستالين والحكومة السوفيتية:
سري للغاية
إلى مجلس وزراء اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتي إلى الرفيق يوسف فيساريونوفتش ستالين
وفقاً لتعليماتكم الصادرة في 5/1/ عام 1948 تم إجراء تفتيش سري في شقة جوكوف بموسكو للعثور على حقيبة سفر وصندوق مجوهرات يحتوي على مصوغات ذهبية وألماس وأشياء ثمينة أخرى في الشقة. وأثناء التفتيش لم يتسن العثور على الحقيبة. أما صندوق المجوهرات فقد وجد في الصندوق الحديدي الكائن بغرفة النوم. وقد احتوى على ما يلي:
24 ساعة يد بما في ذلك 17 ساعة ذهبية و3 ساعات مرصعة بالأحجار الكريمة.
15 قلادة وخواتم ذهبية منها 8 مرصعة بالأحجار الكريمة وأصناف أخرى من الذهب(علبة سجائر وسلاسل وأساور وأقراط مرصعة بالأحجار الكريمة إلخ.).
ونظراً لعدم وجود الحقيبة في الشقة فقد تقرر تصوير جميع الأشياء الثمينة المحفوظة في صندوق الحديد وإعادتها إلى الصندوق بنفس الوضع السابق وعدم الإعلان عن عملية التفتيش في الشقة. وحسب استنتاج القائمين على التفتيش فإن شقة جوكوف تعطي انطباعاً بأن كل ما يمكن ان يشوه سمعته من الأشياء قد سحبت من هناك. ولايقتصر الأمر على عدم وجود الحقيبة المفترض أنها تضم أشياء ثمينة، بل أنه لا توجد في الشقة أية رسائل أو تسجيلات إلخ. وعلى ما يبدو فقد تم ترتيب الشقة بحيث لا يوجد شيء غير ضروري.
وفي ليلة 8/9 كانون2/يناير أجرِيَ تفتيش سري آخر في منزل جوكوف الريفي الواقع بقرية روبلوفكو في ضواحي موسكو. وقد دل التفتيش على وجود غرفتين جرى تحويلهما إلى مستودع لحفظ كمية ضخمة من شتى الأشياء الثمينة. ومنها على سبيل المثال:
أقمشة من الصوف والحرير والديباج والبروكار والمخمل الناعم وغيرها تتجاوز 4 آلاف متر في مجموعها.
فراء السمور والقرد والثعلب وفراء أستراخان وفراء الحملان الصغار. المجموع- 323 قطعة.
جلود الجدي من أفخم مستويات الجودة- 35 قطعة.
سجاد ومفروشات كبيرة الحجم باهظة الثمن مأخوذة من قصر بوتسدام وقصور ومنازل أخرى في ألمانيا- 44 قطعة بعضها مرصوص ومعلق في الغرف والباقي في المستودع. وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى السجادة الكبيرة الموضوعة في إحدى غرف المنزل الريفي.
لوحات فنية من المدرسة الكلاسيكية بأحجام كبيرة ضمن إطارات- 55 لوحة وهي معلقة حول غرف المنزل أو مخزّنة في المستودع.
أطقمة أدوات المائدة وأطقم شاي باهظة الثمن(خزف مع زخرفة فنية وكريستال) وضعت في 7 صناديق كبيرة.
أدوات مائدة فضية وأطقم شاي-صندوقان كبيران آلات أكورديون بزخرفة فنية فاخرة- 6 قطع.
بنادق صيد فريدة من نوعها من صنع شركة" جولند- جولند" وغيرها-20 بندقية تم تخزين هذه الممتلكات في 51 صندوقاً كبيراً وحقيبة ومنها اغراض غير معبأة في صناديق. وبالإضافة إلى ذلك فإنه في جميع غرف المنزل الريفي وعلى النوافذ وخزائن الكتب والأواني والطاولات وضعت بكميات كبيرة مزهريات من البرونز والخزف الصيني والتماثيل الفنية الصغيرة وكذلك شتى أنواع التحلية والزينة الأجنبية.
وتجدر الإشارة إلى تصريح القائمين على عملية التفتيش بأن منزل جوكوف الريفي يمثل عملياً متجر تحف فنية أو يشبه متحفاً حقيقياً مزيناً بشتى اللوحات الفنية باهظة الثمن. وهنالك عدد كبير منها بحيث أن أربع لوحات كانت معلقة في المطبخ أيضاً, وقد وصل الأمر إلى حد وجود لوحة ضخمة معلقة في غرفة نوم جوكوف فوق سريره. هذه اللوحات القيمة لا تناسب المنزل الريفي بأي شكل من الأشكال. ولهذا يجب نقلها إلى ممتلكات الدولة ووضعها في المتحف.
ثمة أكثر من 20 سجادة تغطي أرضيات كافة الغرف تقريباً. وإن جميع المفروشات من أثاث وسجاد وأواني فخارية وزخارف وستائر النوافذ من إنتاج أجنبي ومعظمها ألمانية. فليس هنالك أي شي حرفياً في المنزل من صنع سوفيتي باستثناء البساط المستطيل الممدود عند مدخل المنزل.
لا يوجد في هذا المنزل الريفي اي كتاب سوفيتي بينما هناك في خزائن الكتب عدد كبير من الكتب باللغة الالمانية حصراً ذات التجليد الرائع والأغلفة المشكّلة بورق ذهبي. ولدى دخول المرء هذا المنزل من الصعب عليه أن يتصور نفسه في ضواحي موسكو وليس في ألمانيا. وبعد انتهاء التفتيش تم العثور على مجموعات كبيرة من الفراء والأقمشة والغوبلين والجلود وغيرها من الأشياء في غرفة واحدة مقفلة بمفتاح ويقف عند بابها حراس.
أرسلت مجموعة من موظفي وزارة أمن الدولة إلى أوديسا لإجراء تفتيش سري في شقة جوكوف, وسأبلغكم عن نتائج هذه العملية. أما الحقيبة، التي لم يتم العثور عليها في شقة جوكوف بموسكو والمحتوية على المجوهرات التي تحدث عنها مساعده السابق المعتقل سيوموتشكين فإن الرقابة اكتشفت أن زوجة جوكوف تأخذها معها حين تسافر. واليوم عندما وصل جوكوف مع زوجته إلى موسكو قادماً من أوديسا فإن الحقيبة موجودة ثانية في شقته. ويبدو أنه ينبغي الطلب من جوكوف مباشرة أن يسلم هذه الحقيبة مع المجوهرات التي تحتويها.
أباكوموف 10/1/1948
وبعد أسبوعين نقل جوكوف إلى قيادة منطقة الأورال العسكرية. ومع ذلك فخلال المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الحاكم المنعقد في تشرين1/أكتوبر عام 1952 انتخب مجدداً مرشحاً لعضوية اللجنة المركزية. وعقب وفاة ستالين عيّن بناء على توصية بيريا نائباً لوزير الدفاع. وحسب قول سيرغي نجل خروشوف فإن والده هو الذي أعاد جوكوف من الأورال وتوصل إلى تعيينه في المنصب المذكور. وقد أصبح جوكوف بعد مشاركته المباشرة في اعتقال بيريا يوم 26 حزيران/يونيو عام 1953 عضواً في اللجنة المركزية.
وفي خريف عام 1954 كلف جوكوف بقيادة المناورات العسكرية لعموم الجيش، التي جرت في ميدان توسكي للتجارب بمنطقة الأورال، واستخدمت خلالها قنبلة ذرية باستطاعة 44 كيلو طن. وقد شارك في هذه المناورات زهاء 45 ألفاً من جنود وضباط الجيش السوفيتي. وجرى إجلاء سكان المناطق القريبة من حقل التجارب. وألقيت القنبلة من الجو على ارتفاع 8 آلاف متر وتم الانفجار على ارتفاع 350 متراً. ورغم أن معظم القوات مر على حواف منطقة التفجير إلا أن عدداً لا يستهان به من المشاركين في المناورات عانوا لاحقاً من تداعيات الإشعاع الذري وفارقوا الحياة. والجدير بالذكر أن مجمل المعلومات المتعلقة بالمناورات المذكورة آنفاً كان طي السرية في العهد السوفيتي.
وفي شباط/فبراير عام 1955 عيّن جوكوف وزيراً للدفاع. وبعد عام انتخب مرشحاً لعضوية المكتب السياسي (رئاسة اللجنة المركزية). وفي نوفمبر عام 1956 قاد جوكوف بالاشتراك مع المارشال كونيف عملية قمع الانتفاضة المجرية المعادية للشيوعية. وبعد شهر من ذلك منح للمرة الرابعة لقب بطل الاتحاد السوفيتي مع تقليده ميدالية "النجم الأحمر" ووسام لينين.
سعى جوكوف إلى تحديث الجيش السوفيتي وعمل على إعادة الاعتبار للقادة العسكريين، الذين تعرضوا للقمع والتنكيل في عهد ستالين. وبهذا الصدد أشار قائلاً:" لقد كنا نصدق هؤلاء الأشخاص ونحمل صورهم بينما كان الدم يسيل من أيديهم...فهم كانوا يشمرون عن سواعدهم ويمسكون بالفؤوس لقطع الرؤوس ويقودون الناس كالقطيع إلى المسلخ.... لو عرف الشعب الحقيقة لكان قد استقبلهم ليس بالتصفيق وإنما بالحجارة". وكان جوكوف أول من تحدث عن قيام ستالين وأعوانه بالتصديق على قوائم الأشخاص المقرر إعدامهم.
أولى جوكوف اهتماماً كبيراً بإنشاء واستخدام الأسلحة الصاروخية النووية. وقد عقد بمبادرته في أيار/مايو عام 1957 مؤتمر عسكري علمي شارك فيه قادة كافة صنوف الاسلحة ومدرسو الكليات العسكرية ورؤساء مكاتب التصميم ومدراء معاهد البحث العلمي حيث جرت مناقشة الطابع المحتمل لحروب المستقبل.
وخلال الاجتماع الموسع للجنة المركزية في 22-29 حزيران/يونيو عام 1957 المنعقد عقب محاولة المكتب السياسي عزل خروشوف عن السلطة، أعلن جوكوف دعمه للزعيم السوفيتي في صراعه ضد ما يسمى"مجموعة مولوتوف ومالنكوف وكاهانوفتش وشيبيلوف المعادية للحزب". وقد انتخب آنذاك عضواً في المكتب السياسي. ووقف، في الوقت نفسه، ضد القادة الحزبيين، الذين كانوا يعرقلون مسألة إعادة الاعتبار إلى الجنرالات الذين أعدمهم ستالين في بداية الحرب بتهمة التقاعس في اتخاذ القرارات اللازمة للتصدي للعدوان النازي. ومن ضمنهم بافلوف وكليموفسكيخ وغريغوريف. وقد تسنى لجوكوف إعادة الاعتبار لهؤلاء القادة العسكريين. وفي شهر تشرين1/أكتوبر عام 1957 كان جوكوف يزور يوغسلافيا وألبانيا مع وفد عسكري رسمي. وقد انتهز خروشوف وأعوانه وجوده خارج البلد لإعداد اجتماع موسع للجنة المركزية من أجل عزله. والمعروف أن خروشوف كان يرى فيه منافساً خطيراً له نظراً لشعبيته في الاتحاد السوفيتي وسمعته الدولية كأحد ابطال الحرب العالمية الثانية. وقد اتهمت القيادة الحزبية جوكوف بالعمل على فصل الجيش عن الحزب ووضع نفسه بين الجيش واللجنة المركزية. وفور عودته من الزيارة دُعيَ يوم 26 أكتوبر إلى جلسة المكتب السياسي حيث أعفي من منصب الدفاع ثم أخرج من قوام المكتب السياسي واللجنة المركزية.
وبعد بضعة أيام ظهرت في صحيفة برافدا مقالة بقلم خصمه اللدود المارشال كونيف، الذي اتهمه فيها بانتهاكه على نحو صارخ للمبادئ اللينينية في قيادة القوات المسلحة، وبابتعاده عن التواضع الحزبي وزرع نزعة عبادة شخصيته في القوات المسلحة. وحسب مذكرات خروشوف فإن جوكوف أصر خلال النظر في مسألة عزله من منصب وزير الدفاع على تعيين كونيف خلفاً له. وفي 4 آذار/مارس عام 1958 صدر قرار وزير الدفاع بتسريحه من القوات المسلحة. وقد وضعت أجهزة الأمن في منزله الريفي أدوات تنصت تسجل حتى أحاديثه مع زوجته في غرفة النوم.
وفي صيف عام 1964 أي قبيل الانقلاب على خروشوف قرر الزعيم السوفيتي استدعاء جوكوف والاعتذار منه بطريقة ما لكونه أقاله. وقد حمّل الزعيم السوفيتي بطانته المسؤولية الرئيسية عن ذلك حيث قال " لقد كانوا يوغرون صدري عليك ويقولون أنك شخص خطير وأنك تتجاهلني". وأجابه جوكوف قائلاً "كيف يمكن تقرير مصير الإنسان استناداً إلى ظنون وتخمينات واهية؟". وأعلن خروشوف خلال اللقاء أنه مشغول جداً في الوقت الحالي وأنه بعد عودته من الإجازة سيتحدث معه بكل ود. ومن الواضح أن خروشوف كان آنذاك يشعر بفقدانه الدعم اللازم ولهذا قرر مجدداً الاستناد إلى مساعدة البطل القومي جوكوف. ولكن عندما عاد من الإجازة وجد نفسه معفياً من كافة مناصبه ومحالاًعلى التقاعد.
وبعد عزل خروشوف ومجيء بريجنيف إلى سدة الحكم في خريف عام 1964 أعيد اعتبار جوكوف إلى حد ما. فصار المسؤولون يدعونه إلى شتى المناسبات والاحتفالات. وقد منح في عام 1966 وسام لينين بمناسبة عيد ميلاده السبعين ولقاء خدماته للقوات المسلحة. ثم حصل في شباط/فبراير عام 1968 على وسام ثورة أكتوبر تقديراً لمآثره في بناء وتعزير الجيش السوفيتي. وبعد عام ونيف صدر كتابه" مذكرات وتأملات" بعد أن حذفت الرقابة العديد من فصوله وفقراته. وفي 15 حزيران/يونيو توفي المارشال جوكوف.
وبمناسبة مرور مئة عام على ميلاده أقيم له في عام 1996 تمثال بموسكو قرب الساحة الحمراء.
بعد إلغاء الرقابة وانهيار الاتحاد لسوفيتي ورفع السرية عن جزء من الأرشيف الحكومي ظهر في وسائل الإعلام الروسية والأوكرانية سيل من المقالات والأبحاث عن جوكوف تتضمن آراء وتقييمات متناقضة تتناول سيرة حياته ونشاطه العسكري وخاصة من جانب المناوئين له، الذين يتهمونه بالتعامل الفظ والقسوة الشديدة مع ضباطه وجنوده. وقد وصفوه بالجزار استناداً للزعم القائل بأن جنود الجيش الأحمر أنفسهم أطلقوا عليه هذه التسمية لكونه كان يعتبرهم مجرد علف للمدافع. وأشير إلى أنه كان مسؤولاً عن مقتل مئات الألوف من العسكريين السوفيت أثناء قيادته لمعارك رجيف. كما حملوه المسؤولية عن الخسائر الفادحة التي تكبدها الجيش الاخمر في الأسابيع الأولى من الحرب عندما كان رئيساً لهيئة الأركان العامة. وإن أفظع اتهام له يتجلى في الزعم القائل أنه كان أثناء المعارك ضد القوات النازية يزيل الألغام المضادة للدبابات بأجساد المشاة ويسمي ذلك بالخسائر المصاحبة. وإلى جانب ذلك كله اتهمه الأوكرانيون القوميون بالتمييز العنصري أثناء الحرب العالمية الثانية ضد العسكريين المنحدرين من أوكرانيا. ومع ذلك فإن المارشال جوكوف يبقى بطلاً قومياً لدى الأغلبية الساحقة من الشعب الروسي.
1385 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع