عائشة سلطان
الحي القديم
أعادتني رواية «دلشاد» للعمانية بشرى خلفان، إلى سنوات طفولتي، ما قبل دخول المدرسة، عندما كنا نعيش في فريج عيال ناصر، وكان الحي مزيجاً من أقوام واثنيات وثقافات مختلفة.
لقد كان التداخل والتعامل بين الجميع يأخذ أشكاله المعتادة، صحيح هناك تراتبية في العلاقات، لكنها التراتبية المفهومة والمقبولة كذلك والتي تحتملها اختلافات المواقع والرتب الاجتماعية والمهنية أو الحرفية.
إن ذلك «المشهد اليومي» الذي كنا نراه ونتعامل معه بشكل أو بآخر، قد قدم لنا صورة مبكرة عن تباين الفئات والثقافات، وفكرة قبول الآخر واحترامه، فهناك العرب والعجم والبلوش والباكستانيون، وكان هناك الصياد والنجار والحمالي، والعبار، والتاجر، وبائع الدكان، وصانع الخبز، وبائعة السمك، والمطوع أو المطوعة التي تعلم القرآن، وبياع الخضار الذي ينادي على بضاعته بين البيوت، وهناك الصفار (الذي يلمع قدور النحاس) والمضرب أو النداف (الذي يقوم بإعداد القطن لحشوه في المساند والوسائد والفرش القطنية) وكانت الحرف مهمة للجميع وكان أصحابها محل احترام دائماً.
رأيت جدي في طفولتي المبكرة وهو يحضر بعضهم للبيت ليقوموا بعملهم عندنا إذا اقتضى الأمر، كالنداف والصفار مثلاً، لم يكونوا غرباء عنا بل كنا نتعامل معهم يومياً، وكنا إذا أردنا أن نذهب إلى دكان الحي، نختار أن نمر عبر «حوطة البلوش» بدل الالتفاف، وقطع الشارع الطويل.
و«حوطة البلوش» أرض كبيرة مسورة بالدعون يملكها رجل لا يرى إلا بصحبة صقره اسمه سلطان بن ناصر، كان يسكن خيمة في طرف الحوطة بينما تسكن مجموعة من عائلات البلوش معظم أرضها، وأذكر أن أهل الحي خارج الحوطة كانوا يستعينون ببعض الرجال منهم لحمل بعض الأثقال التي يصعب عليهم تحريكها، فقد عرف عن هؤلاء الناس شهامتهم وقوة بأس رجالهم وجمال نسائهم.
1479 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع