علي الكاش
إيران تدين نفسها بنفسها
غالبا ما تصطدم تصريحات الحرس الثوري الايراني بمطبات يصعب الخروج منها، وربما تنقلب على رؤوسهم الخاوية، فتجعلهم في حالة مربكة يُرثى لها، كأن قدرهم ان يكونوا مسخرة أمام العالم، مع هذا فأنهم لا يتعظوا من تجاربهم السابقة، فقد جبلوا على تجاهل الرأي الخارجي بشكل عام، والإهتمام بخداع شعوبهم، والتركيز على لفت بوصلة إهتمامهم الى إتجاهات أخرى.
من البديهي ان الدبلوماسية الايرانية تخضع لنفوذ وسيطرة الحرس الثوري الإيراني، وغالبا ما تكون قربانا في محرابه، ونستذكر التخبط والفوضى الذي وقعت فيه ادارة الحرس الثوري والتناقضات في التصريحات التي حيرت وزارة الخارجية حينها وجعلتها مسخرة أمام العالم الخارجي، ونستذكر زيارة الرئيس السوري بشار أسد الى ايران دون علم وزارة الخارجية الايرانية، مما جعل وزير الخارجية حينها محمد جواد ظريف يقدم إستقالته، ويبدو انه على الرغم من موت الجنرال سليماني الذي كان يتحكم بعد المرشد الخامنئي بكافة مقدرات ايران ـ وفق التسريبات التي وردت عن وزير الخارجية ظريف ـ ولا تزال الدبلوماسية الايرانية خاضعة لسيطرة الحرس الثوري في عهد حسين أمير عبد اللهيان، بل ان أبرز ملفات وزارة الخارجية الايرانية مثل ملف العراق وسوريا واليمن ولبنان وغزة تحولت الى الحرس الثوري، ودور الخارجية هامشي ليس له أي إعتبار.
في الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له أربيل واعتراف الحرس الثوري الإيراني بأنه هو من نفذ الهجوم الارهابي ـ الذي اهتزت له ذيول كلاب ايران في العراق فرحا، وأشادت به بل وباركته ـ على الرغم من ان العدوان الإرهابي ينتهك سيادة العراق، ويشكل خرقا فاضحا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، حيث إكتفت الحكومة العراقية الضعيفة بالإستفسار عن سبب الهجوم، مع زعم لا أثر له في إستدعاء السفير الايراني وهو أمر لا يمكن لأي عراقي ان يصدقه، بأن الوزارة تجرأ على إستدعاء أالسفير الإيراني أسجدي، فالأخير هو من يستدعي وزير الخارجية ورؤساء الحكومة والبرلمان والجمهورية، فهم أقزام أمامه. نتحدى وزارة الخارجية ان تخرج فلما عن وصول السفير الايراني الى وزارة الخارجية وتقديم مذكرة احتجاج له. حدث العاقل بما لا يُعقل فأن صدق فلا عقل له.
ووصلت الصلافة والوقاحة ان يخطب السفير الايراني في كربلاء مع ذيوله واتباعه من شيعة العراق والميليشيات الولائية، حيث عُزف النشيد الوطني الايراني فقط! وصرح بكل وقاحة ان الهجوم لم ينتهك سيادة العراق، ولم تجرأ الحكومة العراقية على وضع حد لتصرفات السفير الإيراني المنافية لمهامه الدبلوماسية.
المهم تضاربت التصريحات الايرانية كالعادة، فقد ذكروا انهم استهدفوا مقر شبكة للموساد الايراني في أربيل، والطريف ان أول من فند هذا الزعم هو الرئيس الايراني السابق أحمدي نجاد، الذي قال ساخرا بأن الحكومة الايرانية لم تستطيع ان تكبح جماح إغتيال اكبر عالم ذرة ايراني داخل ايران وقرب مسكن رئيس جهاز المخابرات الايراني، بل انه الموساد سرق الأرشيف الايراني في عقر دارهم، وخلص نجاد بأن الموساد يسرح ويمرح في ايران فالأجدى كشف شبكات الموساد في ايرن قبل العراق.
ثم تغيرت بوصلة التبريرات الإيرانية بعد ان تبين انهم لا يمتلكوا اي دليل على زعمهم، فقالوا بانه اطلقت من اربيل طائرة مسيرة ضربت معملا في ايران لإنتاج الطائرات المسيرة، الطريف ان ذيول ايران هم من روجوا لهذه الفرية واستعارتها ايران من ذيولها، مع ان هذا الأمر يعني وجود ثغرة أمنية في نظام الدفاع الجوي الايراني يفقدهم مصداقية القوة والتفوق العسكري، بل يفضح أوهام قوتهم.
ثم لماذا سكتوا عنه الهجوم بالطائرات المسيرة لمدة شهر كامل؟
ولماذا لم يتطرقوا الى الهجوم المزعوم في تصريحاتهم الرسمية او يفاتحوا حكومة الأقليم او الحكومة الاتحادية حول هذا الهجوم.
وأخيرا إنتهى زعمهم الى تعرض أمنهم القومي الى مخاطر، وهذا الأمن يبدو ركيكا للغاية بحيث ان النائبة العراقية عالية نصيف ، محامية الولي الفقيه والمعبر عن لسانه في البرلمان العراقي ـ اعترفت بأن التحالف الثلاثي الصدري السني الكردي يهدد أمن إيران!
وهذا التبرير كارثة ما بعدها كارثة، فقد أكدت ولاية الفقيه ان تعرض الأمن الوطني يسمح لها بإنتهاك سيادة الدول الأخرى والعدوان عليها دون الإلتفاف الى ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، بل والدستور الإيراني نفسه.
لكن ماذا يمثل هذا التبرير وما هي مخاطره على إيران وغيرها؟
اعترفت ولاية الفقيه بأن للسعودية الحق التام في المحافظة على امنها القومي في الردٌ على الإرهابيين الحوثيين في اليمن على اعتبار ان الأوضاع المضطربة في اليمن تهدد امنها القومي، اي كما فعلوا بهجومهم على اربيل بـ (12) صاروخ بالستي بذريعة المحافظة على امنهم القومي.
وأعطت الحق لتركيا بغزوها العراق وإقامة قواعد في شمال العراق للمحافظة على أمنها القومي سيما ان الحكومة العراقية تحتضن إرهابي حزب العمال التركي وتدعمهم مالا وسلاحا مما يهدد الأمن القومي التركي.
وصار للرئيس الروسي بونين الحق في غزو اوكرانيا لأنها تهدد أمنهم القومي.
بل قدم الولي الفقيه الحق التام لأسرائيل بضرب المنشئات السورية لأنها تهدد امنها القومي، واليوم صار الحق للولايات المتحدة واسرائيل ان تشن هجوما على ايران وضرب مفاعلها النووي على إعتبار انه يهدد أمنهم القومي، اقول على نفسها جنت براقش.
لو طبقت نظرية الأمن القومي الإيراني بقية الدول معنى هذا ان العالم سيعيش في إضطراب وعدم إستقرار، وسيتعرض الأمن والسلم الدولي الى التهديد. أي التحول الى نظام الغاب، وتهيمن الدول القوية على الدول الضعيفة وتستغلها بحجة الأمن القومي.
معنى هذا أنه لم يعد للميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي أهمية على ضوء التبرير الايراني، وصار إنتهاك السيادة والتدخل في الشؤون الخارجية امرا مقبولا في ضوء تفسير ايران للأمن القومي.
1294 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع