د. منار الشوربجي
ما معنى «امرأة»؟!
ما بين فضيحة مدوية لأحد قضاتها وترشيح أخرى، كانت المحكمة العليا الأمريكية العنوان الرئيسى لأخبار واشنطن الأسبوع الماضى. فقد تبين أن قرينة أقدم قضاة المحكمة لعبت أدوارًا مختلفة لمنع الاعتراف بفوز بايدن وتنصيبه رئيسًا. فجينى توماس، قرينة القاضى المحافظ كلارنس توماس، اشتركت في المسيرات التي انتهت باقتحام مبنى الكونجرس، بل أرسلت وقتها 29 رسالة لمسؤول الجهاز الفنى للبيت الأبيض تطالبه بمساعدة ترامب على البقاء في الحكم رغم هزيمته بالانتخابات. وتمثل تلك سابقة خطيرة، خصوصًا أن ترامب كان يسعى لاستخدام المحكمة العليا للبقاء في الحكم رغم أنف الناخبين.
ونفوذ تيار ترامب كان جليًا في الأسبوع نفسه بجلسات الاستماع بمجلس الشيوخ التي عقدها المجلس قبل التصويت على قبول مرشحة بايدن للمحكمة العليا. وهى إن صدق المجلس على تعيينها ستكون أول قاضية سوداء في التاريخ الأمريكى تشغل مقعدًا بالمحكمة العليا. فالقاضية كيتانجى براون جاكسون معروفة لأعضاء المجلس الذين وافقوا من قبل بأغلبية كبيرة على تعيينها في محاكم فيدرالية أدنى. لكن ترشحها للمحكمة العليا عرَّضها لهجوم شرس لا علاقة له بكفاءتها وأهليتها للمنصب، كما يُفترض، وإنما هدف لتسجيل نقاط سياسية ضدها كامرأة من ناحية وسوداء من ناحية أخرى.
فنوعية الأسئلة التي طرحها تيار ترامب تحديدًا كانت لافتة. فقد اتهمها بأن ما أصدرته من أحكام قضائية كان «رحيمًا» بالذين يستغلون الأطفال جنسيًا ويروجون للاتجار الجنسى بالأطفال. والاتهام كان صادمًا حتى بالنسبة لقطاع من الجمهوريين الذين وجدوا في الاتهام تنويعة أخرى على نظرية المؤامرة التي يؤمن بها قطاع من أقصى اليمين المتطرف يزعم أن الديمقراطيين، في أعلى مستويات الحكم، يديرون شبكة للاتجار الجنسى بالأطفال.
ولم يكن أقل فجاجة من ذلك الاتهام ما قاله سيناتور آخر في مؤتمر صحفى عشية جلسات الاستماع، حيث بدا وكأنه يريد العودة بالزمن للوراء عندما كانت الولايات تفرض حظرًا على الزواج بين البيض والسود. وهو الحظر الذي وضعت المحكمة العليا نهاية له بقرار أصدرته عام 1967. وقد انطوت الجلسات على أسئلة أخرى ذت دلالة. فالقاضية جاكسون رفضت الإجابة عن سؤال للسيناتور ليندسى جرام عن دينها، كون الدستور الأمريكى يفصل بين الدين والسياسة.
كما رفضت الإجابة عن السؤال الذي طرحته السيناتور الجمهورية مارشا بلاكبورن التي طالبتها بتعريف معنى كلمة «امرأة»، مؤكدة أنها ليست «متخصصة في علم الأحياء»! وكان رفضها بمثابة محاولة لرفض الوقوع في فخ اتخاذ موقف مطلق ومسبق من قضايا مطروحة اليوم أمام المحكمة العليا مثل قضية المتحولات جنسيًا. أما السيناتور تيد كروز فقد أخرج من بين أوراقه كتابًا مدرسيًا للأطفال طالب جاكسون بتحديد موقفها منه كونه يعلم الأطفال معاداة العنصرية. وكأن معاداة العنصرية جريمة تستوجب العقاب!
ولعل أهم ما كشفت عنه تلك الجلسات كان أن القاضية جاكسون تحملت عبئًا مزدوجًا، ككل امرأة سوداء في أمريكا. فقد كان عليها أن تنفى عن نفسها الصور النمطية السلبية التي يحملها المجتمع للمرأة والسود في آن معًا.
وكانت التغطية الإعلامية أحد تجليات ذلك العبء المزدوج، حين ركزت على «الثبات الانفعالى» للقاضية في مواجهة الهجوم الشرس «واحتفاظها بهدوئها» عند تلقيها الاستفزازات المستمرة من الأعضاء. ولم يكن أقل دلالة صور دموعها المنهمرة أثناء الخطبة المؤثرة التي ألقاها السيناتور الأسود كورى بوكر دعمًا لها كأول امرأة سوداء قد تنضم للمحكمة العليا. وهى تغطية لا يجول في خاطر الإعلاميين ممارستها لو كانوا إزاء «رجل أبيض»!.
1364 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع