الهجوم الايراني على اربيل.. اسئلة كثيرة تحتاج الى اجوبة مقنعة.. وما حقيقة العلاقة مع اسرائيل؟

                                                

                      د. سعد ناجي جواد

الهجوم الايراني على اربيل.. اسئلة كثيرة تحتاج الى اجوبة مقنعة.. وما حقيقة العلاقة مع اسرائيل؟

اثار الهجوم الذي شنته ايران بطائرات مسيرة على (قصر كبير) في احدى ضواحي اربيل، بدعوى انه مركزا للموساد الاسرائيلي، ردود فعل متباينة وكثيرة مازالت مستمرة لحد اللحظة. ايران ومن يؤيدها، ومنهم يحملون الجنسية العراقية، اعتبروا الاجراء حقا مشروعا لحماية (الامن القومي الايراني)، الذي وصفته بالخط الاحمر الذي لا يمكن تجاوزه من قبل اسرائيل او غيرها. واضافت ان ذلك المقر قد تم استخدامه في توجيه ضربة لمصنع لطائرات مسيرة داخل ايران قبل اشهر. اما من يعارض ايران وسياساتها فلقد اعتبر الهجوم تجاوزا وخرقا للسيادة العراقية، وهو كذلك بالتاكيد، وكانت حكومة اقليم كردستان العراق، وما تزال، اكثر من ردد ويردد هذه المقولة، على الرغم من ان الواقع يقول ان حكومة الاقليم تصر على عدم التعاون مع السلطة المركزية في حماية امن وسيادة العراق، وهذه مسالة اخرى تحتاج الى نقاش اطول.

تحليل بسيط للحادثة يُظهِر مفارقات لابد وان تثير الكثير من علامات الاستفهام. اولا ان ايران اعترفت بهذا الفعل جهارا نهارا، ومباشرة وبدون تردد او مواربة، وقالت انه اجراء ضروري وتحذيري في نفس الوقت، وزادت على ذلك بالقول انها ستكرره كلما دعت الضرورة، ولم تترك الامر الى احدى الفصائل المسلحة التابعة لها لكي يتبناه، كما كان يحدث في الهجمات على السفارة الامريكية او القواعد العسكرية، مما يعني انها ارادت ان تقول انها بدات مرحلة المواجهة المباشرة مع اسرائيل في الاراضي العراقية. ولكن الامر الملفت للنظر ايضا ان التصريح اكد ان طهران قامت باعلام الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان العراق قبل الشروع بالضربة. وهذا التصريح الغريب لا بد وان يثير تساؤل مهم آخر هو لماذا تحرص ايران على اعلام الطرف الكردي الذي تتهمه بالتعاون مع اسرائيل، والطرف العراقي الذي سبق وان اتهمت قيادات مهمة منه بمثل هذا التعاون ايضا، وهي تعلم ان هذا الخبر او الاشعار سيصل الى اسرائيل في نفس اللحظة؟ ام ان الهدف من هذا الاشعار و التنبيه هو لافراغ المكان من ساكنيه (او مستاجريه)؟ وهذا ما حصل، بحيث ان القصف لم يُسفِر عن وقوع ضحايا، كما يقول الجانب الكردي. وحول هذه النقطة ايضا هل يجب ان نفهم من هذا التصريح ان ايران ارادت ان تكون ضربتها اعلامية او معنوية فقط وليست تصعيدية؟ والسوال الاخر هو هل اوقع الهجوم خسائر اسرائيلية بشرية حقا كما ادعت ايران؟ طبعا هذا الامر سيتم التاكد منه بسهولة بعد فترة وجيزة وذلك اذا ما اقدمت اسرائيل على رد ينسجم مع خسائرها كما اعتادت ان تفعل، واذا لم يات مثل هذا الرد فان مسالة الخسائر البشرية تبقى موضع شك.
على الجانب العراقي هناك اسئلة وعلامات استفهام اخرى. السوال الاول هو لماذا حرصت حكومة الاقليم على اظهار مالك القصر المليونير الكردي المعروف على القنوات الفضائية وتقديم نفسه لرئيس وزراء العراق السيد مصطفى الكاظمي، بانه كان ضحية لعدوان ايراني (دمر مسكنه هو وعائلته ودمر ارث وتاريخ عائلة كردية عراقية بسيطة). وهل ان هذا السيناريو كان فقط للرد على ادعاءات ايران، وللقول ان الهجوم استهدف مسكنا لعائلة عراقية بسيطة وليس مركزا للموساد. ام ان هدف هذا الطرح هو لكي يطلب مالك المنزل تعويضا ماديا (مناسبا) من الحكومة العراقية على الاضرار التي لحقت بمنزله. علما ان مالك المنزل معروف بكونه من الاثرياء الاكراد الكبار وانه يدير مشاريع اغلب شركاءه فيها قيادات كبيرة في الاقليم. علامة الاستفهام الاخرى كيف يمكن لقصر بهذه الضخامة والمساحة ان يكون خاليا تماما من السكان؟ ان بناء بهذا الحجم والمواصفات يحتاج الى خمسة الى عشرة اشخاص (في اقل تقدير) على ادامته وخدمة ساكنيه، فاين ذهب هولاء؟ ثم كيف يمكن تفسير ان كل افراد العائلة والعاملين عندهم كانوا خارج المنزل وقت وقوع القصف، الذي يعتبر من الاوقات التي يندر ان تكون فيه العائلات العراقية خارج المنزل (الواحدة ليلا او صباحا)؟
على الجانب العراقي الرسمي فان زيارة السيد رئيس الوزراء لموقع الهجوم تعتبر خطوة جيدة اشعرت العراقيين البسطاء باهتمام رئيس الحكومة بمعاناتهم وبوقوفه الى جانبهم، وياحبذا لو امتد هذا الامر ليشمل مناطق اخرى في شمال العراق تتعرض الى قصف تركي متواصل، او الى عوائل ونساء يتعرضون لابتزاز كبير ومؤلم، ويتحدثون عن معاناتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، او ليشمل المدارس واعضاء الهيئات التعليمية الذين يتعرضون لاعتداءات متكررة من اولياء امور الطلاب الذين يفشل ابنائهم في امتحاناتهم، ان هذه الامور لم تحظ بنفس المستوى من الاهتمام من قبل الحكومة العراقية.
وحول موضوع القصف، فان السيد رئيس الوزراء صرح انه امر بتشكيل لجنة تحقيقية فورية لتقصي ملابسات الحالة. واذا ما تركنا جانبا الحديث عن اللجان الكثيرة التي شكلها السيد الكاظمي ومن سبقه بخصوص مواضيع كثيرة شملت اغتيالات وقضايا فساد واعتداءات على ابرياء ومتظاهرين وحرائق متعمدة، والتي لم ينتج عنها اي شيء، فان هذه القضية بالذات لا تحتاج اصلا الى لجنة تحقيقية. فالجاني قد اعترف علنا ورسميا بفعله وزاد على ذلك بان اكد انه سيكرره في مناطق اخرى من العراق. فما هو الهدف من تشكيل هكذا لجنة، هل هو (لمعرفة نوع الصواريخ التي إستُخدِمت) كما صرح احد مستشاري رئيس الوزراء؟ على اساس ان معرفة نوع الصاروخ سيوقف اي عدوان مستقبلي، ام ان الهدف هو (للبحث عن ما يثبت ان الدار مؤجرة لجهة اسرائيلية؟) كما صرح اخر، على اساس ان الموساد او اي جهة اسرائيلة اخرى، هي من السذاجة بحيث انها ستوثق مثل هذا الامر.
في عرف العلاقات الدولية ان الدول التي تتعرض الى عدوان من هذا النوع على اراضيها، تتخذ اجراءات طبيعية ومتعارف عليها، تبدأ من الرد بالمثل او الشكوى في مجلس الامن، او قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة المعتدية ومطالبتها بتعويضات كبيرة عن الاضرار التي احدثها عدوانها. لكن ما حصل في العراق هو غير ذلك. السيد رئيس الوزراء طالب (الدولة الجارة [ايران] ان تتحقق من الامر قبل القيام بهكذا اعمال)، بمعنى اخر اذا قالت ايران انها متاكدة من ان الهدف هو مقر للموساد الاسرائيلي فان الحاجة للتحقيق او المطالبة بالاعتذار او التعويض تنتفي. وزراة الخارجية العراقية من جانبها قالت انها استدعت السفير الايراني للاحتجاج، ولا ندري ما هو نوع الاحتجاج، وماهي النبرة التي تكلمت بها الخارجية مع السفير الايراني، الذي نقل عنه اكثر من خبر عن تعنيفه لمسؤولين عراقيين، ثم رد السفير في مؤتمر صحفي علني قال فيه (ان ما جرى هو ليس خرقا لسيادة العراق!). ولم يبق سوى ان يقول ان ما حدث هو شان ايراني داخلي، كما صرح احد قادة الحرس الثوري.
رد فعل حكومة الاقليم لم يختلف ولم يخرج عن اطار الاستنكار وتكذيب الادعاء بان المقر المقصوف كان مركزا اسرائيليا، مطالبا بلجنة تحقيق دولية! وذهب اكثر مؤيدي حكومة الاقليم الى حد تكذيب وتسفيه مسالة التواجد الاسرائيلي في المناطق الكردية العراقية بشكل كامل.
ومع كل الالم الذي يعتصر القلب عند الحديث عن الموضوع المتعلق بالوجود الاسرائيلي في منطقة كردستان العراق بالذات، ومع كل الشواهد التي تثبت تمسك غالبية الشعب الكردي، ومنذ القدم، بدينهم الاسلامي الحنيف ورفضهم للاحتلال الصهيوني لفلسطين، ومشاركتهم في الدفاع عن القدس الشريف، وخير دليل على ذلك القائد صلاح الدين الايوبي ومقبرة جنين لشهداء الجيش العراقي في فلسطين، والتي تحتوي على جثامين الشهداء من الاكراد الى جانب العرب الذين دفعوا حياتهم دفاعا عنه، فانه يمكن القول ان حقيقة الوجود الاسرائيلي وفي كل العراق منذ عام 2003، لم تعد خافية على احد. وان اسرائيل تحدثت واعترفت وتبجحت بنفسها اكثر من مرة، وعلى كافة المستويات، (رؤوساء وزراء ووزراء وضباط موساد وصحفيين ووكالات انباء وغيرهم)، بهذه العلاقات القوية مع الاحزاب الكردية الرئيسية ومنظمات مدنية اخرى، وبالتالي لم يعد هذا الامر سرا. وان الروابط مع اسرائيل قد توثقت مع قيادات كردية منذ عام 1962، وان من بدا ومهد لهذه العلاقة، وعكس ما هو مشاع، لم يكن المرحوم ملا مصطفى البرزاني، وانما المرحومين جلال الطالباني و ابراهيم احمد (والد زوجته)، عندما كان الاخير سكرتير عام الحزب الديمقراطي الكردستاني والاول عضو مكتبه السياسي. وان الملا مصطفى بعد ان طردهما من الحزب عام 1964 وثق العلاقة وتوجها بزياراته المعروفة لتل ابيب، والتي نشرت تفاصيلها وتم كشفها في اكثر من مكان وعلى لسان اكثر من مصدر كردي، ولعل الدكتور محمود عثمان كان اكثرهم صراحة وجرأة عندما وثق الامر بكتاباته وبالصور منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي. واستمرت العلاقة على الرغم من ان اسرائيل خذلتهم مع شاه ايران في عام 1975. وتواطأت مع تركيا ضدهم وساهمت مساهمة فعالة في اختطاف القائد الكردي عبد الله اوجلان. واليوم لو اقدمت اية حكومة عراقية على الاعتراف بالدولة اليهودية واقامت علاقات دبلوماسية علنية معها فان اسرائيل ستتخلى عن الاحزاب الكردية العراقية ولن تتردد في التعاون مع هكذا حكومة ضد مصالح الشعب الكردي.
والسوال المهم هنا ومع وجود هذه الحقائق عن تلك العلاقة هل قام رئيس حكومة عراقية بمناقشة هذا الموضوع مع القيادات الكردية وطلب منها ان تقطعها؟ او هل تم اتخاذ اجراءات من اجل انهاء اي تواجد إسرائيلي على الاراضي العراقية؟ الجواب كلا. والسبب هو ليس العجز عن فعل ذلك فقط، وانما ايضا لاعتقاد بعض الاطراف بان مثل هذه العلاقة مفيدة لهم، وان اغلب اطراف المعارضة التي كانت متواجدة في الخارج قبل 2003، والتي تتبوأ مراكز قيادية في عراق اليوم، الزموا انفسهم بخدمة المشروع والاحتلال الصهيوني منذ ذلك التاريخ، اسف الى ذلك ان الولايات المتحدة الامريكية فرضت هذا الوجود فرضا في العراق بعد الاحتلال، والتواجد المخابراتي الاسرائيلي يتخذ من السفارة الامريكية في بغداد مركزا ومقرا له، حتى وصل الامر، كما صرح رئيس برلمان عراقي سابق، ان قامت السفارة الامريكية برفع العلم الاسرائيلي على واجهة بنايتها بطريقة استفزازية في مرة من المرات.
ان معالجة هذا الخطر المهدد للامن القومي العربي والكردي يجب ان بكون من خلال اولا توضيح هذا الخطر، وهذا امر ليس بالسهل وسط موجات التهافت للاعتراف باسرائيل. ثم الاكثار من الكتابات التي تفضح كيف ان اسرائيل، شانها شان الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي وايران وتركيا، قد اضرت بمصالح الشعب الكردي، وتخلت عنه بعد سلسلة تحريضات وفي اكثر من مناسبة، والاهم هو ان يدرك الشعب الكردي نفسه ويقتنع ان حضن العراق هو الادفأ وان مشاعر ابناءه تجاههم هي الاصدق وان قلبه هو الارحب لهم، وان امنهم وامانهم ورفاهيتهم ومستقبلهم المضمون هو مع عراق يستغل ثرواته بصورة صحيحة وبدون فساد، عراق قوي موحد يحكمه القانون، عراق ديمقراطي حقيقي تُحتَرم فيه حقوق المواطنين كافة وبدون تمييز. وان الاعتماد على الاطراف الخارجية لن يجلب لهم سوى الخيبات والكوارث، والتاريخ القريب والبعيد مليء بالاحداث والتجارب والمآسي، وخاصة تجربة عام 1975 في العراق وما يجري الان في اوكرانيا كدليل على دفع الاطراف الخارجية للشعوب الى الحروب والتخلي عنهم، فهل من متعظ؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

766 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع