د.سعد العبيدي
نظرة الى مشهد التطرف الديني الاسلامي الشائع في الوقت الراهن، تكفي لتفسير دوافعه عند المقاتلين والارهابيين في السوح التي أنتشرت واتسعت في الوطن العربي والاسلامي أخيرا.
وعند الحكام المسلمين المتطرفين اللذين أقتنصوا الفرص الناتجة عن الاضطرابات التي أكتسحت المنطقة في ربيع عربي مقصود... تفسير يتأسس على بعض معطيات علم النفس التحليلي، قوامه خوف شديد من حساب الآخرة، مبني على عدم الثقة بالنفس في تصرفاتها الدنيوية، أي أن الخائف خوفا شديدا من حساب الآخرة، يعتقد باحتمالات عدم الحصول على الجنة، وربما باحتمالات الذهاب الى النار، على الرغم من أداءه الفرائض الدينية بالشكل المطلوب.
لهذا السبب يتجه لا شعوريا الى الزيادة في شدة الاداء الديني الطقوسي، وعندما لا يطمئن تماما بسبب القلق الموجود أصلا في نفسه، يبدأ في زيادة الشدة من جديد حد المغالاة في التفكير والاداء. وهكذا تراه اليوم لا يشاهد التلفاز، وغدا يمنع عائلته من المشاهدة، وبعد غد يمسك سيفه مهددا من لا يطلق لحيته، ومن لايحضر الصلاة، ومن يشاهد التلفاز بالقصاص، قطعا للرقبة بالسيف الاسلامي.
انه خوف مرضي من يوم الحساب يمكن أن تزداد شدته عند البعض من الشباب المتدين فيختاروا تفجير أنفسهم كقنابل بشرية في أهداف يعتقدونها كافرة أو تابعة للكفار، على أمل الحصول على ثواب كاف الى دخول الجنة سريعا دونما تأخير.
كأن الموت بهذه الطريقة، وبهذه السرعة هو الضامن الوحيد لحصولهم على الجنة.
وكأنهم لا يقدرون على تحمل الانتظار تحت وقع الخوف الشديد من احتمالات عدم الحصول على الجنة.
ان الخوف المرضي من الحياة الآخرة أو من يوم الحساب لدى المتدين المتطرف في سوح القتال والارهاب، موجود كذلك عند الحاكم المتدين المتطرف، فتراه وعند استلامه السلطة مباشرة يستعجل تطبيق مفردات الشريعة الاسلامية، كما طبقت قبل ألف وخمسمائة عام في الجزيرة العربية، ويزيد عليها من عنده في بعض الاحيان.
لا يكتفي بعناصر الشريعة الرئيسية التي تنسجم وظروف العيش الحاضرة.
لا يقتنع بما يلائم الحياة المعاصرة.
يبدأ بتغيير الاسس التي درج عليها المجتمع لمئات السنين تماشيا مع مدنية الدولة.
يغير بنظريات التعلم الحديثة.
يدحض مبادئ التربية القويمة.
يقضي وقتا في تقديم النصح والارشاد أكثر من الوقت المفروض تقديمه للاصلاح.
يختار المتطرفين اللذين يفكرون مثل تفكيره، يضعهم في المفاصل المهمة للدولة، ليطبقوا آراءه وافكاره ومبادئه في التغيير السريع، معتقدا مع نفسه أنه ظل الله في أرضه.
انه في واقع الحال، يتسابق مع الزمن في مساعيه للتخلص من الخوف، ضمانا للجنة، لا يلتفت الى الاثار الجانبية التي يحدثها التغيير السريع في المجتمع الذي تعود وقعه لعشرات أو ومئات السنيين. كما حصل ويحصل في مصر التي قفز الى حكمها الاخوان المسلمين، عندما سارعوا في سنتهم الاولى الى تحريم الكثير من الامور التي أعتادت عليها مصر وعاشت عليها مثل بعض فروع الفنون والسياحة... منع وتغيير سريع في جوانبها ومسائل أخرى سارعت الى احداث اختلال سريع في علاقات المجتمع المصري مع الدولة، والانقلاب على الحكومة، بطريقة كونت اضطرابا في أمن هذا المجتمع الذي يشكل أكبر دولة عربية طالما نظر اليها العرب والمسلمين منارا يهتدون به في التحضر والانفتاح والقوة التي يحتاجونها للتوازن مع أعدائهم غير القليليين.
796 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع