هل كان ماركس محقا في قوله؟

                                                     

                            ضحى عبد الرحمن

هل كان ماركس محقا في قوله؟

بعض العبارات التي يتقول بها الفلاسفة والشعراء والسياسيين وأعلام بقية المعارف والفنون قد تتحول الى كلام مأثورة على مرٌ السنين، من منا لا يتذكر الكثير من هذه العبارات سواء كانت تعود الى المفطرين لعرب او الأجانب، جمل جميلة انطبعت في الذاكرة ولا ترغب بمافرقتها، كأنها نُحتت في جبل وليس في عقل. على سبيل المثال قول ملك الشمس الفرنسي لويس الرابع عشر(أنا الدولة والدولة أنا)، وقول الملكة ماري انطوانيت عندما قيل لها ان الشعب لا يجد الخبز ليومه، فقالت (ليأكلوا الكيك)! وقل عمر الفاروق " ليت بيننا وبين فارس جبل من نار". وقول جميل منسوب تارة لعلي بن أبي طالب وتارة لعمر الفاروق ولا أصل ولا سند تأريخي له وقد ورد بعدة صيغ منها " لوكان الفقر رجلا لقتلته".

ولعل اكثر جملة استوقفتني هي مقولة كارل ماركس " الدين أفيون الشعوب"، لأنها تتعلق بحياة العراقيين ما بعد عام 2003 اي الغزو الامريكي للعراق، حيث لعب المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني وبقية المراجع الشيعية وذيولهم من أهل السنة مثل مهدي الصميدعي، وخالد الملا، وأحمد الكبيسي وغيرهم جورا مهما في الوضع السياسي الراهن، وكان المرجع علي السيستاني في الصدارة، فكل رجال السياسية خرجوا من تحت عمامته من خلال تزكيته لهم منذ أول إنتخابات شهدها العراق في ظل الإحتلال الامريكي الغاشم.
واظن ان ماركس لم يقصد في عبارته الشهيرة الدين بحد ذاته، بقدر ما يعني رجال الدين، لأن الدين بريء من الشررو والآثام، بل هو ينهي عنهما، ويصب في مصلحة المجتمع، ولكن عندما يحشر رجال الدين انوفهم في السياسية والإقتصاد ويسيروا إدارة الدولة، هنا تظهر المشكلة، وعندما ينمارسوا دور الوصاية على الشعوب تتفاقم المشكلة، لا يوجد شعب غير راشد ويحتاج الى وصاية رجل دين، ولا يوجد طلسم في العلوم والمعارف لا يعرف حلٌه إلا رجل دين. فرجل الدين مكانه المسجد والكنيسة والمعبد والصومعه والخانقاه ويقية أماكن العبادة.
ولو رجعنا الى تأريخ القياصرة لوجدنا ان لرجال الدور دور مهم في السياسة والتأثير على الرأي العام، وكانوا يخدروا شعوبهم بأفيون الطاعة للقياصرة، على إعتبار انهم حماة الدين وظل الله في الأرض، وبدأت حملة فكرية وتنويرية قادها كبار الكتاب الروس لإيقاظ شعبهم وإنهاء نفوذ رجال الدين، ومنها مكسيم غوركي الذي ذاع كتابه (أين الله) وهو يبين الدور السيء لرجال الدين وفساد القساوسة والفساد الذي كان يجري داخل الكنائس نفسها، مع انه كان ينقد رجال الدين وليس الدين نفسه. وهذا ما حصل في الثورة الفرنسية التي أججها كبار المفكرين مثل جان جاك روسو، وروبسبير وفولتير ومونتسكيو ودنيس ديدرو وغيرهم.
في منطقتنا العربية لاحظ مثلا ان تدمير المنطقة جاء بعد ان حظ رجل الدين الخميني قدمه في طهران قادما من دولة الإستكبار العالمي فرنسا، وهو بحق منبع التخلف والإرهاب، وتفرع منه في لبنان قائد الفوضى والإضراب رجل الدين حسن نصر الله، وفي اليمن رجل الدين الحوثي، وفي غزة الإسلامي إسماعيل هنية، وفي العراق ذيول الولي الفقية وعلى رأسهم علي السيتاني.
ان حشر رجل الدين أنفه في السياسة يبقى أمامه خياران لا غيرهما، اما ينزع العمامة ويلبس القبعة ويدخل ميدان السياسية، او يحتفظ بعمامته في مكان العبادة ويتجنب السياسة، ولا يجوز له ان يجمع الحالين، لا هو لدينه ولا هو لدنياه.
لا مناص ان الخروج من جلجاب رجال الدين وابعادهم عن إدارة الدولة، وعدم السماح لهم بإدخال انوفهم المزكومة في شؤون الدولة تعتبر الخطوة الأولى نحو التحرر، والنهوض، والتقدم، صحيح إننا تخلفنا عن عصر التنوير اكثر من قرنين، ولكن يبقى الأمل أمامنا مفتوحا، ليس المهم ان تعثر، بل ان تنهض وتعاود المسير قدما.
ضحى عبد الرحمن
العراق المحتل
آذار 2022

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1343 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع