د.أسعد شريف الامارة*
شيء من التحليل النفسي" اللاشعور – اللاوعي"Unconscious
يقول "جاك لاكان"
اللاشعور "اللاوعي" مركب كتركيب اللغة.
إنها القنبلة التي دوت في العالم وأثارت الدهشة والذهول والسخرية أيضًا كما يقول "بيير داكو" وسمي حينها أن ثمة دخول في سيريالية النفس، في عالم مشوه، لا يُدرك، ويطرح مؤسس التحليل النفسي العملاق "سيجموند فرويد" هذا الاكتشاف الرهيب، انه ملأ الخوف نفوس الناس ويقول العلامة الدكتور" حسين عبد القادر" لاشك أن من أهم ما يميز نظرية التحليل النفسي كونها نظرية في اللاشعور- اللاوعي، وقوله أيضا أن "سيجموند فرويد" فرق من الناحية الطوبوغرافيه بين القبشعور والذي يسهل استدعاؤه واللاشعور المتصل بعالم المكبوت. وتؤكد الكتابات أنذاك عن ما أكتشفه فرويد أخذ الناس يتفحصون أنفسهم وهم يسخرون ويضحكون من أنفسهم وعلى أنفسهم، كيف تجرأ "فرويد" أن يوجه إلى العالم مثل هذه الصفعات، ويضيف "داكو" ألم يجرؤ على أن يزعم بأن كنه الإنسان محيط مترامي الأطراف، زاخر بالمغارات اللاشعورية، وأن الجزء العاقل الشعوري شيء زهيد إذا ما قورن بهذا المحيط. عالم واسع ورحب لم يراه الإنسان أو يألفه في تلك الحقبة من حقب ظهور التحليل النفسي فأختلط الامر بين من يدرس الطب والإنسان والأدب والشعر والقصة والرواية والفنون بمختلف أشكالها، ونقلنا "سيجموند فرويد" إلى شيء أسماه الحقيقة المجهولة، ويقول أيضا في كتابه تفسير الأحلام فنحن إذ نتحدث على هذا النحو عن لاشعور يحاول الانتقال إلى ما قبل الشعور بحيث يتمكن بعد ذلك من النفاذ إلى الشعور.
إن عالم اللاشعور هو عالم عميق جدًا ويقول "فرويد" في كتابه ما فوق مبدأ اللذة التحليل النفسي يقوم على حقيقة وقفنا عليها أثناء البحث في العمليات اللاشعورية هي أن الشعور لا يمكن أن يكون أهم خاصة للعمليات النفسية، بل هو وظيفة لها، ويضيف في كتاب تفسير الاحلام صحيح أن الطبيب لا يستطيع أن يعلم شيئًا عن هذه العمليات اللاشعورية حتى تحدث أثرًا في الشعور، وأن الأثر الشعوري ليس إلا نتيجة نفسية بعيدة للعملية اللاشعورية" اللاواعية". ويضيف"فرويد" فاللاشعور "اللاوعي" هو المنطقة الأوسع التي تضم بين جوانبها منطقة الشعور الأضيق نطاقًا، فكل ما هو شعوري له مرحلة تمهيدية لاشعورية "لاواعية"، بينما قد يظل اللاشعوري "اللاواعي" على هذه المرحلة ولا يفقد مع ذلك حقه في أن نسلم له بكل قيمة العملية النفسية، فاللاشعور"اللاوعي" هو الواقع النفسي الحقيقي وهو في طبيعته الباطنة مجهول منا، نجهله قدر جهلنا بحقيقة العالم الخارجي، كما أنه لا يمثل لنا بوساطة معطيات الشعور إلا مثولا ناقصًا على نحو ما يمثل العالم الخارجي بوساطة وسائل أعضائنا الحسية"فرويد، تفسير الاحلام، ص 594". ويضيف "فرويد" أن اللاشعور وظيفة خاصة بناظمين مستقلين وأن الامر كذلك في الحياة السوية والمرضية على السواء.
وما يتميز به اللاشعور"اللاوعي" أن له (لغة) ، والحقيقة أن اللاشعور"اللاوعي" لغة والحلم نص يقرأ النص الظاهر، يحيلنا إلى النص الكامن عبر أفكار الحلم نفسها فهو بمثابة لغز لتركيبة صورية مترابطة فيما بينها بمعان وصور مختلفة من حيث أن التنسيق لا يأتي على سبيل الصدفة، وازاء ذلك يقول "مصطفى زيور" إنه لا وجود لحرف النفي (لا) في النشاط اللاشعوري"اللاواعي" كما أن هذا النشاط لازماني، وقوله بعبارة أخرى فإن الإنسان فيما يبدو لنا منه لا ينطبق على نفسه، فهو ما ليس هو، وهو ليس ماهو" إذا صحت استعارة هذه الصياغة الوجودية".
حينما نقول أن اللاشعور"اللاوعي" له لغة ومفردات وحروف تتجمع قد لا تعطي معنًا أو دلالة ولكن ما تعلمناه في التحليل النفسي أن كل ما يصدر عن الإنسان من سلوك له دلالة ومعنى وإن غاب عن التفسير، جاء المحلل النفسي الفرنسي "جاك لاكان" بطروحات غيرت مسارات التحليل النفسي التقليدي أو ما تعارف عليه المشتغلين به، حيث يرى أن اللاشعور مبني كاللغة، فميكانيزمات اللاشعور من الممكن أن تعبر عن نفسها في عملية لغوية وبلاغية" مثلها مثل اللغة" ويرى "لاكان" أيضا أن اللاشعور يعمل بوصفه لغة مبنية Language Structure ويضيف يظل اللاشعور لغة خفية غير معروفة ، وأن اللاشعور هي لغة الآخر، مستندًا في ذلك على حقيقة أن خطابنا اللغوي يأتي من الآخر، وخطاب الذات يبدأ من خطاب الآخر.
أين يقف كل منا نحن الأسوياء من عالم اللاشعور؟ أليست آليات "حيل - ميكانيزمات" الدفاع التي نستخدمها هي صلب اللاشعور وعمقه نلجأ إليها لنبعد أنفسنا عن متاهة الغور في المكبوتات أو ما يبعدنا عن الهاوية؟ رغم أن المقولة الفلسفية النفسية التي ترى ما يلي: لاسيما إن الإنسان فيما يبدو لنا منه لا ينطبق على نفسه، فهو ليس هو، وهو ليس ما هو لنؤكدها كما عرضها لنا "مصطفى زيور" ، وعلى هذا الأساس فإن" جان بالمبي" يرى في بعض ادبيات التحليل النفسي أن اللاشعور"اللاوعي" مبني مثل اللغة وهو الذي استمد هذه الفكرة من جاك لاكان، وهو ما عمقه "جاك لاكان" في رؤيته النظرية، وكما أكده التحليل النفسي من خلال ميكانيزمات الدفاع اللاشعورية "اللاواعية" خلال عمليات لسانية وصيغ بلاغية تكون البوادر الأولى للعرض العصابي، وهنا نعود لتساؤلنا أين يقف كل منا نحن الأسوياء من عالم اللاشعور؟ يرى "العلامة الدكتور حسين عبد القادر" إن اللاشعور مضمون لغوي وبنية" نمط يحق علينا أن نعرف رسم حروفه وقواعد نحوه كما ورد في محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي لفرويد ويضيف " حسين عبد القادر" وهو جهد قام به "جاك لاكان" عندما قام بإعادة بناء التحليل النفسي من خلال منظور بنيوي فبين كيف يتكلم اللاشعور بما هو لغة وبنية فيؤدي فهمها الحق إلى فهم الإنسان.
ان ما يثير الانتباه أن جاك لاكان عَدَ اللاشعور" اللاوعي" بأنه تراكم الخصائص النسبية، فبقدر ما يتعلق الأمر بتقديم اللاشعور" اللاوعي" من خلال ماهو، يتعلق بتقديمه من خلال ما ليس هو. ولعل بلاغة اللاشعور"اللاوعي" التي قدمها لنا "لاكان" والتأويلات التي قام بها للميكانيزمات"الحيل الدفاعية" انطلاقًا من فكرة " الدال – مدلول" كانت ستظل مستحيلة لولا إسهام اللسانيات الحديثة الخصب جدًا، أما أن يظل اللاشعور"اللاوعي" لسانًا مُغلقًا مجهولا مع ذلك، وأما أن يكون حضور المحلل ضروريًا لفك رموزه، فذاك نتيجة لما يقوله لنا "لاكان" عندما يؤكد أن اللاشعور"اللاوعي" هو خطاب الآخر. ويقول العلامة"مصطفى صفوان" الهدف من أسلوب "جاك لاكان" أنه يجعل الذين يوجه إليهم الكلام يشعرون بواقع اللاشعور، من هنا استخدم في كلامه كل حيل اللاشعور، ويضيف "صفوان" ايضا غرض "لاكان" الكلام عن اللاشعور بلغة اللاشعور. ولديه أيضا أن اللاشعور "اللاوعي" مركب كتركيب اللغة. ويقول "ليدر و جروفز" ان اللاشعورعند "لاكان" بنيوي مثل اللغة، أعني أنه مؤسس من سلسلة حلقات من العناصر ذات الدلالة، ويبقى قولنا في الأخير أن الشرح يقتل الفكرة، ويقول كاتب آخر يمكنك أن تدرك أمر ما ولكن تخطا في تفسيره، أو لا تجيد شرحه. ونورد في هذه الموضعه عن الشاعر "فاليري برايسوف" حينما كتب قصيدة ولكنه لم يفهمها، فطلب من صديقه الناقد خوداسيفيتش شرح ما يقصده ومعنى شعره الذي كتبه هو!! وهذا يقودنا إلى لغة اللاشعور على نحو ما، ويسعفنا "جاك لاكان" في كتابه العميق "الذهانات" قوله: إن الهذيان لا يفقد بالضرورة علاقته بالخطاب العادي ص103.
* استاذ في علم النفس
2568 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع