مقاولو تهديم العراق

                                                  

                        ولاء سعيد السامرائي

مقاولو تهديم العراق

في السنوات الأخيرة، تظهر الخلافات بين اشرار العملية السياسية انها تتعلق حصريا بالمغانم من مليارات المال العراقي العام وثرواته ومن يكون الأكثر تبعية وانصياعا وتنفيذا للأوامر التي تأتي من وراء الحدود. وقبل ذلك بعدة سنوات، كانت المهاترات سرعان ما تختفي حال مجيء المسؤول الأمريكي او قاسم سليماني جنرال الحرس الإيراني المغتال ليضعوا حدا لما يجري . ويبدو ان هذا الوضع كان مريحا ومناسبا للجميع اذ لا يكلف أي واحد منهم سوى ان يكون منفذا لدور مرسوم له لا يتم تخطيه في أي حال من الأحوال في مقابل مليارات من الدولارات وليس ملايين. ليس ذلك فحسب بل يضاف الى ذلك جرائم القتل والتهجير والحبس ووضع اليد على الأملاك العامة والخاصة والتحكم بميزانية الدولة وثروات العراق بشكل شخصي دون وازع ولا حدود للقانون "ولدولة العدل المهدوية" التي يتغنون في المناسبات بتأسيسها. لم تكن الخلافات كثيرة ولا يمكنها ان تندلع بوجود قاسم سليماني او بهرولة المندوب الأمريكي المتواجدان باستمرار على ارض العراق لإعادة المياه الى مجاريها بين اتباعهم. اما اليوم، ليس للجنرال الجديد قآآني سطوه سلفه الصارمة على مجمع الولائيين ولم تعد الولايات المتحدة ترسل مبعوثيها بجولات منتظمة للعراق كما السابق ليبقى تدخل السفير الأمريكي هو الفيصل لدى أحزاب العملية السياسية.

لقد قالت العرب قولا مأثورا وهو " ان ابتليتم بالمعاص فاستتروا " لكن هؤلاء المقاولين وبدل من تجميل صورتهم السيئة امام العراقيين وعدم الظهور بمظهر الأشرار ومختلسي المال العام وتدمير الدولة وتخريب المجتمع، يتفاخرون ويتكلمون بزهو عن الأدوار التي كلفوا بها من المحتلين. فقد صرح محمود المشهداني رئيس البرلمان السابق ضاحكا عبر احدى القنوات التلفزيونية: نحن مقاولو تهديم. ولم يتردد بالقول انه كان يتحايل في إدارة الجلسات البرلمانية، يعلقها او ينهيها حسب متطلبات كتلته الطائفية في عدم تمرير بعض القرارات او عدم الرغبة في التصويت عليها وهو بالضبط ما قام به قبل أسابيع في الجلسة الأولى للبرلمان لانتخاب رئيسه عقب الانتخابات الأخيرة، اذ بعد استلامه لمكالمة هاتفية قام بتمثيلية مفضوحة "اصابته بوعكة صحية" وذلك لمنع انتخاب رئيس وزراء من الكتلة الصدرية الفائزة، نقل على إثرها الى المستشفى وظهر بعدها مبتهجا بفعلته بصحبة نوري المالكي وهادي العامري!
اما الكتلة الصدرية الفائزة بالانتخابات الأخيرة التي كرر فيها مقتدى الصدر منهج حكومة "الأغلبية الوطنية" التي يزمع تشكيلها مدعيا انها لن تكون "لا شرقية ولا غربية" وأنها هي وليس غيرها ستكون حكومة الإصلاح وانهاء الفساد، لكن الصدر وبعد بضعة أيام غرد تغريدات يتكلم فيها عن الطائفة وضرورة وحدتها ويحذر من شماته الآخرين بهم! وبعيدا عن هذا الشعار "الفنطازي" "لا شرقية ولا غربية "، عقدت مجموعة من الكتلة الصدرية تتكون من حاكم الزاملي المنتخب نائبا أولا لرئيس مجلس النواب والنائب حسن العذاري رئيس الكتلة الصدرية في البرلمان والنائب حسن الكعبي مؤتمرا صحفيا في مقر مقتدى الصدر في الحنانة لإعلان تشكيل "غرفة عمل" بلجان تخصصية للنظر في ملفات الفساد في عدد من الوزارات بغية الحفاظ على المال العام ومصالح الشعب!
قدم التيار الصدري برنامجه للحكومة التي يريد تشكيلها والتي بدت وبشكل هزلي تمثيلية معادة ومكررة لا تحترم مشاعر ومعاناة الشعب العراقي لأنها مشهد سبق لهم ان شاهدوه مع الحكومات السابقة مثل حكومة العبادي التي ارادت ان تضرب الفساد بيد من حديد وفشلت في اتخاذ أي اجراء مهما كان بسيطا بحق المفسدين، تبعتها حكومة عادل عبد المهدي الذي جاء للبرلمان يحمل أربعين ملفا للفساد قال انه سيتصدى لها فوضعها في جرار مكتبه ليتفرغ لقتل المتظاهرين السلميين المطالبين بمحاربة الفساد.
ان عقد ثلاثي التيار الصدري مؤتمرا لإعلان محاربة الفساد هو فضيحة مجلجلة لأنه اعتراف إضافي بأنهم ليسوا مع الإصلاح ولا ضد الفساد، ليسوا غالبية وطنية ويكذبون بقولهم لا شرقية ولا غربية، وانهم مقاول تهديم مثلهم مثل الأحزاب الأخرى. لأنهم لو كانوا صادقين وبدل اجترار الكلام عن الفساد منذ سنوات لتصدوا بسهولة أولا لمن اعترف بسرقته للملايين من المال العام وطلبوا من المحاكم التحقيق معه واستراد ما تمت سرقته، لتصدوا للمصارف الكثيرة التي هي دكاكين لأشخاص وميليشيات لتبيض الأموال، لتصدوا لتزوير ما يسمى بالدولار البلوري الذي تدخله دولة جاره لسرقة ميزانية العراق، ولو كانوا صادقين ومهتمين بأوضاع العراقيين فأن اول ما يقومون به هو إعادة الخدمات الأساسية واولها الكهرباء أسيرة إيران.
ما يسمى اليوم في العراق "بالأزمة المالية" والحديث الواسع حول سعر صرف الدولار وتضرر العراقيين منه وافتعال قضية استجواب وزير المالية ليس الا مشكلة حزبية بين طرفين أحدهما التيار الصدري ولأسباب مالية تم الكشف عنها من قبل العارفين بكواليس الصراعات الداخلية. اذ وقبل ان يشكل التيار الحكومة بدأ اتباع الصدر بالتحرك لنسخ الأحزاب الأخرى في تأسيس مصارف خاصة بهم تقوم بما يعرف العراقيون اليوم انها لنهب ثروات العراق وميزانيته وتبيض الأموال العراقية لصالح احدى الدول وقد تم رفض طلبهم.
مع تسويق موضوع الفساد من جديد للحكومة القادمة يتعزز اليقين بأن هذا الموضوع هو "الكذبة" التي اختارتها شركات العلاقات العامة للاحتلال ووكيله الإيراني لتسويق حكومات مقاولو الهدم وان أحزاب العملية السياسية يرددون ما يطلب منهم بالحرف. الأكثر من ذلك فأن هذه الأحزاب واشخاصها لم يعودوا يهتموا بما يقال عنهم ولا عن العملية السياسية اذ ان كل ما يهمهم هو الغنيمة الجديدة في كل حكومة تتشكل ولأنهم اليوم يتهمون بعضهم البعض ويفضح أحدهم الاخر بالملايين والمليارات التي يجنونها من المال العام والتصرف به.
لقد تفوق وكلاء التهديم في العراق بكل الوانهم وراياتهم الكاذبة على امثالهم في التاريخ القديم والحديث سواء في العراق ومنطقتنا او لدى الأمم الأخرى ومن يتابع ما يجري منذ ثمانية عشر عاما على ايدي هؤلاء الأشرار يصدم لمدى الأذى والتخريب والتدمير الذي لحق بالعراق وشعبه. هؤلاء تفننوا في الشر وبيع كل شيء في سوق المضاربات. لقد أدرك الشعب العراقي الذي قاطع الانتخابات الأخيرة وقبلها لعبة العملية السياسية الخبيثة التي تسوق الفاسدين عبر موضوع الفساد وبدأ بالتظاهر منذ عام 2011 ليكمل تحركه في ثورة تشرين التي أوقف زخمها انتشار كورونا في العالم، لكن أسباب الثورة ما تزال قائمة بل انها تتفاقم بسبب زيادة قهر وقمع العراقيين ومزيد من تدمير العراق وبيعه. ومثلما خرج ثوار تشرين في 2019 وهم يرفعون شعار نريد وطن، سيعود أبناء شعبنا المظلوم ليرفع راية نريد وطن من جديد وقد تهيأ لها أبناء العراق في موجة جديدة لن تكون هذه المرة الا موجة قاصمة للمنطقة الخضراء وسكانها الذين طغوا وأسرفوا في الطغيان، لقد كان العراق على مر الزمان قلعة الأسود وكانت صفحة تشرين مشاهد لهذه المقولة التي عشناها وعاش معها العالم، وهي عائدة لا محالة.
ولاء سعيد السامرائي
24/2/2022

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1360 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع