المحامي المستشار
محي الدين محمد يونس
متحرش في ورطة
في سبعينيات القرن الماضي كنت اسكن إحدى المحلات الشعبية في محافظة أربيل ويجاورني السكن جار ظريف وطيب القلب وفي غاية البساطة وأب لخمسة بنات وولدين أثنين وكان شديد الاهتمام بهم ورعايتهم وتأمين مستقبلهم وخاصة بناته الخمسة اللاتي كان قلقاً عليهن وكثير الدعاء من الله سبحانه وتعالى أن يحفظهن ويسترهن في هذا الزمن السيئ والذي لم يكن يدري بانه سيصبح أكثر سوءً.
كان هناك شاب ذو مظهر رياضي وعضلات مفتولة ويمتلك سيارة صغيرة قديمة من نوع أوبل موديلها 1954 متهالكة من الداخل ومن الخارج وكان هذا الشاب يتابع يومياً إحدى بنات جاري عند خروجها من المدرسة وكانت الفتاة جميلة وفي عمر المراهقة حيث كانت تسير راجلة على الرصيف وكان يتابعها بسيارته في الشارع سيراً بطيئاً يتلائم مع سير الفتاة وهي متجهة نحو مسكنها الذي لم يكن بعيداً عن المدرسة وكانا يتبادلان النظرات والابتسامات لحين وصولهما إلى بداية الزقاق الذي تسكنه العائلة وتختتم الجولة بإشارات الوداع مصحوبة بابتسامة. والمفاجئة كانت عند وصول الاثنين في أحد الأيام إلى الزقاق وكان والد البنت واقفاً عند باب داره ولفت انتباهه أن شاب يتعقب أبنته فتقدم منها مستفسراً عن الحالة التي يراها وهنا كانت الفتاة في موقف محرج لا تدري كيف تخرج منه وبأي مبرر تخبر والدها الغاضب فما كان منها وفي سبيل أن تنقذ نفسها من العاقبة وغضب الوالد في تلك اللحظة فأجابته:
والدي (أن هذا الشاب على هذه الحالة حيث يتعقبني كل يوم عند خروجي من المدرسة).
فما كان من الأب إلا أن يصرخ بأعلى صوته وهو ينادي على الشاب: قف في مكانك لا تتحرك وأتجه مسرعاً صوبه وعندما صار في مواجهته وكان الشاب قد أوقف سيارته وترجل منها وهو يخاطب والد الفتاة:
" ها عمي شتريد"؟؟
فأجابه بعصبية: آني شريد لو أنت شتريد من بنتي مطاردها ومعقبها يومية، أنت ما تستحي تريد بهاي السيارة المچرقعة تقنع بنات العالم.
أجابه الشاب: شسوي عمي والله ما عندي غير هاذي السيارة.
وكانت الفتاة واقفة عند باب الدار وهي مستغرقة في الضحك من منظر هذا الشاب المعجب بها وحاله بعد أن وقع في هذا الكمين لينال جزاء شر أعماله. أما والد الفتاة فقد صرخ به قائلاً: يلا أمشي لا توگف وإذا عقبتها مرة ثانية آني أعرف شراح أسوي بيك.
رد علية الشاب المعجب: زين عمي خلف الله عليك مع السلامة!.
وصعد سيارته وترك المكان وهو يجر أذيال الخيبة وحمد الله على هذه النهاية السلمية والتي انتهت بخسائر معنوية دون خسائر مادية، فقد كان يعتقد ان والد الفتاة الغاضب المتوجه نحوه وهو بهذه الحالة من الانفعال والغضب سوف يستعمل كل أطرافه وبكل قوته لاسيما وأن الرجل كان بديناً لينال منه ويلقنه درساً في أصول التحرش وتعقب بنات الناس. استغلت الفتاة انشغال الوالد وانفعاله وما كان يدور بينه وبين الشاب وراحت تحرك يدها مؤشرة للأخير وهي تضحك مودعة إياه إلى لقاء يوم غد..
سيارة اوبل من الطراز القديم
الحكاية رواها لي الشاب بطل القصة قبل فترة عندما التقيته وقد غزا الشيب شعر رأسه وفعل الزمن فعله في تقاطيع وجهه وانقطعت أخباره عني منذ أكثر من ثلاثون عاماً وهو يعيد سرد فصول الحكاية ضاحكاً ويقول الآن وبعد أن هاجرت إلى ألمانيا وعدت وأنا أمتلك سيارة حديثة فاخرة ولكن ما الفائدة فقد أصبحت حالي كحال سيارتي القديمة السابقة أوبل لا أصلح لأي شيء وتعطلت معظم أعضاء البنا التحتية في جسدي ولا يشفع لي إلا أن أردد مع مطربنا الريفي المرحوم (داخل حسن) عندما غنى قصيدة الشاعر (أبو العتاهية):
فيا ليتَ الشبابَ يعودُ يوماً فأخبرهُ بما فعلَ المشيبُ
ومن المفارقات سوء الفهم بين شاعرنا الذي يتمنى عودة الشباب يوماً ما وهو في مرحلة الشيخوخة ولم يحدد هذه العودة لمرحلة الشباب بيوم واحد إلا أن مطربنا وعلى ضوء هذا الفهم الخاطئ لهذا البيت من القصيدة يطلب جعله يومين لكون اليوم الواحد غير كاف ليحكي لنا ويخبرنا عن نشاطاته المعلنة والخفية في مرحلة الشباب.
المطرب الريفي داخل حسن
الضجر دفعني لأكتب لكم هذه القصة وغايتي أن أنسى ما أنا فيه من حالة نفسية غير مستقرة وأن اعالج حال من هو بمثل حالي في هذا الزمن السيء الذي نمر فيه حيث حاضره الذي يتصف بالغلو في نمط سلطة الفساد والاستغلال وسوء توزيع الثروة الوطنية وانعدام العدالة في كافة أوجه الحياة ومستقبل مجهول لا يمكن التكهن بما يخفيه لنا من أنواع المخاطر المثيرة للتشاؤم وانعدام راحة البال واخيراً ندعو من الله العلي القدير ان يحفظ العراق وشعبه وان يغير حالنا الى أحسن حال ومن الله التوفيق.
2970 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع