فارس حامد عبد الكريم*
خيارات الدكتاتورية والديمقراطية
ترى الدكتاتورية ان نهضة الشعوب تتحقق بالقسوة والعنف وسحق المناوئين لها بلارحمة.
ومن قواعد اللعبة الدكتاتورية تآليه الحاكم صراحة أو ضمناً، ونشر صوره وتماثيله في كل زوايا الدولة، بإعتباره البطلالمنقذ محرر الشعوب والأوطان وباني مجد الأمة.
والدكتاتورية تنزل للساحة ابتداءاً بأسم الديمقراطية، ولكنها ديمقراطية مشبوهة ومحورة، بإستخدام تعابير مموهة مخادعة مثل الديمقراطية المركزية، الديمقراطية الشعبية، ديمقراطية نفذ ثم ناقش وغير ذلك من المزاعم الفارغة.
بينما ترى الديمقراطية ان نهضة الشعوب تتحقق بالإرادة الحرة الواعية وتطبيق القانون بعدالة وترحب بالمعارضة السياسية بكل حفاوة، وترى فيها شريكاً مناسباً في الصراع من أجل خدمة الوطن والمواطنين على أفضل الوجوه.
والديمقراطية هنا هي الديمقراطية بلا تمويه أو إحتيال.
و من أهم أسس الديمقراطية احترام القانون والنظام ومحاربة الفساد السياسي والإداري وترجيح كفة المعرفة على القوة والعنف.
والديمقراطيّة بهذا المعنَى هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية معيّنة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلمياً وبصورة دورية.
لحد هنا الكلام جميل، ولكنه كلاهما يحمل معنى الحقيقة والزيف في ذات الوقت!
كيف؟
الدكتاتورية صالحة لتعمير وطن جله من الجهلة والأميين والانتهازين والمنافقين والمشعوذين وذوي العقد النفسية والشعور بالنقص ومن لديهم هواية كتابة التقارير وكسر الرقاب.
ويصعب إسقاط الدكتاتورية من خلال العمل السياسي لانها تقمعه بلا رحمة، انما يحتاج اسقاطها ثورة شعبية عارمة اوتدخل خارجي وهو أضعف الإيمان.
بينما الديمقراطية صالحة لتعمير وطن جله من المثقفين الواعين الحريصين فعلاً على مصلحة بلدهم الواثقين من انفسهمالأصحاء عقلاً ونفساً ويحترمون القانون ذاتياً دون حاجة لرقيب.
وبالتالي فإن الديمقراطية تركز على الفرص المتاحة للناس للسيطرة على قادتهم والإطاحة بهم دون الحاجة إلى ثورة أوتدخل خارجي.
وخلاصة ما تقدم ان الدكتاتورية قد تقود الناس الى كره القانون ومخالفته في نهاية الأمر رغم العقوبات القاسية بينما الديمقراطية تقود الى حب القانون والنظام لأنه الطريق الامثل لتحقيق العدالة الإجتماعية.
ومن ذلك ما حدث في أحد المؤتمرات ذات الطبيعة القانونية الذي عقد في بلد عربي، حين تداخل في النقاشات احدالمشاركين قائلاً؛
اخي يعيش في السويد ومتزوج من سويدية ولديه منها بنت واحدة وكانت زوجته حامل، وكانوا يسكنون في قرية فيضواحي العاصمة وفي أحد الليالي حضرتها الولادة وكانت تصرخ بقوة، فما كان منها الا ان اسندها بصعوبة وأركبهاالسيارة واسرع الى المستشفى، ولأن اشارة المرور في تلك القرية كانت حمراء فقد تجاوزها لأن الشوارع في الليل فارغة من السيارات في ذلك الوقت من منتصف الليل، وقد تمت الولادة بخير وانجبت ولداً .. وعندما عادوا الى بيتهم مسرورين بسلامة الزوجة ... طرق شرطياً الباب في اليوم التالي!!!!
وعندما فتح الزوج الباب ابلغه الشرطي ان عليه غرامة لتجاوزه إشارة المرور ليلاً من يوم كذا من الساعة كذا!!!!
وعندما سألته زوجته؛ عمن طرق الباب؟
اجابها؛ لقد كان شرطياً ابلغني بوجود غرامة علي لأني تجاوزت اشارة المرور اثناء نقلك للمستشفى، ويبدو لي ان أحدالعجائز السويديات قد كانت تنظر من نافذتها وقتها ورأتنا وابلغت الشرطة.
اجابت الزوجة؛ لا انا من ابلغت الشرطة!
فذهل الزوج قائلاً؛ متى ولماذا؟
قالت الزوجة؛ في غرفة العمليات طلبت من الممرضة ان تتصل لي بالشرطة وابلغتهم بالمخالفة واعطيتهم اسمك والعنوان ورقم العجلة.
قال الزوج متفاجئاً؛ ولكني كنت افعل ذلك من أجلك وحرصاً عليك فكيف تفعلين ذلك؟
أجابت الزوجة؛ هذه السويد بناها اجدادنا وآبائنا بالقانون لا بالفوضى لتأتي انت من بلدك البعيد لتخرب نظام السويدمن أجل زوجتك أو انك مستعجل. ولو كل زوج خالف القانون من أجل زوجته الحامل لتحولت السويد الى فوضى عارمة،فلا تكرر ذلك.
اما ردود فعل بعض الحاضرين في المؤتمر فقد
سألوا المتحدث وهل طلق اخيك زوجته الناكرة للجميل ام مازال مستمراً معها.
اجاب؛ لديه منها بنت وولد، زعل منها لفترة ثم تناسى الموضوع ولكنه اضحى حريصاً على عدم مخالفة القانون خاصة عندما تكون معه.
وهذا، في الواقع، هو الفرق بين شعب يتمسك بالدكتاتورية وآخر يتمسك بالديمقراطية.
وفي كل الأحوال تبقى الديمقراطية كأفضل نظام سياسي للحكم أوجده البشر ولكن طريقها محفوف بالمخاطر، وخاصة الفساد في المجتمعات النامية والاحزاب المتطرفة التي تشارك في الحكم الديمقراطي ولكنها لاتؤمن بالديمقراطية علىالإطلاق، كما انها بحاجة الى وقت وتجارب متنوعة حتى تترسخ في عقل وضمير الشعب.
*استاذ جامعي - النائب الأسبق لرئيس هيئة النزاهة الإتحادية.
857 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع