إيران وملفاتها الإقليمية

                                                        

                                سناء الجاك

إيران وملفاتها الإقليمية

كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، بأن لا تفاوض مع الدول الأوروبية حول الملفات الإقليمية.

وكان قد كشف مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان أوليفييه دي شوتر، بعد زيارة إلى لبنان، أنه عاين تغييرات بنيوية في المجتمع اللبناني، لن تزول بعد 5 أو 10 سنوات، بل تنشئ واقعاً اجتماعياً جديداً من الصعب تبديله سوى بسياسات لا تصنعها مثل هذه الزمرة الفاسدة المتحكمة بالبلاد.

واعتبر دي شوتر أن نسبة الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان تضاعفت من 42 بالمئة عام 2019 إلى 82 بالمئة من مجموع السكان هذا العام، أي أن 77 بالمئة من الأسر اللبنانية باتت فقيرة، وفقاً للأمم المتحدة.

والأهم فيما قاله المسؤول الدولي هو ما يتعلق بتدني نوعية التعليم الذي يحصل عليه اللبنانيون في المدرسة والجامعة، علاوة على تزايد احتمالات التسرب المدرسي نتيجة الاضطرار للعمل في سن مبكرة للمساعدة في إعالة العائلة.

وأشار إلى مثل هذه الظواهر تحدث، لا بل تتزايد مع إقفال المدارس (الرسمية تحديداً) وتحويلها إلى نواد غير جدية نتيجة التعطيل المتكرر.

التقصير السياسي "مذهل"، وفقاً لدي شوتر، وصادم مدى "انفصال المؤسسة السياسية عن واقع الذين يعيشون في فقر على الأرض".

وهذا هو المطلوب. فلبنان، كما بات واضحا، هو واحد من هذه الملفات الإقليمية التي ترفض إيران أي مفاوضات بشأنها، على اعتبار أنها من أهم المكتسبات.

حتى أنها أهم من الملف النووي. فتخصيب الفقر والخوف والجهل في الدول التي تختصرها هذه الملفات هو صناعة مكلفة إستغرقت الكثر من الجهد والوقت.

ولا هم أن انكشف هذا المشروع، ما دام المحور يملك أذرعا قادرة على المنازلة في بازار الدم وضبط إيقاع لعبة الحروب وقتل الشعوب.

المهم أن يبقى المستضعفون في الدول المصادرة سيادتها مستضعفين ومحرومين وجهلة ونازحين ومهجرين في الداخل والخارج حتى تبقى الثورة وحتى تبرر تصديرها الى حيث يشاء المستثمرون فيها.

ففي إيران، وقبل 3 أعوام، صدر قرار يقضي بمنع تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية، بعدما حذر الزعيم الأعلى للبلاد من أن تعليمها في سن مبكرة يفسح الطريق أمام "الغزو الثقافي" الغربي.

لذا أفتى بأن يشتري الجنة لشعبه ويحميه من الكفر والزندقة وكل المفاهيم الغربية التي تلوث عقولاً يجب أن تبقى مغلقة حتى يسهل التحكم بها.

وكما في إيران، يجب أن يكون الوضع في العراق وسوريا واليمن ولبنان. التعليم ممنوع لأن له القدرة على إحداث نقلة نوعية من جيل إلى جيل. والثقافة الطالعة من الانفتاح على لغات أجنية هي الشيطان الأكبر.

لذا، لا بد من رفع مستوى الفقر ليتمكن المحور الإيراني من تطويع الاقليم بحيث لا يتلوث المشهد الممانع بطفيليات من داخله أو خارجه.

والمعروف أن الاستبداد يخاف مفعول الثقافة على العامة، ويقرنها بالمؤامرة. ويعتبرها خيانة عظمى ليس أقل.

في الأساس كل من يقول "لا" هو خائن متآمر وناكر للجميل، سواء أجاد الإنجليزية او تحدث بلغة الإشارة عن جوعه وافتقاده الى الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم.

ومن يرتكب فعل الخيانة هذا، لا بد من محو وجوده. و"عدة الشغل" حاضرة لمثل هذه العمليات النوعية.

في المقابل، فإن من يقول "نعم" للمحور ومصادرته السيادة، له جوائز ترضية بموجب وحدة المسار والمصير بين الرأس والأذرع.

المهم الالتزام والوفاء، بحيث ترفد الأذرع الرأس بما يعزز ملفاته الإقليمية، سواء في بيروت أو دمشق أو بغداد او حتى في كولومبيا، التي أوقفت ورحّلت منذ شهرين "مجرمَين مفوّضَين من حزب الله، كانت لديهما نيّة ارتكاب فعل جرمي"، على الأراضي الكولومبية، وفق ما صرح وزير الدفاع الكولومبي، دييغو مولانو، ليضيف بأن هناك "خطرا مع حزب الله في فنزويلا، وما يمكن أن تخلقه علاقاته بتهريب المخدرات أو الجماعات الإرهابية من الجانب الفنزويلي، بالنسبة للأمن القومي".

والمهم، كذلك، هو التكامل في التخريب مع تغييب للمساءلة والعدالة وتعميم النماذج "الناجحة" في العواصم المصادرة سيادتها وتدشيم المتاريس العنصرية المطلوبة حتى يتمكن رأس المحور من صيانة ملفاته الإقليمية من خلال تخصيب الفقر والخوف والجهل واستثمار المصالح الفوقية مع تثمير لآليات تحول دون حصول شعوب هذه الملفات على حقوقهم كمواطنين، وان بالحد الادنى.

والأهم، عدم التساهل تجاه أي نقاش موضوعي يحول دون إقفال الرؤوس بحزام عفة مذهبي لا يختلف عن أحزمة القرون الوسطى وان تغيرت صيغة استخدامه، ولا يختلف عن أحزمة البؤس التي يجب أن تبقى لاستغلال الجماهير المعدمة في غوغائيات تخدم المصالح الفئوية لهذا المحور الحريص على ملفاته الإقليمية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

839 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع