علي الكاش
من كسر شوكة الشعب العراقي مرجعية النجف أم أبنائها؟
قال الله تبارك وتعالى في سورة النحل/103 ((لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)).
الذي افرزته الإنتخابات الأخيرة من نتائج غير بعيدة، بل متقاربة جدا مع الرأي العام للشعب العراقي تجاه الطبقة الحاكمة لم يكن غريبا أو غير متوقعا إلا للأحزاب الولائية الخاسرة، وقد تعرفت اليوم على قيمتها ووزنها لدى الشعب العراقي، وذللك بسبب عمالتها لإيران ومعاداتها للشعب العراقي وسرق ثرواته عبر المكاتب الإقتصادية والسيطرة على المنافذ البرية والبحرية، علاوة على الجرائم التي ارتكبتها أزاء ثوار تشرين من عمليات قتل وإختطاف وإغتيالات وإتهامات ما أنزل الله بها من سلطان كالعمالة لأمريكا، وجميع الأحزاب الولائية كما يعلن زعمائها جهارا نهارا عميلة لإيران، والعمالة ان كانت لأمريكا او إيران فهي سيان، ولا يوجد مؤشر واحد على ان الثوار لهم إرتباطات بالسفارة الأمريكية، فمصطلح (ابناء السفارات) إستعارته الميليشيات الولائية من سيد العمالة والعهر السياسي (حسن نصر الله) واطلقته على ثوار تشرين الأبطال.
عندما تستمع أو تقرأ آراء المحللين السياسيين حول خسارة الأحزاب الولائية، يُرجعها غالبيتهم الى تعدد مرشحي الأحزاب الولائية مما أدى الى تشتت أصوات أنصارهم، وهذا بعيد عن الواقع، فالشعب العراقي عاقب الخونة والجواسيس من خلال خذلانهم في الإنتخابات، كما ان مرشحي الأحزاب كانوا من الوجوه الكريهة التي يشمئز منها العراقيون ولا يعيرونها أي إهتمام، بل يستحقرونها مثل أحمد عبد الصمد وعبد الأمير الدبي وعباس العرداوي وغيرهم.
الملاحظة الأهم التي غفل عنها المحللون السياسيون هي الزاوية الأخرى للخسارة، فالخسارة لم تقتصر على الأحزاب الولائية فحسب بل على مرجعية النجف ايضا، فقد ناشدت المرجعية الشعب العراقي خلال دورتين نيابيتين بالتوجه بكثافة للإنتخابات لغرض إجراء تغييرات في الوجوه السياسية، وهي نفس الوجوه التي زكتها المرجعية للعراقيين في الدورات الإنتخابية الأولى والثانية واعتبرتهم (أبناء المرجعية) مثل عمار الحكيم وهادي العامري وحيدر العبادي ونوري المالكي وغيرهم، على العكس من مناشدتها فقد عزف غالبية العراقيين على الإمتناع في المشاركة، فالدورة الإنتخابية السابقة لم يتجاوز عدد المشاركين عن 18%، وهذا ما يقال عن الدورة الإنتخابية الحالية 2021، وهذا يعني أن صوت المرجعية لم يعد له قيمة لدى الشعب العراقي عموما، ويفترض ان تعيد المرجعية النظر في موقفها وتعرف انها فقدت وزنها عند الشعب العراقي بسبب إبتعادها عن الشرع، ودس أنفها الطويل في شؤون السياسة وإدارة الدولة، بل حتى السياسيين من رئيس الوزراء نزولا والذين كانوا يتشدقوا بدور المرجعية خفت لهجتهم وحماسهم للمرجعية، ولم تعد تسمع الإسطوانات المشروخة عن أهمية المرجعية وضرورة إستحصال موافقتها في إتخاذ القرارات السياسية.
ما لا يند عن ذهن عاقل، أو يلتوي على خاطر لبيب، أن أفعال لمرجعية ومواقفها المحيرة هي التي صنعت إطاراً صالحاً لمعاضدة الأحزاب الاسلامية الفاسدة. الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ان مرجعية النجف مرتهنة بولاية الفقيه في كل مواقفها الشرعية وغير الشرعية، ولا يعنيها مطلقا مصلحة المواطن الشيعي، ولا بقية العراقيين غير الشيعة، انها ملجمة بلجام المرشد الأعلى في ايران ولا تنظر إلا لزاوية واحدة وهي مصلحة ايران، فمصلحة ايران فوق جميع المصالح.
بلا أدنى شك، لم يعد من جدوى للمرجعية في ترميم التصدع والتشقق في بنيان الدولة العراقية، ولم يعد يُسمع صدى لصوتها الذي بح كما تدعي، فقد فات الأوان ولم يبقَ الا القليل، وتخسر كل ما تبقى لها من تأثير في الشارع العراقي أو من مقلدي السيستاني على أقل تقدير.
ولو كانت المرجعية حقا عادلة وراشدة ومحنكة لإنتهجت طريق الحق والرشد، وأعلَت من سقف البناء الوطني، وجرمت من يجب تجريمه، وأفتت بحل الحشد الولائي المرتبط بالخامنئي، اللهم إلا إذا كان هناك أتفاق سري بين الوليين الفقيهين في طهران والنجف. ولكنها لا تستطيع ان تفك قيدها الذي كبلها به مرشد الثورة الايرانية، ذلك لأن من يحكم منذ الغزو الغاشم لحد الآن هم (أولاد المرجعية)، وهي تظن انهم من يحفظ بيضة التشيع على الرغم من فسادها.
صحيح ان مرجعية النجف كما ـ تزعم ـ قاطعت قادة العملية السياسية، ولكنها لم تتبرأ منهم. فقد أسرفت في منهجها الطائفي، والتدخل في الشؤون السياسية وإدارة دفة الدولة خلف الربان السياسي الولائي، فخرجت عن موجة التشريع الفقهي، وركبت موجة التشريع السياسي، فخسرت وأية خسارة.
لاحظ حتى النسبة التي تحدثنا عنها من الأصوات في العملية الإنتخابية الأخيرة، فالمقاعد التي حققها مقتدى الصدر وهي الأغلبية، ويقلد الصدريون المرجع الايراني كاظم الحائري وليس علي السيستاني، ومحور الفتح من منظمة بدر والنجائب وعصائب اهل الحق وحزب الله وكتائب الإمام وبقية الأحزاب الولائية تقلد علي الخامنئي وليس السيستاني، فماذا تبقى لمقلدي السيتساني؟
ننتاشد مرجعية النجف ـ رغم علمنا بصنميتها ـ أن تفعل او تحرك عقولنا الخاملة بتفسير مواقفها الغريبة كي نعتنق شكوكنا التي ما زالت تدور في رؤوسنا وتصدعها رؤى خافتة ومتضعضعة، وأن تعترف بأنها المرآة العاكسة لتوجهات الولي الفقيه في طهران، وتفسر لنا لماذا هيأت المناخ الملائم للتشرذم والانقسام المجتمعي والتناحر الطائفي؟
وهل كانت المرجعية حقا رشيدة وراشدة في اجتراح إدارة الدولة وتسخيرها لخدمة أجندة غير وطنية؟ لقد ضاق العراق ذرعا بتهافتها وانحرافاته المريبة. فقد ضربت عرض الحائط كل تحديات المرحلة الصعبة، وجسامة المخاطر التي يتعرض اليها العراق، كانت جميع وعودها مجرد أطياف تداعب عقول الأنصار من الجهلة والمستحمرين، وليس لها من قيمة في الواقع.
قال المستعصمي" فِي المَثَل: إِذَا زَلَّ العَالِمُ زَلَّ بِزَلَّتِهِ عَالَمٌ، وَذَلِكَ لأن العَالَمُ تبعٌ لِلعَالِمِ فهم يَقْتَدُوْنَ بِهِ". (الدر الفريد4/436).
922 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع