المترجم العراقي الاوّل في القرن العشرين

                                                         

                               أ.د. ضياء نافع

  

المترجم العراقي الاوّل في القرن العشرين

ولد الكاتب العراقي الكبير غائب طعمه فرمان في بغداد عام 1927 وتوفي في موسكو عام 1990 ودفن فيها , وهو الكاتب العراقي الوحيد الذي يرتبط اسمه ببغداد وموسكو, والتي عاش فيها الثلاثين سنة الاخيرة من حياته . لقد انجز غائب خلال هذه الفترة من حياته ترجمة اكثر من ثمانين كتابا تضم مؤلفات كبار الادباء الروس مثل تورغينيف ودستويفسكي وتولستوي وغوركي ...الخ , وعليه , هل يمكن اعتباره المترجم العراقي الاول والابرز في القرن العشرين ؟ . هذا هو السؤال , الذي حاولنا ان نناقشه في تلك الجلسة العراقية بموسكو, و التي حدثت بمحض الصدفة ليس الا , و نحاول في هذه المقالة عرض بعض الاراء التي تم طرحها حول هذا الموضوع الطريف والجديد فعلا , الجديد قلبا وقالبا كما يقال .

قال الاول , ان البعض منّا يركّز على الادب الروسي بالذات من منطلقات سياسية بحتة , والتي اصبحت عتيقة في زماننا , ولهذا يأتي اسم غائب طعمة فرمان في المقدمة طبعا , والا , اين نضع المترجم جبرا ابراهيم جبرا مثلا ؟ أجاب الثاني بهدوء , نضعه في مكانه الطبيعي , اي في فلسطين , فقاطعه الثالث وقال , كلا , كلا , جبرا يبقى في العراق لان كل نشاطه الابداعي المتميّز بما فيها الترجمة كان في العراق بالذات , واضاف مبتسما - جبرا الفلسطيني ازدهر على الارض العراقية واصبح جزءا لا يتجزأ من مسيرة الثقافة العراقية , بما فيها الترجمة طبعا , ويجب الاقرار بهذه الوقائع الثابتة بغض النظر عن اي اجتهاد آخر . رفض بعضهم فكرة الغاء ( الاجتهاد الآخر) , حتى لو كان يتعارض مع الوقائع , مؤكدين ان الوقائع نفسها هي ( اجتهادات فكرية ) بعض الاحيان . قال احدهم , لا تدخلوا بالفلسفة رجاء, ولنرجع الى موضوعنا المحدد ونبقى في اطاره, واود ان اتحدث عن قضية واضحة هنا, وهي - اين نضع الاسماء العراقية الاخرى في مجال الترجمة , مثل المترجم العراقي الكبير والمنسي مع الاسف يوسف عبد المسيح ثروت مثلا , او المترجم المبدع عبد الواحد لؤلؤة , او او او ...الخ . طرح شخص آخر رأيا جديدا في هذا الحوار قائلا , انكم تتحدثون عن ترجمة الادب فقط , وتتناسون جوانب الحياة الاخرى الكثيرة والمتنوعة , والتي تحتاج الى جهود المترجمين أكثر بكثير من الادب . أيّدته عدة أصوات رأسا من هنا وهناك , بل قال احدهم ضاحكا – ( نعم نعم يا اخي فقد شبعنا من الآداب !) . علّق احدهم بعد ان هدأت الاصوات قائلا – وهل يوجد مترجم عراقي كرّس كل وقته وجهده لترجمة اشياء بعيدة عن الادب ؟ فاجابه واحد من الحاضرين – نعم , مثلا الدكتور داود المنير( الذي كنّا نسميه داود كرومي ) ترجم لنا عن الروسية عشرات الكتب العلمية البحتة عن الروسية في مجالات الهندسة و الفيزياء والميكانيك وغيرها من العلوم , والتي تحوّل حتى قسم منها الى كتب منهجية اوكتب مساعدة في بعض الجامعات العربية , وهو الوحيد بين العرب كافة ( الذين قضوا حياتهم في موسكو ) الذي اعطانا قاموسا روسيّا – عربيا في مجال العلوم البحتة , وهذا بحد ذاته يعدّ عملا علميا رائدا في مجال الترجمة و خدمة عظيمة للاجيال اللاحقة في هذا المجال . قال واحد من الذين كانوا صامتين كل الوقت , انكم نسيتم المترجم الذي سبقهم جميعا وبزمن طويل , وقدّم لنا حتى ترجمة تسميات تسلسل الضباط ورتبهم في عشرينيات القرن العشرين عند تأسيس الدولة العراقية بلغة عربية سليمة ولا زالت معظم تلك التسميات سائدة لحد الان , واظن انكم فهمتم طبعا اني اتكلم عن المترجم الكبير عبد المسيح وزير , والذي يمكن القول انه المترجم العراقي الاول في القرن العشرين , اذ انه كرّس كل حياته لمهنة الترجمة وما حولها من تعليم اللغات واعداد المترجمين والاشراف على امتحاناتهم ...الخ . اعترض آخر على كلامه قائلا , ان معظم العراقيين حتى لا يعرفون اسمه الان , فعلّق احدهم قائلا , وهل يعرف العراقيون تاريخهم الفكري بشكل دقيق وصحيح ؟ ضحك الجميع , وقال احدهم – انهم اصبحوا سياسيين من صغيرهم الى كبيرهم , وتخضع كل الاسماء لهذه النظرة السياسية الضيقة , وبما ان عبد المسيح وزير لا يرتبط بهذه الجماعة او تلك , فانه يبقى مجهولا حتى للذين يعتبرون انفسهم ( مثقفين !!!) . قال شخص بصوت جهوري واضح , ما رأيكم ايها الرفاق بمقترحي لانهاء هذا النقاش الطويل العريض , والذي يبدو انه بلا انتهاء ولن نصل فيه الى قرار , فسأله الجميع , وما هو مقترحك هذا ؟ فاجاب ضاحكا – ان نعلن , اننا بعد مناقشاتنا المتشعبة , توصلنا الى قرار يقول , ان المترجم العراقي الاول هو حنين بن اسحاق , وان ذلك يقتضي فقط ان نحذف من كلامنا كلمتين لا غير , وهما – القرن العشرين . انه مترجم كبير وعظيم , ويتمتع بكل الصفات , بما فيها ( صفة!) - ان معظم العراقيين لا يعرفونه ... استهجن البعض هذه السخرية , وصفّق البعض لها , وضحك البعض منها , وتباينت الآراء بشأنها , ولكن الجميع وافقوا على انهاء المناقشات , رغم ان البعض اقترح عقد جلسة لاحقة و موسّعة لبحث الموضوع من كافة جوانبه بعد ان تهدأ ( العواصف !!!) الترابية وتستقر النفوس , وعلّق احدهم مبتسما – وهل ستهدأ تلك العواصف الترابية فعلا وتستقر النفوس ؟؟؟...

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

751 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع