طارق الهاشمي
لا أدري كم يشعر نوري المالكي بالحرج والخجل من نفسه، إن بقي له شيء من هذا الشعور، وهو يرى بأم عينيه تهاوي أنظمة استبدادية تسقط وتتلاشى حيث لا تصمد أمام رياح تغيير تاريخية،
أبشر المالكي والمنتفعين معه أنها ستطال العراق مهما بالغ في استبداده وقمعه، في ترهيبه أو ترغيبه، بل مهما أسرف في أموال الجياع والفقراء والمحرومين ينتزعها من أصحاب الحق ليشتري بها ولاء كاذباً، يودعها جيوب الساقطين أولئك الذين يعرضون ضمائرهم ومواقفهم للبيع في سوق النخاسة السياسية، لمن يدفع أكثر؟
بل مهما حاول المالكي أن يوغل في التضليل والتزوير وقلب الحقائق، لاحظوا كيف يخاطب المالكي أهلنا الشيعة في الجنوب ويعرض بطريقته البائسة حقوقاً مسلوبة أو مطالب مشروعة تقدمت بها ساحات الاعتصام في ست محافظات حيث يقوم المالكي بقلبها إلى خطاب طائفي مقيت وممجوج، الناس تبحث عن خلاص من أجهزة سوات سيئة الصيت التي لم يعد أمام تعدياتها وبطشها من عاصم، جريمة الحويجة جريمة ضد الإنسانية مثلا، بينما هو يخاطبهم مظللا بأن السنة قادمون من أجل أن يسلبوا منكم حقاً مكتسباً عمره أربع عشرة قرناً؟! يتعمد المالكي أن يقلب الحقائق ويحول الخلاف السياسي إلى نزاع بل فتنة طائفية، هكذا يتصرف رئيس وزراء العراق الفاشل حيث لا يقدم حلا، بل يحرض طائفة على أخرى، والمهم بالنسبة إليه ليس بالتأكيد استقرار العراق إذ هو غير معني بذلك، بل جل اهتمامه ينصب في بقائه أطول فترة ممكنة في كرسي السلطة، وهو يعلم قبل غيره أن هذا الحلم لن يتحقق إلا في ظل الأزمات.
يوم أمس أعلنت دولة قطر أن أميرها الجديد هو الشيخ تميم بعد أن تنازل الوالد الشيخ حمد، يحصل ذلك وقطر في قمة نجاحاتها، في السياسة والاقتصاد والمال، بل حتى في العون والإغاثة، قطر باتت ملأ سمع الدنيا وبصرها، تنمية وعمراناً، وتقدماً لافتا للنظر في مجالات النفط والغاز والاستثمارات الخارجية وقفزات نوعية حالمة في مجالات التعليم والصحة والثقافة وغيرها، بل منذ أن تسلم الشيخ حمد السلطة عام 1995 وقطر تتصدر الأحداث السياسية في المنطقة والعالم، أخذت بزمام المبادرة وبحماسة قل نظيرها باتت تصنع الحدث بدل أن تنتظره من الآخرين وتنجر إليه في حركة رتيبة تقليدية بين الفعل ورد الفعل، هناك الكثير الكثير مما يمكن أن يكتب حول نجاحات دولة صغيرة في الجغرافيا محدودة في السكان، لكنها غنية ليس بالطاقة وحدها بل بما هو أهم، غنية بالروح، بالإيمان بالله، بالنوايا الصادقة والإرادة القوية والنظرة الثاقبة والرؤية الواضحة، وعندما يمتزج ذلك كله بالتواضع والزهد والطيبة والكرم نصبح أمام نموذج في الحكم فريد.
تنازل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن الحكم لمجرد أنه أيقن أنه أدى الأمانة ونهض بالمهمة وقام بالواجب ولكن، لأن الزمن تغير فقد انتهى التكليف وحان الوقت للتغيير وأن دماء جديدة شابة ينبغي أن يفسح لها المجال في خدمة قطر، وهذا ما حصل.
إنجازات قطر في ظل قيادة الشيخ حمد آل ثاني إنما هي نجاحات قل نظيرها في أية دولة من دول العالم، وكان يسعه البقاء في السلطة لوقت أطول لو أراد مبرراً ذلك بتلك النجاحات لكنه بدلا عن ذلك وبكل تواضع تنازل وانصرف واثقاً مطمئناً بالمستقبل بعد أن بات بعهدة خلفه ابنه الشاب الأمير الشيخ تميم الذي أسهم هو أيضاً بقسط كبير من هذا النجاح إذ كان كما أعلم في صلب القرار.
أما أنت يا نوري المالكي فما الذي لديك من نجاحات تبرر بقاءك في السلطة كل هذه السنين، قل لي متى ستطلق سراح العراق المخطوف كي يلتقط أنفاسه ويلملم جراحاته ويعيد تنظيم نفسه ويداري أخطاءك ويستعد لتعويض ما فات وينطلق نحو مستقبل مشرق؟ متى ستطلق العراق المخطوف وتعيده لأهله متى؟ ما لذي يغريك للتمسك بالسلطة؟ هل هي فضائح الفساد وآخرها حقيبة المليون دولار في مطار هيثرو في لندن بصحبة خالد العطية، أم الخروقات الأمنية وشلال الدم الذي لن يتوقف بفضل إدارتك البائسة للملف الأمني وآخرها كانت المجزرة التي تعرض لها إخواننا التركمان في طوزخرماتو، أم الفتنة الطائفية التي أنت وليس غيرك من يغذيها وستقود البلاد متى أصررت في البقاء في السلطة إلى حرب أهلية، أم التبعية الذليلة لإيران بعد أن فرطت بالسيادة، أم تجرؤك وعدوانك السافر على إرادة شعب سوريا الحر وهو يتطلع لحكم رشيد بينما اخترت الاصطفاف مع مستبد جزار وقاتل، أم وعودك الكاذبة في تحسين الخدمات، أم تفريطك بالحريات العامة والإمعان بظلم الناس، أم بإخفاقك حتى في البرنامج الحكومي الذي بناء عليه نلت ثقة مجلس النواب؟ لا شيء لديك من ذلك، وبالتالي لماذا لا زلت في السلطة حتى الآن.. هل سألت نفسك؟
965 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع