د. سعد ناجي جواد
الانتخابات العراقية: هل تنطبق عليها المقولة الساخرة (دعونا ننسى اخطاء الماضي ونبدأ اخطاء جديدة)؟ من هم الاوفر حظا وما هي المستجدات المتوقعة؟
ها قد حل موعد الانتخابات المبكرة في العراق، وازداد الصخب بين القوائم المتنافسة، وازداد معه اسفاف بعض المرشحين الذين ازكمت الانوف روائح فسادهم وعبثهم واكاذيبهم عن ما سيفعلونه للعراق بعد ان يفوزوا، وزادوا على ذلك بتصرفات مبتذلة وافلام دعائية رخيصة ينشروها كل ساعة على مواقع التواصل الاجتماعي لتجمعات انتخابية خادعة تُظهِرَهم وسط مجاميع من العاطلين عن العمل والاطفال والمنافقين مدفوعي الثمن وهم يرددون الهتاف المقيت والكاذب ( بالروح بالدم نفديك يا …).
لا نغالي اذا ما قلنا ان ظاهر الحال لا يبشر بخير او بامكانية تغيير الوجوه المتسلطة، وان النتيجة الاكثر توقعا هي استمرار نفس الكتل والاحزاب في التواجد في البرلمان، ربما ببعض الوجوه الجديدة التابعة لتلك الكتل، وبالتاكيد بنفس الرغبة الطاغية في نهب المال العام ونفس نمط الفساد الذي انتهجوه لاكثر من ثمانية عشر عاما. هناك احتمال بسيط جدا جدا في ان تتغير بعض النتائج، اذا ما حدثت هبة شعبية كبرى مفاجئة تحدت السلاح المنفلت وجماعات الضغط المتمثلة بالفصائل المسلحة وادلت باصواتها بحرية. فقط اذا ما حدث ذلك، ربما تنجح بعض الوجوه الجديدة في الوصول الى البرلمان، ويبقى السوال الاهم هو هل ستكون هذه الوجوه افضل من سابقتها ام ان نظام الفساد سيحتويها ويدخلها ضمن مؤسسته؟ وتصبح عند ذلك المقولة الساخرة (سئمنا الوجوه الفاسدة القديمة ونريد وجوها فاسدة جديدة) حقيقة واقعة.
اذا ما صح التوقع ان العملية ستكون مكررة فان النتائج ستاتي متقاربة هذه المرة ايضا، ولا يوجد ما يشير الى امكانية حصول كتلة على الاغلبية، وبالتاكيد ان هذه الحالة ستُضعِف الحكومة المركزية القادمة اكثر مما هي ضعيفة الان. وسيستغرق امر اختيار رئيس وزراء جديد وتشكيل حكومة جديدة اكثر مما استغرقته العملية في المرات السابقة (خمسة اشهر في انتخابات 2005 وحوالي ثمانية اشهر في انتخابات 2010 وثلاثة اشهر تقريبا في انتخابات 2014 وسته اشهر في انتخابات 2018).
الشيء او العامل الجديد الذي ظهر هو ان النفوذ الخارجي الذي كانت تتقاسمه الولايات المتحدة مع ايران في التدخل في الشؤون العراقية، قد ظهر من يحاول ان ينافسه بقوة. فلقد قرر الرئيس التركي رجب اردوغان ان يتخلى عن دعمه الصامت السابق، ويجاهر علنا بدوره في التاثير في الشأن العراقي، حيث حرص على التوفيق بين شخصين يمثلان مكونا معينا، الامر الذي اذا ما نجح، ممزوجا بالتاثير المادي الكبير الذي يتمتعان به، فانه سيجعل من تكتلهما ذا تاثير اكبر في البرلمان القادم. هذا النفوذ يحظى ايضا بدعم عدد من دول الخليج بدعوى موازنة النفوذ الايراني عن طريق دعم اطراف لمواجهة تلك التي تدعمها ايران.
ولو من الامور التي تثير السخرية ان الشخصين الذين حاول الرئيس التركي ان يوفق بينهما، يمدان خطوط وصل مع الجانب الايراني، على الرغم مما يصرحون به بين اتباعهما.
اما التكتل المقابل الذي يعول من يقودونه على اصوات ابناء المحافظات الجنوبية لامتلاك الاغلبية فيبدو ان الانشقاقات والمنافسات والتناحرات في داخله قد تضاعفت واضعفته، وان سبيله الوحيد سيبقى هو المليشيات المسلحة للتاثير على التصويت، والدعم الايراني الكبير لاغلب اطرافه. ولكن هذا التكتل، كما حدث في السابق، سيكون للدافع الطائفي اثر في توحيده ولو لفترة قصيرة عند تحديد الكتلة الاكبر التي يحق لها تسمية رئيس الوزراء المقبل.
من ناحية اخرى كل المؤشرات تقول ان النفوذ الامريكي قد ازداد ضعفا بين الاطراف العربية المشاركة في العملية السياسية. ويبقى هذا النفوذ، ومعه النفوذ الغربي والاسرائيلي اكثر تاثيرا على الاحزاب والكتل الكردية، وهذه الاحزاب والكتل هي التي ستكون مرة اخرى الطرف المعادل والمؤثر فيما ستتمخض عنه الانتخابات. طبعا الطرف الكردي يعاني هو الاخر من تصدع في تحالفاته، والذي ظهر مبكرا في الجدال حول اختيار رئيس جديد للجمهورية. فالحزب الديمقراطي الكردستاني يصر هذه المرة على ان يكون رئيس الجمهورية منه، وهذا يعني كسرا للاتفاق الذي حصل بين المرحوم جلال طالباني والسيد مسعود البرزاني والذي كان مفاده ان يكون رئيس الجمهورية من حزب الاول ورئيس الاقليم من حزب الثاني. الان يظهر ان السيد البرزاني يريد ان يكسر هذه المعادلة وذلك بالاستحواذ على المنصبين، رئاسة الاقليم ورئاسة الجمهورية وجعلهما للعائلة البرزانية. وهذا الامر يرضي من ناحية اخرى طموحات السيد مسرور بان يصبح هو رئيس الاقليم، اذا ما نجحت خطة اختيار السيد نيجرفان رئيسا للجمهورية. كما سيُمَكن هذا الحل السيد مسعود من تعيين احد ابناءه الاخرين، ربما السيد منصور، لكي يكون رئيس وزراء الاقليم. وهذا الامر اذا ما حصل سيثبت تحكم العائلة بالدولة العراقية وبالاقليم. وهو حال سيجعل كل حكومة قادمة مجبرة على ان تحسب حساب ذلك في تصرفاتها وفي القرارات التي ستتخذها.
في الخلاصة النهائية فان المشهد القادم سيتميز بالتشتت، واذا ما نفذت بعض الكتل تهديداتها التي تقول بان عدم فوزها بالاغلبية يعني ان الانتخابات قد تم تزويرها، واذا ما علمنا ان هذه الكتل جميعا تمتلك فصائل مسلحة تأتمر بامرها، فيمكننا ان نتصور نوع لغة (الحوار) القادمة، بل وحتى اثناء عملية الانتخابات، بين الكتل المتنافسة.
الادعاء بان هناك 1800 مراقب دولي لمتابعة الانتخابات لن يغير من واقع الحال شيئا، ومثلما صادق واعترف المجتمع الدولي، دولا ومنظمات، على نتائج الانتخابات السابقة التي كانت درجة التزوير فيها اكثر من واضحة ومفضوحة، فان هذا المجتمع، الذي فقد الاهتمام اساسا بالعراق، لن يكلف نفسه بالوقوف الى جانب حقوق غالبية الشعب العراقي المسحوقة، وكما صورت هذه الاطراف علميات الانتخابات السابقة على انها تجسيدا (للديمقراطية) التي جلبتها العراق، فانه سيعاود التطبيل والتزمير للمسالة بالقول ان العراق قد نجح في اختبار (ديمقراطي) جديد.
وتبقى الحقيقة تقول ان الطرف الوحيد القادر على تعديل هذه الاوضاع المزرية هو الشعب العراقي. ولكن السوال هو متى يصل هذا الشعب الى قناعة بانه قادر على تغيير كل المعادلات التي اثبتت فشلها.
ان النجاح الاكبر الذي حققه الاحتلال الامريكي، ومن وقف معه، وبالذات بريطانيا واسرائيل، هو ليس في احتلال العراق وتدميره، وانما في زرع الفتنة والتفكير الطائفي والعنصري بين مكونات الشعب العراقي الواحد، بحيث اصبح التلاحم والتماسك بين المكونات امرا مفقودا. ان حل كل ما يعاني منه العراق لن يتحقق الا ببناء كتلة وطنية عابرة للمذهبية والعنصرية، تاخذ على عاتقها وضع دستور جديد للبلاد و اعادة بناء العراق من جديد على مبدا الوحدة الوطنية. وحتى يتحقق هذا الامر فلا امل في ان تتمكن انتخابات او تغير وجوه من حل مشاكل البلاد.
2121 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع