د.عدنان هاشم
في يوم سباق الماراثون
بدأ سباق الماراثون في لندن منذ عام 1981 وقد انتشر هذا السباق في العالم كله ، ويشترك فيه كل سنة متسابقون في الركض ليقطعوا مسافة 26 ميلا أي ما يقارب من 42 كيلومترا . يتدرب المتسابقون على الركض لمدة طويلة قبل اليوم المشهود لبناء اللياقة الجسدية لتحمل الركض لهذه المسافة الطويلة .
فما هو أصل الماراثون وما هي قصته وما هي الدروس التي يمكن أن نستقيها منه ! هذا ما سنحاول التعرف عليه في هذه المقالة القصيرة .
يرجع تاريخ الماراثون إلى عصر اليونان القديم حيث كان الصراع ناشبا بين مدن اليونان الناشئة وبين امبرارطورية الفرس الكبرى
فقد هزم الإمبراطور الفارسي كوروش الكبير الإغريق بعد احتلاله لبابل في العراق ، وسيطر على معظم بلاد الأناضول في منتصف القرن السادس قبل الميلاد . ولكن الفرس لم يستطيعوا أن يهزموا نفسية الأغريق التواقة للإستقلال والحرية ، فكانت حروبهم سجالا مع الفرس " يوم لنا ويوم علينا " . دامت الحروب بين الفرس واليونان من سنة 499 إلى 451 قبل الميلاد . ومن المعارك الكبرى كانت معركة حاسمة في مدينة ماراثون Marathon سنة 490 قبل الميلاد . كانت قوة الإغريق صغيرة جدا مقارنة مع جيش الفرس ذي العدة والعدد . ومع ذلك فقد انتصر الأغريق على الفرس انتصارا ساحقا ، فأرسل قائد الجيش الأغريقي أحد جنوده المسمى فيديبديس Pheidippides برسالة مستعجلة من أرض المعركة في ماراثون إلى أثينا ليبشر أهلها بالنصر على الفرس . لم يكن لسوء حظ فيديبيدس واتساب ولا إيميل في ذلك الوقت ، فكان لا بد له أن يركض المسافة التي طولها 26 ميلا تقريبا بسرعة ليوصل الخبر السار إلى أثينا . وقد وصل أخيرا ليخبر حاكم اثينا بالإنتصار :
JOY , WE WON.
ولكن في تلك اللحظة سقط فيديبيدس ميتا من الإعياء ، فخلد اسمه في سجل التاريخ .
ما هي الدروس المستقاة من معركة الماراثون ؟
• لا يأس من النصر ولو مع قلة العدد ما دامت هناك المعنويات العالية ووحدة الهدف والرغبة في القتال والأستعداد التام لقتال العدو بالعدة المستطاعة والتدريب المستمر . والعكس يحدث عند تفجر الخلافات الداخلية والتناحر والتقاتل كما حدث للأغريق فيما بعد ، عندما قامت الحروب الأهلية في اليونان بين أثينا وأسبارطة Peloponnesian War واستمرت 30 عاما والتي انتهت بذهاب رياح الأغريق منذ ذلك الحين.
• اللياقة البدنية بالرياضة المنظمة والمستمرة والتغذية الصحية المتوازنة ضرورية لخلق أجيال قوية ، فلا بطون مندحقة ولا أجسام مترهلة ولا أنفاس متقطعة ولا مداخن التبغ تنبعث من الأفواه فتسمم الهواء . وهذا ما انتبه له أفلاطون في كتابهRepublic of Plato فكان يرى أن العالم يجب أن يحكمه أصحاب الفكر من الفلاسفة وأصحاب العقول ، ولكن العشر سنين الأولى من حياة الأنسان يجب أن يكون التركيز فيها على على الرياضة والألعاب والجمناستيك لبناء الأجسام ثم يأتي بناء العقول بعده فيسيران معا .
• لا بد من الإستفادة من تراث الأغريق الفكري الذي لم يخترق الذهنية الشرقية إلا قليلا من المفكرين وهواة الفلسفة. وقد بنيت الحضارة الغربية المعاصرة على فكر الأغريق الذي شمل العناية بالفكر والجسم سوية . فقد بني فكر الأغريق على النظر في ظواهر الطبيعة والسلوك الأنساني ومحاولة دراستها وتحليلها واستعمال مذهب الشك والتساؤل في المعتقدات والأفكار السائدة التي أغلبها عادات متأصلة اتخذت طابع االموروث المقدس بمرور الزمان عليها .
• لا صحة فيمن يقول أن في تراثنا وإسلامنا ما يغنينا عن فكر الآخرين . فالقرآن وضع لنا الخطوط العريضة في الأيمان والعمل الصالح ، ولم يحرم علينا الفكر الأنساني ما دمنا في حصانة التوحيد . والأسلام ترك لنا منطقة فرا غ واسعة لنستطلع أفكار ونتاج الشعوب الأخرى لنستفيد منها أو لنتجنب ما هو ضار فيها .
وأخيرا لعلنا نستطيع أن نقتبس شيئا مفيدا من الغرب بدل التقليعات السطحية الإستهلاكية ، فندخل الماراثون في بلادنا ليس من قبيل التقليد الأعمى للغرب بل للتركيز على اللياقة البدنية التي طالما أهملت في بلادنا ، فيستقطب هذا السباق الآلاف من الشبان الذين سوف يستعدون له لأشهر طويلة فيخلق عندهم روح الأنضباط والمنافسة الشريفة ، وفي هذا ما فيه من الفوائد الكبيرة لشعوبنا.
عدنان هاشم
لندن 3 تشرين الأول 2021
975 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع