الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
العراق من دولة مهابة الى اللا دولة
قبل ايام انتهى تنفيذ سيناريو مؤتمر العلاقات العامة في بغداد الذي طبلوا وزمروا له حتى ظن بعض المتوهمين ان الشمس ستشرق على شعب العراق بعد عتمة 19 عاما (تم انفاق7.500.000.000 مليار لمدة 3 ثلاث ساعات علماً إن الوفود تناولوا فطورهم الصباحي في بلدانهم وغادروا العراق دون مبيت)...تم عقد ما سمي بالمؤتمر في احد القصور التي بناها رجال النظام السابق لاستخدامات الدولة الحقيقية والذي ظهر واضحا (وهذه تكررت عدة مرات) انبهار جميع الضيوف الكبارالذين زاروا العراق بعد الاحتلال ولعل اللقطة التلفزيونية التي اظهرت رئيس جمهورية المنطقة الغبراء وهو يشرح لامير قطر الذي يبدو انه انبهر بتصميم القصر الذي يستخدمه السيد برهم صالح حيث ظهر واضحا ان الامير ظن للوهلة الاولى وتوهم ان هذا القصر الرائع الفريد بتصميمه ومعماريته وعبقريت تنفيذه هو من منجزات ذيول الاحتلال الا وللامانة نعتقد ان السيد برهم (ربما) كان صادقا وخبره بحقيقة ان كل ما ينعمون به من المنشئات والقصور والمقرات هي من ابداعات النظام السابق.
قبل مائة عام من الان ونتيجة للثورات التي فجرها الشعب العراقي ضد الاحتلال البريطاني وضد سياسة تهنيد العراق أجبر اسس الاحتلال البريطاني دولة على مقاسات مصالحه بعد ان تيقن من استحالة قبول العراقيين الاحرار للاحتلال أيا كان نوعه ومصدره ورغم دهاء البريطانيين وخبثهم وتعينهم لمجموعه من العراقيين يمكن ان تتناغم مع مصالحهم لادارة الدولة الا ان الملفت ان هؤلاء الذين نصبوا في ظروف الاحتلال كان غالبيتهم من اصحاب الشرف والامانة وخدموا شعبهم وبلدهم بما توفر لديهم من امكانات وفرص انتزعوها من المحتل،حيث أصدر المندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس أوامره بتشكيل حكومة وطنية عراقية انتقالية برئاسة نقيب أشراف بغداد عبد الرحمن النقيب الكيلاني ثم خلفه الشخصية الوطنية عبد المحسن بيك السعدونوتشكيل المجلس التأسيسي الذي تولى من ضمن مهامه اختيار ملك العراق، وتشكيل الوزارات والمؤسسات والدوائر العراقية، واختيار الساسة العراقيين لتولي المهام الحكومية،ثم خلفه الشخصية الوطنية عبد المحسن بيك السعدون.
منذ الاعلان عن تأسيس الدولة ورغم كل ماقيل عنه لابد من التأكيد ان الغالبية المطلقة من الذين انيطت بهم المسؤليات منذ 1921 وحتى نيسان 2003 كانوا من الشرف والنزاهة ما يجعلنا نقف لهم اجلالا واكبارا لانهم لم يسقطوا الى قعر الخيانة والفساد والرذيلة والعمالة والجريمة مثلما يفعل السيئين الذين جاؤا تحت احذية دول الاحتلال، فلم نقرأ او نسمع عن اي شخص مسؤول بكل حقبات الدولة قبل نيسان 2003 انهم سرقوا ونهبوا اموال العراق وهربوها الى الخارج وقتلوا اكثر من مليون من خيرة ابنائه وهجروا ملايين من علمائه وكفاءاته التي انفقت على اعدادهم الدوله ملايين الدولارات ليخدموا بلدهم ويجعلوه في مصاف الدول المتقدمة بالعالم بالتعليم والصحة والخدمات ووو،كما لم نسمع او نقرأ ان احدهم باع ضميره وتنازل عن ارض العراق ووهبها مع ثرواته لدول الجوار ،كما لم نلمس ان احدهم عمل لقوميته او طائفته او كانت هذه المسميات عنصرا اساسيا في تقلد هذا المنصب المهم او ذاك فقد شهدت دولة العراق تعاقب العربي والكردي والتركماني رئاسة الوزراء كما عين المسلم والمسيحي والايزيدي والصابئي والاشوري في اهم الوظائف في الدولة بل ان 99‘% من العراقيين لم يكونوا يهتموا بمعرفة قومية او ديانه المسؤل قدر اهتمامهم بسمعته وحرصه وكفائته.....وهذه البدع هي من نتاج الاحتلال وذيوله العفنة.
سياسيون شرفاء
قرأت وسمعت ان الملك او رئيس الوزراء لايستطيع ان ينفق فلسا واحدا خارج حدود صلاحياته التي عادة ماتكون صفرا وروى لي احد قادة تلك المرحلة ان الملك كان يقدم على سلفه اذا اراد ان يصلح شئ عاطل في بيته او للحصول على حاجة خاصة لعائلته،ولم يثبت ان أي من الذين حكموا العراق قبل الاحتلال 2003 ان لديهم اموال او قصور داخل العراق وخارجه ،فالدوله ايا كانت جمهورية او ملكية كانت تطبق قانون من اين لك هذا ؟وكان جميع موظفي الدولة مجبرين على ان يقدموا سنويا معلومات تحريرية عن دخلهم وكانت هذه المعلومات تدقق وان اكتشفوا معلومات ليست دقيقة فسيكون الحساب عسيرا.....وبعكس هذه الصورة النظيفة لدولة العراق بالامس نلاحظ ان من تم توليتهم حكم البلاد وامور العباد سرقوا الاخضر واليابس وهناك اكثر من تريلونين من الدولارات اختفت بقدرة قادر وان ارصدتهم بالمليارات والملايين والقصور والفلل والاحياء ،ويخرج علينا احد كبار اللصوص بكل صلافة ويدعي ان كل مايقال عنه وعن امثاله هي دعايات من الخصوم ومن النظام السابق!!!!!
نوري السعيد والدولة
في عام 1989 عندما كنت اعمل على انجاز اطروحتي للدكتوراة طرق سمعي عودة السياسي العراقي المخضرم خليل كنه (الذي كان الشخص الثاني بعد عبقري السياسة نوري سعيد باشا في حزب العهد وعمل معه في فترات تسنمه رئاسة الوزراء )حيث وجهت له الدولة الدعوة للعودة الى بلده العراق بعد عقود من الزمن في القاهرة بعد تغيير 14 تموز 1958وتم تخصيص شقة راقية له في مجمع الصالحية ..ورغم ان اطروحتي ربما لاعلاقة لها بخبرات وتجارب (المرحوم خليل كنه) الا انني ولكثرة ما كان يدور في اروقة ودهاليز المهتمين بالتاريخ السياسي الحديث للعراق الذي كان لنوري باشا دور مميز وكبير ،قررت ان ازور المرحوم خليل في شقته وفعلا استقبلني بشكل رائع وجلست معه ساعات طويلة نتذاكر بالاوضاع التي كان عليها العراق قبل تموز 1958 ولا اريد هنا ان اسطر كل تفاصيل ذلك اللقاء بل سأورد فقرة واحدة لها علاقة بصلب هذا المقال وهي عبارة عن اجابة لسؤال وجهته لخليل كنه وهو(اذا كان نوري السعيد يهيمن على المشهد السياسي وعلى الدولة في العراق،لماذا لم ينحي الملك ويستلم السلطة ويتخلص من الوصي عبد الاله الذي كان نوري السعيد يمقته بشدة؟!) فأبتسم وقال انا سألت نوري السعيد نفس هذا السؤال وكانت اجابته ان سبب ابقاء الملك هو ان العراقيين يحترمونه لاسباب عاطفية ودينية لانهم هاشميون ،وان الشعب العراقي صعب المراس ولايمكن ضبطه وفيه بعض منهم مثل كائنات السبتتنك وكان الملك مثل غطاء هذا السبتتنك).
خراب الذمم
من الخصائص والسمات التي تلفت الانتباه في الانظمة التي حكمت العراق قبل نيسان 2003 ان العفة والنزاهة والاخلاص للوطن والشعب هي السمة المشتركة في كل اركان المجتمع العراقي وبدا وضحا ان طبيعة النظام الذي يحكم تنعكس على كل مكونات المجتمع والدوله ولذلك عندما تكون الدوله نظيفة وسليمة التكوين تعمل بتفان واخلاص وتبعد عن اجهزتها كل الذين لايتحلون بالاخلاق الفاضلة والنزاهه وتعتمد الكفاءات الوطنية المخلصة فأن ديدن الشعب بكل مكوناته سيتحلى ويلتزم بهذه الخصائص، ولذلك كانت الدولة تحصن منتسبيها وتوجههم بشكل مستمر وتعمق فيهم حب الوطن والشعب والاخلاص لهما وتنبههم قبل ان يرتكبوا المعاصي، مثلما تحرص على محاسبة أي مسيئ بتنفيذ القوانين ،ولذلك لم تظهر في تلك الحقب جرائم الفساد والرشى وسرقة المال العام ،كما لم يشهد العراق طيلة الفترة من 1921 حتى 2003 انتشار المخدرات والانحدار الاخلاقي وجرائم الجنس ، وكارثة العنف والبطالة والفقر فحسب بل ومنظومة القيم والأخلاق والأعراف والتقاليد وفقدان الثقة بالمجتمع وانسلاخ المواطن عن مواطنته اضطراب القيم الأسرية والضوابط الاجتماعية و نسب الطلاق مرعبة وتخلف وتراجع المؤسسات التربوية والتعليمية وعمليات الاغتيال للعلماء والكفاءات واساتذة الجامعات،ناهيك عن التفكك الوطني بألمقاييس الطائفية السياسية والعرقية القومية العلنية والمبطنة،التي تمارس علنا من قبل السلطات التي فرضها الاحتلال على الشعب العراقي، فما معنى ان رئيس وزراء نصبه الاحتلال يتنازل عن محافظات بعينها لكرهه لاهلها واتهامهم بأنهم قومجية او أن انتمائهم الطائفي لايروق له او يتبرمك بمحافظة اخرى كعربون محبة لحلفائه من اجل دعمه في ولاية جديدة،او رؤساء وزراء لايعرفون من اين تأتي مياة دجلة والفرات، وآخر يلغي ويزيل من كل التاريخ البشري معلومات حفظتها امم وشعوب العالم من ان العراق هو اقدم حضارة عرفتها البشرية،منذ اكثر من عشرة الاف سنة قبل الميلاد، ونحن من اخترعنا الكتابة والعلوم واخترعنا الصابون والعطور ووووووالخ،فهل يصح لمثل هؤلاء الجهله والحاقدين والمرضى والفاسدين والقتلة ان يتناوبوا بأرادة المحتلين على حكم اذكى واغنى واكرم شعوب الارض ، أليست هذه اكبر جرائم العصر؟.
اللا دولة بعد الاحتلال
اصبح العراق أخطر بلد في العالم، فيه أكبر عدد سجون ومعتقلات في العالم هذا طبعا عدا السجون السرية التي لايعرف عنها احد، نسبة التعذيب في المعتقلات الحكومية والتابعة للمليشيات 100%، استمرار الاعتقالات العشوائية،اكثر من ربع العراقيين أصبحوا لاجئين داخل بلادهم وخارجها، اربعة ملايين أرملة و خمس ملايين يتيم و500 ألف مشرد ،أكثر من 70% من بنات ونساء العراق أصبحن خارج نطاق التعليم،ظاهرة بيع النساء والاطفال،تجارة الاعضاء البشرية،عودة الامية بعد ان تم انهائها قبل 1990،انتشار الاوبئة والامراض بشكل غير مسبوق لاسيما التي سبق للعراق ان تخلص منها قبل 2003 ومنها الايدز الذي لم يكن موجودا بين العراقيين وتشير التقديرات الى ان عدد المصابين تجاوز مائتي الف مصاب،العراق صنف عالميا بأكثر دول العالم فسادا ولا يتوفر فيه ابسط مقومات الامن والامان، أن نسبة 78% من العراقيين يفتقر إلى ماء الشرب النظيف، وان نسبة 47 % تعيش على اقل من دولار واحد في اليوم الواحد، وان نصف السكان يحتاجون إلى مساعدات طارئة،وان نسبة كبيرة من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر وسوء التغذية بل وانعدامها
ومقابل كل هذه الكوارث التي خلقها الاحتلال ودولته المتهرئه المنحلة نلاحظ حدوث تشظي سياسي واجتماعي خطيرين في العراق إذ وصل عدد الكيانات السياسية إلى 550 كيانا وحزبا ووجود 11400 منظمة مجتمع مدني، و126 شركة أمنية بجانب 43 جهاز ميليشيا مسلحة تابعا للأحزاب السياسية والدينية، و220 صحيفة وجريدة ممولة من قبل جهات خارجية، ووجود 45 قناة تلفزيونية تابعة لجهات حكومية وشخصيات سياسية ودينية ورجال أعمال وإعلاميين، و67 محطة إذاعية، والقسم الأكبر منها يتم الصرف عليها من قبل أجهزة مخابرات ودول أجنبية.
اين كانت دولة العراق واين اصبح حاله؟؟
2030 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع