الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
المخدرات وحكم الإسلام فيه
يقصد بالمخدرات المواد الطبيعية والكيميائية التي تؤدي إلى خدر الجسم والعقل . وغالبية هذه المواد قد تؤدي إلى الإدمان بحيث لا يستطيع متعاطيها أن يستغني عنها ، وإلا أصيب بأضرار مختلفة قد تصل إلى الموت وخاصة عند التوقف المفاجئ لمن اشتد الإدمان لديه .والعقاقير التي تسبب الإدمان كثيرة لا يتسع الوقت لذكرها جميعاً، ويمكن تصنيفها بإيجاز إلى (1 - عقاقير منشطة 2- عقاقير مهبطة 3- عقاقير مهلوسه 4- عقاقير مخدرة ) .
وبعض هذه المواد قد يؤدي إلى السكر أو غياب العقل أو يؤدي إلى لون من التخيل وتصور أمور لا وجود لها ، فإذا ما انتهى تأثير المخدر، شعر المدمن بحالة من الاضطراب وعدم الاستقرار والكآبة والتوتر ويظل في تدهور وتوتر بل إن أجهزة الجسم تتأثر جميعها ، وذكر بعض الباحثين أن مدمن المخدرات ( ميت يمشي على الأرض) وما ذلك إلا لما تخلفه المخدرات حتى يصل الإنسان إلى درجة الإدمان ، من جسد محطم وقوة واهية وأعصاب تالفة وخلق منحل ، والويل كل الويل لمن انقطعت عنه الجرعة التي تعودها ، فيهون عليه الشرف وتسوغ له الجريمة . فيرتكب جرائم عديدة للحصول على العقار المخدر أو على المال لشرائه ، وكما ذكرنا في حلقة سابقة إن استعماله عن طريق الوريد يؤدي إلى انتشار أمراض خطيرة مثل التهاب الكبد الفيروسي ، ومرض فقدان المناعة المكتسب ( الإيدز ) .
ونتيجة لتفشي استعمال الأدوية المخدرة بين الشباب في أوربا وأمريكا سمعنا ونسمع عن الكثير من الانحرافات والكوارث الاجتماعية والخلقية .
أنواع المخدرات : لا يستخدم في الطب لفظ المخدرات Narcotics إلا على الأفيون ومشتقاته فقط . وتستخدم منظمة الصحة العالمية تعريف الاعتماد ( أو الإدمان ) على العقاقير
Drug Dependens أو تعبير سوء استعمال العقاقير Drug Abuse والمقصود من ذلك سوء استعمال العقاقير التي يمكن أن تؤدي إلى الاعتماد ( الإدمان ) النفسي أو الجسدي أم كليهما معاً
الاعتماد ( الإدمان ) النفسي : يسبب لدى المتعاطي رغبة نفسية قوية للاستمرار في تعاطي عقار معين ، قد تصل إلى درجة القهر ، بحيث تفرض على المتعاطي البحث عن العقار قبل البحث عن الطعام أو أي مطلب آخر .
وقد يسبب هذا العقار بالإضافة إلى القلق والتوتر والكآبة وعدم النوم والصداع الشديد رعشة خفيفة في اليدين . ومن أشهر أمثلة العقاقير المسببة للاعتماد ( الإدمان ) النفسي : النيكوتين في التبغ ، والحشيش ( الماريونا ) ، وجوزه الطيب ، والأمفيتامين ، والكوكائين ، والقات الذي يسبب اعتمادا نفسياً خفيفاً .
الاعتماد ( الإدمان ) الجسدي : إن الاعتماد الجسدي على بعض العقاقير ومن أشهرها ، الكحول ، الباربيتورات ، الأفيون ومشتقاته مثل المورفين ، والهيروين ، هو من أخطر الظواهر التي ترتبط بسوء استخدام العقاقير . وإن الامتناع عن تناول العقار المعين يؤدي إلى ظهور عوارض جسدية خطيرة لا يتسع وقت الحلقة لسردها جميعاً ، وقد تؤدي نوبات سحب بعض العقارات إلى وفيات تصل إلى 25 – 30 % إذا لم تعالج .
أما الأمراض التي تنتشر لدى المدمنين على المورفين والهيروين فهي باختصار ( الإيدز ، التهاب الكبد الفيروسي من نوع B ، التسمم الدموي الميكروبي - ونتيجة لذلك التهابات في مختلف أجزاء الجسم - ، الزهري ، الكزاز ، وأخيراً التسمم الحاد أو المزمن بالمخدر ) .
تحريم المخدرات في الإسلام : وإذا كان من أبرز الأسباب التي تدفع الفرد إلى المسكرات أو المخدرات ما يعانيه من التوتر والقلق أو الضيق وفقدان الثقة بالنفس ، والشعور بعدم الأمان ، فإن الإسلام قد جنب نفس المؤمن هذه الأمراض ، كما أن كل داء يعود سببه إلى عدم التكيف الاجتماعي قد خلّص الإسلام منه نفوس المسلمين ، لذلك لم يبق أمام العلاج إلا أن يعود المرء إلى الإسلام يلتمس في رحابه الهداية إلى أقوم وسيلة للتخلص من الأمراض .
وتحريم المخدرات في الإسلام أمر قديم ، وإن سبقه تحريم الخمر ، ولا شك أن ظهور الحشيش في أواخر المائة السادسة بعد الهجرة هو الذي حرك العلماء والفقهاء لإصدار الفتاوى فيها ، وهي مجمعة على تحريمها .
فالمخدرات قاطبة حرمها الإسلام ،فقد ورد عنه أحاديث كثيرة في هذا الباب من ذلك قوله
(( كل مسكر خمر وكل خمر حرام )) أخرجه الشيخان وأبو داؤد . وقوله أيضاً (( ما أسكر كثيره فقليله حرام )) أخرجه أبو داؤد والترمذي .
وهكذا أكدت هذه الأحاديث الشريفة إلى أن أي مادة ( قلت أو كثرت ) تسبب الإسكار لها حكم الخمر الحرام ، أما المواد التي لاتسبب الإسكار وتسبب التفتير والخدر فلها حكم مشابه من ناحية التحريم ، في قول الرسول (( كل مسكر خمر وكل خمر حرام )) ، وفي حديث أم سلمة
(( نهى عن كل مسكر مفتر)) فالمسكر والمفتر حرام أيا كانت المادة التي استعملت سائلة أو جامدة ، مطبوخة أو غير مطبوخة ، عن طريق الفم ، الأنف ، أو الحقن أو غير ذلك من الوسائل المختلفة وهذه الأحاديث صريحة في التحريم لاعتبار المخدرات مواد مسكرة لا يباح للمسلم أن يتعاطاها .
فالإسلام استطاع عن طريق الإيمان الذي بثه في النفوس أن يزيل العوامل العديدة التي تدفع بالإنسان إلى تعاطي الخمور والمخدرات وغيرها من الموبقات والآثام .
والإسلام عن طريق التشريع يجفف منابع الشر ويقظي عليها ، ويردع المتاجرين
والمروجين ، ويصلح أجهزة الإعلام التي تنشر الفساد ، وأجهزة الفن الرخيص والإباحية التي تدعو سراً وجهراً للرذائل والموبقات . والإسلام يمنع بعد ذلك – إذا طبق – هذا التناقض والثنائية في إجراءات كثيرة من الدول التي تسمح بالخمور وتمنع المخدرات .
التداوي بالمخدرات : الذي هو تداوي بالمحرم والإسلام يدعو إلى المداواة ويرفض أن يكون التداوي فيما حرمه فيقول (( يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء )) وفي رواية (( وإن الله عز وجل لم ينزل الداء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه وجهله من جهله )) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة ، ففي الحديث حث للإنسان أن يجتهد في الوصول إلى معالجة الأمراض من جذورها ومنابعها الإنسانية وعدم اللجوء إلى العقاقير المخدرة لأنها تزيد الطين بلة وتنقل المريض من سيئ إلى أسوأ .
وإذا كان ثمة استعمال للمخدرات طبياً فإن ذلك لا يتجاوز مسألة تسكين الآلام العضوية الشديدة التي لا يفيد معها الأدوية المسكنة الأخرى عند إجراء العمليات أو نوبات القلب الشديدة أو مرضى السرطان الذين يعانون من الآلام المبرحة أو حالات أخرى يصفها طبيب مسلم موثوق فيه وبالقدر الذي يحتاجه المريض فقط .ويدخل استعمالها هنا في باب الضرورة في الشريعة الإسلامية، وسد الذريعة إلى تفاقم الحالات المرضية المفضية إلى الموت .
أما استعمال المخدر للصداع …. أو المغص …. أو لمجرد الانسجام أو التخلص من أزمة نفسية طارئة ، فهذا مخالف لقواعد الطب إضافة لكونه مخالفة دينية .
1- علوان ، عبد الله ناصح : تربية الأولاد في الإسلام ، الجزء الثاني ، دار السلام للطباعة والنشر ، بيروت
2- للمزيد من التفصيل يراجع ، البار ، د. محمد علي : المخدرات الخطر الداهم ، دار القلم – دمشق 1988 .
3- عبد الرحيم ، شكر محمد : دراسة حول المخدرات فيضوء التوجه الإسلامي ، مجلة رسالة الخليج العربي ، العدد 14 – السنة 1985 . .
4- الكيلاني ، د. نجيب : في رحاب الطب النبوي ، بحث قدم للمؤتمر العالمي الأول للسيرة والسنة النبوية . .
1302 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع