د. اسعد الامارة*
الخوف والتفكير فيه يقودان إلى الموت
الخوف Fear في موسوعة علم النفس والتحليل النفسي تعبير عن المخاوف الشائعة في مجتمع من المجتمعات، أو لدى أفراد هذا المجتمع، أو الخوف من هذا الشيء أو ذاك عمومًا، أما "مكدوجال" فيراه إنفعالا أوليًا نتيجة لمثير خطر، وفي هذا الصدد نتحدث عن الخوف والتفكير فيه لدى مرضى السرطان، أو لدى المصاب في فايروس كرونا، أو عند التفكير في إجراء عملية جراحية كبرى، هذا الخوف يخلق الوسواس الحقيقي، وسواس لاسع وشرس ولا يرحم حتى وإن لفوه بلغة المعتقد مثل التعاويذ أو الآيات من الكتب السماوية أو التراتيل الدينية، هو في الحقيقة جهد يتعذر أن يُذلله الخائف المذعور، لا يجرء على التركيز في القراءة، ولا على رؤية أي وجه بوضوح، أو ينصت للاستماع أو للارشاد أو التوجيه لغرض رفع المعنويات، إن صاحبه يشعر بفراغ في دماغه، مثل حال المكتئب، إنه عاجز عن لملمة أفكاره، ففكره تملؤه الضبابية والذهول، والذهول هنا Stupeur هو توقف الفاعلية الجسمية والنفسية، فالوجه متجمد والنظرة كئيبة، ولا يبدي الفرد أي إستجابة تصدر عنه ولا عن الذكاء، فالجمود تام، ويحتفظ الفرد بصمت عنيد ويرفض كل طعام في بعض الاحيان كما يقول "بيير داكو" .
الخوف في هذه المقالة ليس المخاوف المرضية Phobia أو ما يعرف باللغة العربية الرهاب، والمعروف عن الرهاب أنه الخوف من أشياء محددة ومعلومة مثل الخوف من الحيوانات الأليفة كالقطط والكلاب والزواحف وهي أكثر موضوعات الرهاب شيوعا كما تقول المحللة النفسية "هيلين دويتش" ، أو الخوف من الأماكن المغلقة أو الفسيحة، أو الأماكن المرتفعه العالية. نحن هنا بصدد غريزة أو لنقل الميل أو حاجة إن صح القول لمواكبة تطور علم النفس الحديث الخوف لدى الإنسان والكائنات الحية الاخرى، وتؤكد الادبيات النفسية أن الخوف حالة نفسية وميل طبيعي موجود في أعماق نفس الإنسان يستطيع التعايش معه والتكيف معه في مختلف الظروف وفي مختلف الأوقات، لكنه يصبح منهك للطاقة النفسية ويحول إيجابية الطاقة إلى سلبية قاتمة وسوداوية.
وهنا تقودنا هذه السطور لرأي فيلسوف التحليل النفسي الفرنسي "جاك لاكان" قوله التفكير العلمي ليس سوى الفكر الرمزي وقد أختزل خياليه إختزالا كليًا، لم يكن ثمة من فكر سوى الفكر الرمزي، ونستعير منه أسلوب التفكير بالشيء ونوعه أكان علميًا أم التفكير بالخوف فهو ليس إلا التفكير الرمزي بالشيء، وهنا الشيء هو الخوف من الموت، والفناء وانتهاء الحياة كوجود، ولكن تساؤلنا يبقى يطرق الذهن مستندين في ذلك برأي "ليفي ستروس" حينما يعبر بقوله: الفعالية الرمزية : إذ تدل على فعل الرمزي في المادة الجسدية، وهو ما نحاول أن نبسطه أكثر في كيفية فعل التفكير بالخوف وإنهاك الجسد واختلال العقل وفقدان السيطرة على كل ما يتعلق بالوجود المادي، هنا يبرز الدال بالمدلول، فكر "لاكان" وهنا نضيف بقوة التفكير ودلالته الرمزية من خلال الكلمات التي لا يستطيع أن يبوح بها الفرد خجلا، أو رفضا، أو استحياءًا فيهرب إلى ميكانزم الانكار لرفض سيطرة فكرة الخوف من المجهول غير الواقعي، الخوف الذي مسك بزمام التفكير وعصف به وجعله يعكس تأثيره على الجسد، ويزودنا الفكر "اللاكاني" بفكرة مؤداها أن اللغة ليست نفسًا، أو كلامًا فحسب، نقول هي التفكير أيضًا وبالخوف بالمعنى الأدق أعني ذلك ، وترى الافكار اللاكانية برأيها: تقع الكلمات ضمن جميع الصور الجسدية التي تأسر الذات، وهي الفعالية الرمزية وهي سلطة الكلمات، ونقول أيضا ما يصدر من سلوك غير مرئي أو معلن عن نتائج التفكير بالخوف بصورته الرمزية، إنهاك نفسي، شعور بالإنهيار، يأس في القدرة على المواجهة، إضعاف قدرة المطاولة، ومن ثم الاستسلام للموت، وفي النتيجة يكون الموت ليس بسبب المرض بقدر ما هو من مضاعفات المرض وهو التفكير بالخوف وتحقيق الموت.
* استاذ في علم النفس
* عضو رابطة الفضاء الفرويدي الدولي- باريس
* عضو مركز دراسات الاصباح للدراسات الحضارية - بوردو – فرنسا.
3136 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع