ذاكرة البصرة - محلة رواسة الداكير: ارصفة وأسياف حبوب

                                                 

                          مهدي نمر الكناني

   

ذاكرة البصرة - محلة رواسة الداكير : ارصفة وأسياف حبوب

* / كانت الرواسة تتكون من عدد من جراديغ للتمور واسياف للحبوب والمعامل ،وهي من جهتها الغربية تتبع إلى القشلة ومن بقية الجهات الى الداكير /

**/ بني بيت كريك على طراز بيوت الريف الانكليزي ويعود للمواطن البريطاني نورمان كريك.وتحيط به الزهور من كل مكان /

 

                       بقايا منطقة رواسة الداكير

الرواسة شبه جزيرة ،في موقع رائع . وهي مؤلفة من التقاء ثلاثة انهر هي الداكير والخندق وشط العرب .والمنطقة السكنية فيها كانت تتكون من 48 دارا ،تقطعها ثلاث (درابين) لاتتسع الواحدة منها لمرور سيارة صغيرة،إضافة إلى شريط من البيوت على طول نهر الداكير. وكانت الرواسة تتكون من عدد من جراديغ للتمور واسياف للحبوب والمعامل ،وهي من جهتها الغربية تتبع إلى القشلة ومن بقية الجهات الى الداكير .

يحدها من الغرب شارع الاحرار(الملكة عالية سابقا) والذي يربط بين جسري المقام والخندق. ومن الشمال نهر الخندق والشرق شط العرب ومن الجنوب نهر الداكير(والذي كانت مياهه عذبة طالما كنا نسبح ونتصيد السمك فيه) .وقد أزيلت المنطقة تماما عام 1977, وبني مكانها كراج القرنة الحالي وعلاوي المواد الغذائية.
جاءت تسمية (الرواسة) من رؤوس سنابل الحبوب مثل الحنطة والشعير ، والتي كانت تصفى وتعزل في المنطقة بواسطة الغرابيل (وهي الة يدوية العمل ،تقوم بعزل الحبوب عن رؤوس السنابل حيث تستعمل هذه الحبوب كعلف للحيوانات) وكانت هذه الرؤوس تغطي ارض المنطقة ،بحيث ترتفع هذه الأرض كل عدة سنوات ،بسبب طبقات هذه الرؤوس التي تتطاير من الغرابيل أثناء عملها.

بم ارتبطت الرواسة ؟
وهناك حالتان تردان في بال أهالي المناطق الأخرى عند ذكر الرواسة . اولاهما : التهريب ، حيث كانت هذه المهنة الأساسية لأغلب أهالي المنطقة، مثل تهريب الشاي والسكائر الأجنبية و بالات الملابس المستعملة والمشروبات إلى ايران والتي كانت تجلب من الكويت . وتهريب (الكعيبر) من ايران. والكعيبر كلمة تطلق على الإيرانيين والافغان المهاجرين إلى العراق والخليج للبحث عن العمل ولكن بدون جوازات سفراو أوراق رسمية.
والحالة الأخرى التي تأتي في البال ،هي اعتقاد البعض أن أهل الروس (وهذه تسميتهم الدارجة) ، إنما هم أهل مشاكل وعراك . ولكن في الحقيقة أن أغلب مشاكلهم كانت مع رجال الجمارك والقوات الأمنية وأفراد حزب البعث. ومثال على ذلك المرحوم فياض الفياض الملقب (حنتاو) والذي يعد من أشقياء البصرة. فهو لم يدخل في نزاع او مشكلة مع احد من أبناء المنطقة او الناس المسالمين ،إنما كانت مشاكله مع القوات الأمنية وأشقياء البصرة إضافة إلى ضباط وحدته العسكرية ، وبالفعل فقد قتله احد افراد الانضباط العسكري وهو في العشرينات من عمره.
وجوه
من شخصيات المنطقة الممثل الرائد كامل الازرقي (الخال في تحشيشات محمد قاسم) ورجل الأعمال المعروف المرحوم جبار شغيت (صاحب فندق مناوي باشا.) وفي الجهة الأخرى من شارع الأحرار كانت هناك دربونتان الأولى نسميها (دربونة الصبة) حيث كان يسكنها أصدقاؤنا الرائعون من الصابئة الذين كانوا إضافة إلى المسيحيين ،زهرات المنطقة الفواحة.، والأخرى نسميها دربونة (حجي جاسم) ،حيث كان يسكن الشاعر والموثق والمترجم حيدر الكعبي. وفي المنطقة كان هناك مخبزان للمرحومتين أم عباس وام طالب. كذلك كان هناك الحلاق الشعبي اليهودي (حنوف) والذي تجاور محله مجموعة محلات حدادة المساحي والمناجل والكواريك الحديدية( جمع كاروك) مثل الحداد عباس ابو راضي وكاظم ابو جواد. وغيرهما. كذلك كان هناك حسينية وجرداغ حجي جيتا والذي تحول بعد إعدامه في نهاية الستينيات إلى احدى علاوي المخضر والرقي والبطيخ(عشر) بعد تهديم العشر السابق على نهر العشار لبناء عمارتي الزيوت والجنسية.
كذلك كان هناك معمل نجارة الاسطة حجي وهيب (والد المخرج الكبير محمد وهيب) والذي يتميز بسدارته البغدادية وتعامله الرائع مع الزبائن واهل المنطقة. وكذلك هناك طاحونة عبد السلام الرمضان لطحن التوابل ،والتي كانت رائحتها تعطر المنطقة .وكذلك اسياف عبد المحسن العاتي التميمي ونمر الكناني وعبد السلام الرمضان والحاج شغيت منصور (والد جبار شغيت) وشقيقه الحاج عاتي وبيت الذكير وسيف جمعة العبادي وبيت المهيدب وجاسم النجدي. وكذلك اندروير(هندرويت حسب التسمية الدارجة) وبيت داود جوري. وعلى طول شارع الاحرار على الجهة اليمنى كانت هناك عشرات من محلات خياطة اكياس الجنفاص لإكساء الحلانات التي تصنع من خوض النخيل ليعبأ بها التمر الزهدي الذي يصدر إلى الخارج. وعلى امتداد الجهة اليسرى كانت هناك محلات بيع الأسمنت والأخشاب، مثل محل عواد الحاج حاتم صاحب فندق المربد ومحلات بيت السلمي. وكذلك كان هناك فندق الكوثر والذي كان يزهو بزبائنه الكويتيين والخليجيين ، والذي تحول الان إلى خرابة ومكانا لخزن البضائع . وعند مدخل المنطقة كانت هناك ساحة كبيرة للعربات التي تجرها الخيول لنقل البضائع ، والتي تستخدم في العيد لنقل وترفيه الأطفال
بيت كريك
يستحق بيت كريك أن نخصص له مكان في هذه المقالة .لكونه تحفة معمارية ويقع في شبه جزيرة زاويته الجنوبية مقدارها صفر تقريبا. وقد بني بيت كريك على طراز بيوت الريف الانكليزي ويعود للمواطن البريطاني نورمان كريك.وتحيط به الزهور من كل مكان.ويقع في الجانب الشرقي لنهر الخندق (بيت أصفر)وكريك هذا جاء مع اول دخول للإنكليز للعراق،فأحب البصرة وأهلها واحبوه.وعمل في شركة نفط البصرة وفي التجارة. وكان يقطع المنطقة يوميا ذهابا وايابا مشيا على الأقدام، وكان الأطفال ينادونه بـ هلو كريك فيقوم بأعطاء كل واحد منهم خمسة او عشرة فلوس. وكان ابنه جارلس نورمان كريك صديقي وزميلي في الصف في متوسطة المربد. وكثيرا ما اخذني معه لبيتهم التحفة. وقد وصف الأستاذ احسان وفيق السامرائى البيت بقوله: " انه تحفة تجتمع حولها الأزهار والغابات الاستوائية لتكون غاليري مفتوح على الهواء، يجتمع عليه التشكيليون الأوروبيون ليرسموا الفضاء الأخضر."
وعند هجرة كريك في السبعينات ،سكنه سيد مهدي الموسوي ،صاحب محلات المواد الزراعية. وقد غدا اليوم اطلالا.! وهل يمكن أن ننسى بيت زاير هادي الشويلي وهو عالم اجتماعي كبير ،و والد الفنان الرائد الأستاذ صالح الشويلي النقيب الأسبق لفناني البصرة.او بيت بدر اللعيبي(ابو هلال )السابق قبل أن يسكنه عبد الواحد الكشاف ،او بيت خضير الماطورجي، شقيق الفنان الكبير محمود ابو العباس.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1040 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع