حمزة مصطفى
حين انتهيت من قراءة كتاب الصديق الاستاذ صبري الربيعي "اوراقي في الصحافة والحياة" الصادر عام 2013 عن مؤسسة البركة للنشر والاعلان وجدت اني كما لو كنت اتعرف على الربيعي من جديد بالرغم من ان علاقتي به تعود الى اواخر عام 1974 عندما بدات اولى خطواتي في الصحافة في جريدة "صوت الفلاح" حيث كان يعمل.
واذا كانت تلك هي محطتي الاولى فانه كان قد تنقل في عدة صحف ومجلات فضلا عن الاذاعة والتلفزيون منذ اواسط الستينات على الاقل. ربطتني به وبزملاء اخرين علاقة لاتزال تمثل محطة هامة من محطات حياتي المهنية والشخصية لاسباب يطول شرحها وربما تحتاج هي الاخرى الى كتاب.
مايميز كتاب الربيعي هو انه مزيج من وقائع حياتية شخصية وعامة سياسية وصحفية ذاتية وموضوعية فيها الكثير من الصراحة وربما الجراة في تناول احداث ومواقف ومراحل من تاريخ العراق وشخوصه ورموزه على الاقل في مرحلتين فاصلتين من تاريخه الحديث وهما مرحلة ما قبل عام 2003 وهي الاهم والاطول والاغنى ومرحلة ما بعد 2003. اللافت للنظر ان الربيعي توقف امام المراحل والمحطات التي حقق هو فيها شيئا يعتز به بصرف النظر عن الموقف من هذا الشخص او ذاك او حتى النظام الذي يمثله. فالرجل كان منصفا حين تناول علاقته المهنية والشخصية مع لطيف نصيف جاسم وزير الاعلام والثقافة الاسبق والذي يقضي عقوبة السجن حاليا مدى الحياة. كما تناول الربيعي وبكل وضوح وصراحة علاقته مع خير الله طلفاح وكان امينا وصادقا في السرد والتحليل.
ومع ان الربيعي تطرق الى جوانب مختلفة من حياته الصحفية والشخصية نجاحا وفشلا فانه كان صحفيا حتى في الزراعة وتربية المواشي. كما بقي صحفيا حتى وهو يمارس التجارة. والاهم انه لم يضيع احدى "المشيتين" وهي الصحافة التي لم يغادر أي محطة من محطات قطارها بينما ترجل من محطات اخرى مزارعا وتاجرا وقبلها ممثلا مسرحيا وبالتالي بقيت الصحافة هي "المشية" التي اختتم بها حياته المهنية الطويلة على شكل عصارة فكر وموقف للاجيال الجديدة. وفوق هذا وذاك فان اوراق صبري الربيعي محطة مهمة من محطات الصحافة العراقية لانها وان بدت سيرة ذاتية لشخص افنى عمره في سبيل هذه المهنة فانها سيرة موضوعية لمرحلة هامة من تاريخ العراق تاريخا وثقافة وتحولات سياسية ووقائع ومواقف واشخاص.
وفي هذه المناسبة ادعو كليات الاعلام لدينا الى الانتباه الى مثل هذه الاسفار الهامة للصحفيين الرواد حيث كتب قبله الزميل زيد الحلي تجربته الصحفية التي تمتد هي الاخرى لاكثر من خمسة عقود. وكذلك محسن حسين وربما اخرين بينما راحت هدرا ذكريات زملاء اخرين لم يدونوها لاسباب مختلفة الى ان تضع نصب عينيها مثل هذه التجارب سواء بجعلها مادة دراسية , او التعاقد مع هؤلاء الرواد من اجل تقديم خلاصة تجاربهم للاجيال الجديدة على شكل محاضرات. والدعوة نفسها موجهة الى نقابة الصحفيين في ان تقيم دورات مستمرة للصحفيين الجدد تكون احدى اهم موادها الدراسية مذكرات وذكريات هؤلاء الرواد الذين اضاءوا لمن جاء بعدهم دروب الحياة ومازالوا شبابا وهم في ريعان شيخوختهم ولمن يزعل منهم .. كهولتهم
880 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع