الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
عرب وين وطنبورة وين؟!
في كل يوم يمر علينا كعراقيين منذ نيسان 2003 تزداد معاناتنا ومآسينا ونحن نتابع التراجيديا والفوضى التي اصبحت تلازم كل لحظة من حياتنا وهي فعلا يمكن تلخيصها بالمهزلة الكبرى مع الفارق ان الفلم العراقي المميز (المسألة الكبرى) الذي تناول حقبة من تاريخ العراق الوطني المعاصر واخرجة محمد شكري جميل كان صناعة ابداعية درامية عراقية بأمتياز بعكس المهزلة الكبرى التي نعيشها التي هي رواية وسيناريو واخراج امريكي بريطاني صهيوني فارسي، يؤديها بغباء متقن!! مجموعة من العملاء والذيول الكومبارس الطفيليين الذين أعدتهم مطابخ مخابرات هذه الدول ليكونوا الاداة الطيعة للتنفيذ الحرفي لتدمير العراق وتحطيم شعبه وجعله يدور في فلك التخلف والفقر وفقدان الهوية بعد ان كان قاب قوسين او ادنى من ان يكون واحد من 16 دولة متقدمة في العالم في عام 1998 وفق تقديرات المخابرات الامريكية والصهيونية.
أعجبتني الطريقة الذكية التي تعاملت بها الجهات القانونية الفرنسية مع الشاب الذي صفع الرئيس الفرنسي وكانت التهمة ( الاعتداء على موظف عام ) وقد اطلق سراحه ،والكل يعلم ان اغلب القوانين المعاصرة المعتمدة في دول كثيرة مستنبطة من القوانين الفرنسية الحالية، أي ان الدول التي اخذت او استوحت قوانينها من الفرنسين حري بهم ان يطبقوا القوانين بطريقة مشابهه،لا ان تكون عمليات التطبيق انتقائية مزاجية سياسية مصلحية واسلحة تستهدف الخصوم والمعارضين كما يحدث في العراق المحتل ، لم توجه للشاب تهمة محاولة اغتيال الرئيس، ولا محاولة تقويض نظام الحكم، ولا التآمر على فرنسا بالتعاون مع جهات أجنبية، ولا فزعت له قبيلته وطالبت برد الشرف وكوامة عشائرية يتبعها وفصل قد يشمل التضحية بالأطفال والنساء بل اختزلوا الحدث بتهمة اعتداء على موظف عام.
ومن علامات الفشل وعقم العملية السياسية التي اسسها المحتلين تحريك بعض المرتزقة من اغبياء القوم بين حين واخر لتوجيه الانظار بعيدا عن ما يعتري المجتمع العراقي من كوارث تزداد وطئتها على المواطن في كل يوم اكثر من سابقه ومنها القيام بممارسات متخلفة طائفية بغيضة كألتي عشناها في محاولة تحطيم وازالة تمثال مؤسس وباني مدينة بغداد العظيمة ابو جعفر المنصور ومحاولة الهجوم على مرقد العالم الاسلامي ابو حنيفة النعمان وقبلها بفترة ليست بعيدة علقوا صور كبيرة لمجرمي الحرب وقتلة العراقيين والسوريين واللبنانين واليمانيين في قلب منطقة الاعظمية ،الا ان المفرح المطمئن ان الشعب العراقي الواحد كان وسيبقى لكل ذيول الاحتلال بالمرصاد وسيقبر كل محاولاتهم مثلما اعد عدته للقضاء على العملاء والجواسيس والخونة والذيول ورميهم مع عمليتهم السيئاسية في مزبلة تاريخ العراق.
ان المخطط الامريكي البريطاني الصهيوني لم يكن هدفه تدمير العراق بل وتسييد النظام الحاكم في طهران عليه في وقت اعتقد كثير من الناس أن العراق سيتحول بعد احتلاله إلى واحة ونموذج للثقافة الغربية، وديمقرايتها المزعومة الا ان المفاجئات المفجعة من العراق المحتل مستمرة في كل يوم لاسيما بعد ان صطدم العالم بتحول العراق من بلد شعبه موحد متفتح العقول الى عراق ثيوقراطي تقوده العمائم الدينية المتخلفة وتحكمه مليشيات طائفية إيرانية بامتياز وبتنسيق كامل مع الاجهزة المخابراتية الأمريكية والبريطانية والصهيونية ، وهذا أمر لاينكره ساسة البيت الأبيض وصنّاع الرأي حيث أصبحت هناك صورة شبه يقينية متفق عليها بين هذه الدول وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك مسلّمة في المجال العسكري أن لا يسمح لأي دولة في المنطقة أن تتفوق على الكيان الصهيوني، وعدا هذا المطلب فأن لنظام الملالي في طهران مطلق الحرية في التفوق على كل الدول العربية مهما كانت علاقة هذه الدول بأميركا، بمعنى أن تسلسل القوة ينبغي أن ينحصر (بأسرائيل اولا وبالكيان الصفوي ثانيا) اما محاولات نظام الملالي الاقتراب من السقف (الإسرائيلي) فهو محظ جعجعة دعائية تخدم المشروع الاحتلالي للمنطقة العربية، كما لن يسمح لاي جيش عربي بمجرد التفكير بتجاوز سقف نظام الملالي في ايران، حتى لو كانت تلك الدول العربية ترتبط بتحالف مع واشنطن كمصر والسعوديةوربما نستذكر هنا اسباب احتلال العراق وحل جيشه الذي استطاع ان يتجاوز كل الخطوط الحمراء وانينتصر على جيش طهران وان يكون ندا قويا يضاهي قدرات الكيان الصهيوني العسكرية ،أما في المجال الثقافي، فقد فتحت كل المجالات والحريات لنظام طهران في نشر ثقافتها وتصدير ثورتها الدينية الطائفية، وليس على الصهاينة التدخل مطلقا في هذا المجال .
خلال الايام القريبة الماضية أجرت “القناة العبرية الـ12”، حوارا مطولا مع يوسي كوهين، رئيس جهاز المخابرات الخارجية الصهيونية (الموساد) السابق،هو الأول بعد تركه منصبه، وتضمن توجيه رسالة عاجلة إلى القيادات السياسية والعسكرية في إيران ،أوضح من خلالها أن العملية السرية الخاصة بالحصول على الأرشيف النووي الإيراني من قلب العاصمة، طهران، كانت تتضمن رسائل مهمة للإيرانيين ..وأكد يوسي كوهين أن إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في شهر أبريل/ نيسان من عام 2018، عن حصول بلاده على الأرشيف النووي الإيراني خلال عملية سرية، كان الهدف من ورائه عدة أسباب، تتعلق بالجانب الإيراني ،وأفاد كوهين بأن الرسالة تعني أولا، أن الإيرانيين مخترقون، وثانيا: نراكم، وثالثا: لقد انتهى عصر الكذب ،واعترف يوسي كوهين، بعملية اقتحام الأرشيف النووي الإيراني في قلب العاصمة، طهران، والذي كان موجودا داخل مقر في إحدى ضواحي طهران، واحتوى على أسرار المشروع النووي الإيراني، وكيف تم تهريبه رقميا إلى (إسرائيل)، حتى قبل خروج عملاء الموساد من مقر الأرشيف الإيراني نفسه ،وأن (اسرائيل) تقترح على علماء نوويين إيرانيين استبدال مهنتهم، بزعم الحفاظ على أرواحهم، حتى لا تتكرر واقعة اغتيال العالم النووي الإيراني، محسن فخري زاده، معهم.
ان السيناريو الذي استخدمه المحتلين على عراق ما بعد احتلاله في عام 2003 استهدف تفتيت الدولة وتفجير الكراهية بين ابناء شعبه الواحد وتدمير هيبة وهوية الشعب وقتل النساء والاطفال وتشويه طقوسهم ومناهج حياتهم ومحو تاريخهم وذاكرتهم، وهدم كل قيم التضامن وعلاقات الجوار والأحياء السكنية والمذاهب وبناء نظام الحواجز المادية والنفسية والدينية وسيطرة الارتيابية والخوف من الاخر وحرف وقلب المقاييس بحيث يصبح الشاطر جاهلاً لِإسكاته من قول الحقيقة ،والنبيل العفيف غبيا لأنه لا يشارك في الوليمة العامة والنهب، ويصبح اللص نموذجاً والشريف منحرفاً، وغيرها من التناقضات التي قلبت منظومه القيم الأخلاقية والسياسية السوية لصالح نقيضها ،ولم يعد للناس ما يحكمون به على بعضهم الا بالحقد والخوف والنقص والكراهية،وهي أعراض تدمير البنية العضوية للمجتمع وروابطه،
وزعزعة الاساس الداخلي للانسان.
ان مشاعر الاغتراب واليأس والكابة والقلق والمشاعر السلبية هي ظاهرة سائدة بين الناس الذين تنقلب أسس حياتهم بصورة عاصفة، ويشعر الناس الذين يعرفون بعضهم قبل سنوات انهم في الحقيقة غرباء عن بعض،ليس لأن هؤلاء خدعوا بعضهم كما يلوح في السطح ويتم كل ذلك من خلال تطبيق خطط منسقة تهدف تغيير نظرة الجميع للحياة والى تدمير الاسس الاساسية للمجتمع بوحشية مثل التضامن، الهوية، العائلة ، المؤسسات الاجتماعية ، وعي الذات، ليحل بدلا عنها الارتياب وسوء النية التوجهين السائدين لدى الناس ،فالتدمير المقصود للعراق وشعبه الذي ماتزال تقوم به الولايات المتحدة الامريكية وحليفاتها منذ عدوان 1991 وحقبة العقوبات الدولية وفي غزو العراق واحتلاله في نيسان 2003، شكل محاولة ابادة اجتماعية للشعب ومحو للدولة العراقيه رغم التاريخ الطويل لهذه الدوله وتعايش مكوناتها الاثنيه.
ان ما تحقق خلال 18 عاما ، من خراب ومن الحروب والدمار والارهاب والنهب وتغيير القيم والمفاهيم والمعتقدات وحتى كثير من سلوك الافراد التي جعلت نزعات الانفصال لاسباب اثنيه لاتثير أي رد فعل غاضب من الحكومه والشعب، ومصرع العشرات سواء بفعل الارهاب او الحرب ضد القاعدة وداعش امرا طبيعيا وكذلك الرشوه والسرقه والاستيلاء غير الشرعي على املاك الدوله، وتدخل الدول الاجنبية السافر بشؤون العراق، واقتطاع اراضيه ومياهه وتشرد الملايين من مناطق النزاع وهجره اكثر من مليوني عراقي خارج الحدود كيف تحقق هذا في ظل الديمقراطيه الامريكية في العراق ،وهي أعراض تدمير البنية العضوية للمجتمع وروابطه،وزعزعة الاساس الداخلي للانسان،وتحويله الى عاهه متنقلة، أو الى مخلوق ساخط ويتعرى سلوكاً ولغةً في الساحات والمنابر العامة بوهم أنه تحرر من كل القيود السابقة،في حين ان كل ماحدث وما يزال يحدث سوف ينهك قوانا ونحن نتصارع فيما بيننا ويتهم بعضنا الاخر بالعماله لتلك الجهة اوغيرها وتستنزف ثرواتنا وتستباح مئات الالاف من ابنائنا في حروب داخليه تمهد في مجملها لتمزيق الدوله والشعب العراقي وهذا هو جوهر مشروع الفوضى الخلاقة والشرق الاوسط الجديد .
2187 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع