الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
باحث في تاريخ الطب العربي الإسلامي
طبيب أطفال – الموصل / العراق
دور العرب والمسلمين في نشأة كليات الطب الغربية وتطور مناهجها الدراسية -الجزء الثاني
الجزء الثاني – كليات الطب في فرنسا :
لقد كانت كاطالونيا أيضاً مركزاً آخر لأشعاع العلم العربي وهي تشكل جزءاً من فرنسا الحالية وتعتبر مونبليه إحدى مدنها الساحلية التي كانت في البداية عبارة عن محطة صغيرة لقوافل المسافرين بين إيطاليا والأندلس ثم ارتفع شأنها في القرن الحادي عشر ، فشرع العلماء العرب أو المتحلين بالثقافة العربية يتدفقون إليها حيث وضعوا فيها أسساً لمعهد علمي عظيم وبذلك تحولت هذه القرية الصغيرة إلى مركز كبير للتجارة والعلوم والثقافة . ولما بدأت شمس المَدَنية العربية بالغروب عن الأندلس في القرن الثاني عشر بسبب التعصب الشديد الذي اتصف به ملوك الأسبان هجر عدد كبير من العلماء العرب بالأندلس قاصدين مونبليه لما كانت تتصف به من التسامح الديني وحرية التتبع العلمي وبذلك كان لهم الفضل في رقيها ، نقل لوسيان لوكليرك عن كتاب تاريخ الفكر في فرنسا Histoire Litteraire dele France هذه الفقرة " في النصف الثاني من القرن الثالث غادر عدد من الأطباء الإيطاليين وطنهم في أعقاب الفتن التي نشبت ….. ولجأوا إلى فرنسا حاملين معهم مؤلفات أبي القاسم الطبيب الأندلسي الذي يعد باعث الحياة في علم الطب، ويظهر أن هذه المؤلفات قد وصلت بوصول أحد أطباء مدرسة ساليرنو إلى باريس واسمه روجي دي بارم { Roger de Parme } ومن هنا فإن دهشتنا تتضائل ونحن نرى أبا القاسم الزهراوي يتبوأ مكانه إلى جانب ابقراط وجالينوس ، ويؤلف معهما ما يشبه الثالوث العلمي " .
وفي سنة 1220 قام الكاردينال كونراد بتأسيس مدرسة ( جامعة ) مونبليه ونظمها على شبه مدارس الطب الإسلامية . واحتل الطب الإسلامي مركز الصدارة في برنامج التدريس فيها طيلة القرن الثالث عشر والرابع عشر فكان الأساتذة يشرحون كتاب ابن سينا والرازي وأبو القاسم الزهراوي وكانت هذه المدرسة على اتصال دائم مع المدارس العربية في جنوب إسبانيا الأمر الذي يؤكد التأثير الفاعل لمدرسة مونبليه على تطور الطب الأوربي على الطريقة العربية .
ويعطينا كتاب الدروس والمفاتيح فكرة دقيقة عن برنامج مدرسة مونبليه من سنة1489 إلى سنة 1500 م.
اللائحة التالية تبين عدد الكتب التي كانت تُدَرس ، كل علم وأهمية المكانة التي كان يمثلها ابن سينا في تلك الأيام .
(( عدد الكتب في برنامج مدرسة مونبليه 1489-1500 م ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
السنة ابن سينا جالينوس ابقراط
1489 4 2 1
1490 3 0 0
1491 4 2 0
1492 4 0 1
1493 6 3 2
1494 5 2 1
1495 5 4 1
1496 4 2 1
1497 6 2 0
1498 5 2 1
1499 4 1 1
1500 3 4 1
وقد بقي الطب العربي الإسلامي يحتل مركزاً مهماً في تاريخ الدروس حتى منتصف القرن السادس عشر ،بل حتى بدايات القرن السابع عشر "
كما وتميزت مدرسة مونبليه على بقية المدارس كمدرسة باريس بكثرة ما فيها من المخطوطات الطبية المهمة وبالأخص العربية منها . وكان الأساتذة المستعربون كثرة بين الأساتذة .
ونجد في كتاب استروك أن أحد الأساتذة ويدعى رينيه مورو يهاجم أستاذا يدعى جاك ديبوا لتعليمه الطب الإسلامي دون غيره . ومن الأساتذة والشخصيات التي خدمت في مونبليه ارنولد فلانوفا Arnold of Villanova ( 1235 – 1312 م) الذي ساح طلباً للعلوم العربية والذي أعتبر أخصب المؤلفين إنتاجاً بالنسبة لزمانه وأكثرهم تأثراً بالآراء الطبية العربية ، ومن بين المؤلفين الذين ترجم من كتبهم ابن سينا والكندي وقسطا بن لوقا وأبو العلاء بن زهر ، ((النظام الصحي الساليرني Regimen Sanitatis احسن شرح لتلك القصيدة )) .
وهنري ماندفيل وكاي دي شولياك Guyde Choliac ( 1298 – 1368 م ) الذي ترجم القسم الجراحي من التصريف للزهراوي ، فاقتبس منه كثيراً في كتابه الجراحة الكبرى Chirurgia Magna الذي أُنجز سنة 1363م . ويعتبر هو وارنولد فلانوفا أول من أدخلا إلى الغرب عادة حفظ السجلات ، وهذا تقليد استقياه من ابن زهر . وترجم هرمانوس الدلماسي في تولوز كثيراً من كتب الطب والفلك .
وإضافة لما سبق لقد تضمنت كتبهم اقتباسات كثيرة من الكتب العربية أو تضمنت اصطلاحات عربية كثيرة فعندما وضع منديس وهو أول من شرّح جثة إنسان علناً في مدرسة مونبليه ، كتاباً في التشريح اقتبس معلوماته من كتب الطب العربية .
وكان الدو براند السيني " الطبيب التوسكاني لدى بياترس سافوي من أوائل المترجمين من اللاتينية إلى الفرنسية ( في النصف الثاني من القرن الثالث عشر ) ، وكتب رسالة طبية هي (حمية الجسم) القسم الأول والثاني مأخوذان من ابن سينا أولا ومن الرازي وابن عباس ثانياً ، القسم الثالث تكييف لكتاب الأدوية المفردة والأغذية لإسحاق الإسرائيلي ، ويكاد القسم الرابع يكون ترجمة حديثة من الكتاب المنصوري للرازي " .
وهناك عدد من المترجمين من العربية إلى العبرية قاموا بترجة العديد من الكتب العربية إضافة لموسى بن طبون لايتسع المجال لذكرهم وقد تناوانا ذكرهم في كتابنا إنتقال الطب العربي إلى الغرب .
" هذا ويؤكد لوكلير أن عدداً من مؤلفي القرن الخامس عشر في أوربا نقلوا من كتاب الزهراوي ، وذكر من هؤلاء فيراري الإيطالي Ferrari الذي نقل المقالة السابعة والعشرين في طبائع الأدوية والأغذية . والّف اردونيس دي باسارو كتاباً تردد فيه كثيراً اسم الزهراوي وكتابه التصريف " .
ومن طلابها ( جامعة مونبلييه ) سكومون من ساليرنو ، وناثان بن زفاريوس ( منتصف القرن الثاني عشر) ، وجلبرت الإنكليزي ( حوالي 1290م Gilberut Anglicans ) ، وجون من كاديسدون (1280- 1331 م John of Gadesden ) ، وجون من اردن ( 1307 – 1390 م John of Ardene ) الذين لهم منزلة كبيرة في الطب في إنكلترا ، وبطرس الأسباني ( حوالي 1277م Petrus Hispanus ) الذي أصبح البابا جون الحادي والعشرين وكان كتابه كنز الفقراء Thessurus Pauperum واسع الانتشار .
وقد حصل في باريس ما حصل في مونبليه من قبل . فكان تنظيم وبرنامج تدريس المدرسة نسخة من السابقتين . وكان الطلاب يجلسون على الأرض لاعلى المقاعد حتى لايدركهم الغرور" .
وأسس هنري الثالث في عام 1577 م كرسي أستاذ اللغة العربية في المدرسة الملكية بُغية معاونة تقدم الطب في فرنسا " .
وقصة لويس الحادي عشر مع كتاب الحاوي للرازي تشير إلى قيمة هذا الكتاب في ذلك العصر . فقد أراد هذا الملك أن ينسخ نسخة من الحاوي في مكتبته ، وطلب من مكتبة الجامعة إعارته إياه لنسخه . وبعد مناقشات عديدة بين الأساتذة قررت الجامعة إعارة الكتاب بعد الحصول على كفالة مالية ، مشكلة من12 طقماً فضياً للمائدة ومائة ريال من ذهب .
ومما يدل على تقدير أوربا لأبن سينا والرازي حتى اليوم هو " أن كلية جامعة باريس تحتفظ حتى اليوم بصورتين كبيرتين في قاعاتها ، إحداها للرازي والأخرى لأبن سينا " .
- العربي الخطابي ،مصدر سابق ج1 ص 128 ، نقلا عن اوسيان لوكليرك – تاريخ الطب العربي 1/454 –455 .
- حجازي ، الدكتور عبد الرحيم – الطب الإسلامي عامل أساسي في خروج أوربا من عصر الظلام ،بحث قُدم للمؤتمر العلمي للطب الإسلامي 1981 ، بالأصل نقلا عن أرشيف جامعة مونبليه الكتاب الخامس لسنة 1767
- حجازي ، المصدرنفسه – نقلا عن جاك استروك ، ذكريات لخدمة تاريخ جامعة مونبليه 1767 أرشيف الجامعة.
- مايرز ، الفكر العربي والعلم الغربي ص 126 .
- جالرند ، جوزيف – قصة الطب ، ترجمة د. سعيد عبدة ، دار المعارف بمصر 1959 ، ص75 .
41 – ريسلر ، جاك . س : الحضارة العربية ، ترجمة غنيم عبدون ، الدار المصرية للتأليف ( بدون تاريخ ) ص 211 .
42 – عاشور ، سعيد عبد الفتاح : المدنية الإسلامية وأثرها في الحضارة الأوربية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، الطبعة الأولى 1963 ، ص 153 .
- الشيال ، الدكتور جمال الدين – التاريخ الإسلامي وأثره في الفكر التاريخي الأوربي – دار الثقافة بيروت ص 49 .
للراغبين الأطلاع على الجزء الأول:
https://algardenia.com/maqalat/49019-2021-05-10-18-12-23.html
1058 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع