وفيق السامرائي
تمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من خلال معلومات الاتصالات المحورية من التوصل إلى تصورات واستنتاجات في غاية الأهمية، تتعلق بأمن العمليات وغيرها مما له علاقة بقرارات حاسمة على المستوى الاستراتيجي، منها:
التعرف على الطرق والسياقات المعتادة في متابعة الاختراقات الجوية وأسلوب معالجتها، وتشخيص الثغرات في منظومات الدفاع الجوي وانتشار الوسائل، لوضع خطط التسلل أو التخطيط للهجمات، وتحديد عدد الطائرات وصلاحياتها، وموقف الطيارين وأعدادهم، والتعرف على قواعد الاشتباك. وباتت تفاصيل مطارات غرب العراق خصوصا، والقواعد والمواقع المجاورة، معروفة لدى إسرائيل، كما وفرت المراقبة حالة إنذار مبكر للدفاع الجوي الإسرائيلي.
لم تكتشف العملية الإسرائيلية - كما هو مفترض - من قبل الدوريات المنتظمة على طول محاور الكابلات، ولم تكتشف بواسطة الفحوصات الفنية التي ينبغي أن تكشف أي دخول لأجهزة وأجسام غريبة على الهيكل الأساسي لعملية الربط، بل اكتشفت بالصدفة من قبل سائق شفل، حدث عطل لديه في دواسة الوقوف، فاضطر إلى ضرب مرتفع تبين أنه جهاز هوائي مموه للمنظومة. ولم يقتصر الفشل على حصول عملية الاختراق، ولا على احتمال امتدادها لفترة طويلة، ولا على دورها الخطير المرجح في غارة «بابلون» التي استهدفت تدمير مفاعل (تموز)، بل تجاوز إلى فشل في تحقيق معالجة هادئة للاختراق، وتفكيك الأجهزة المستخدمة، ليس من أجل التعرف على حجم الضرر الذي لحق بالأمن الوطني فحسب، بل للتعرف على الوسائل التقنية في الاستماع إلى المكالمات وطرق ووسائل تمرير المعلومات إلى إسرائيل، عبر مسافة تمتد إلى أكثر من ستمائة كيلومتر، حيث تسحب المعلومات بواسطة أجهزة مركبة على طائرة هليكوبتر من منظومة إلكترونية لحفظ المعلومات موجودة في منطقة التداخل.
وسبق أن حصلت الاستخبارات العراقية على معلومات مفصلة عن منظومة تجسس مماثلة، من الاستخبارات العسكرية السورية، أثناء فترة تحسن العلاقات بين البلدين، حيث ضبط السوريون مثل هذه المنظومة في منطقة درعا، مجهزة بنضيدة تشغيل تكفي لأربعة أعوام، وقام الروس بتفكيكها وإعداد كراسة مفصلة عنها، وعرض السوريون أصل المنظومة على مختصين من الاستخبارات العراقية، وزودوهم بنسخة من الكراسة التي تتضمن المعلومات.
لقد حرص الإسرائيليون على حماية الأجهزة التي ركبت في موقع الاختراق، وقاموا بإيصال منطقة الربط بعبوات ناسفة، انفجرت حال بدء عملية التفكيك من قبل المختصين، وذهب ضحيتها ثلاثة من ضباط الاستخبارات، بينهم معاون المدير العام للشؤون الفنية، حيث ثبت أن سموما تسربت مع الانفجار بواسطة الشظايا، تسببت في وفاتهم. وفات القيادة العراقية الربط بين الاختراق وعملية «بابلون». فكل الاتصالات بين المركز والمطارات والمواقع المستهدفة كان يستمع إليها الإسرائيليون تفصيلا، وحصلوا على معلومات مقترنة بأصوات القادة ونبرات يبقى تأثيرها كبيرا في تحليل الأحداث وتوقع الاحتمالات، وبالتالي، فإن الاستخبارات الإسرائيلية ربما أتيحت لها فرص اطلاع أكثر من القيادة العراقية على مشكلات الفروع والقواعد الجوية العراقية. وهكذا تعمل الاستخبارات.
884 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع