كارثة مستشفى ابن الخطيب في بغداد، ماساة جديدة تضاف الى ماسي العراقيين

                                                 

                             د.سعد ناجي جواد

 كارثة مستشفى ابن الخطيب في بغداد، ماساة جديدة تضاف الى ماسي العراقيين

مرة اخرى تهز العراق كارثة انسانية اخرى ذهب ضحيتها اكثر من ثمانين شخصا من الابرياء الذين قضوا حرقا او اختناقا، والعدد مرشح للارتفاع، مع ضعف هذا العدد من الجرحى. كل ذلك حدث في انفجار وحريق التهم مستشفى كانت قد خصصت لعزل المصابين بمرض كورونا اللعين. وللعلم فان هذا المستشفى كان قد بني في العهد الملكي في الخمسينيات لعزل المصابين بمرض السل ومعالجتهم، ولم يكن من (انجازات) انظمة ما بعد الاحتلال. والسبب في هده الكارثة يبقى كما في حالات سابقة، الاهمال والفساد واللا مبالاة، والاهم من كل ذلك طبيعة عدم الاكتراث بارواح الناس في العراق التي يتصف بها اغلب المسؤولين في هذه الايام.

كما كانت الحالة بعد كوارث سابقة، جاء الرد الرسمي على هذه الفاجعة الانسانية الكبيرة او طريقة تصدي السيد رئيس الوزراء مكررا، على الرغم ما محاولته الايحاء بانه كان صارما في تصديه لها. وكما كان متوقعا اعلن عن فترة حداد وطني وتشكيل لجنة تحقيقية. وفي هذه المرة اضاف الى ذلك امرا جديدا هو انه قرر (سحب يد وزير الصحة ومحافظ بغداد ومدير صحة بغداد الرصافة التي تقع المستشفى ضمن صلاحياته). كما قرر احالتهم الى اللجنة التحقيقية لمعرفة الاسباب ومعرفة المقصر. وهذه اللجنة يمكن ان تضاف الى لجان عديدة سابقة شكلها السيد رئيس الوزراء لكشف جرائم عديدة، مثل تلك التي كان من المفترض ان تنظر في من امر بقتل المتظاهرين والمنتفضين من الشباب ومن نفذ تلك الاوامر، ومن ارتكب جريمة قتل الشهيد هشام الهاشمي، (الذي وعد السيد رئيس الوزراء ابناءه بنفسه بان (عمو مصطفى) سياخذ لهم حقهم)، وتلك التي شكلها لملاحقة من يُخضع بغداد واهلها الابرياء الى قصف صاروخي او يقلق امنهم بين الحين والاخر، ناهيك عن اللجان التي قيل انها ستلاحق الفاسدين وسارقي او مهدري المال العام، ولم يصدر عن هذه اللجان اية نتيجة تذكر. وطبعا السيد رئيس الوزراء الحالي لا يختلف في هذه الاجراءات (الصارمة) عن من سبقه. فالسيد عادل عبد المهدي الذي اوغل في دماء الشباب، واغلبهم من ابناء المحافظة التي ينتمي لها، شكل لجان فورية (لكشف القتلة) ومن اصدر لهم الاوامر، (الذين كانوا بالمناسبة من داخل مكتبه)، ولجان لملاحقة الفساد والفاسدين، ثم اجبر على الاستقالة، وظل يراس وزارة لتصريف الاعمال لمدة اشهر ثبت ان وزراءه في تلك الفترة سرقوا اضعاف ما سرقوه في فترة توليهم مناصبهم قبل استقالة رئيسهم. ولم يجر محاسبة اي فرد من افرادها. وكذلك فعل رؤوساء الوزراء السابقين. اما السيد نوري المالكي فلم يكن يكترث بهذه (الشكليات) وترك الحبل على الغارب للفاسدين وسراق المال العام حتى انتهت فترة حكمه الكارثية بافلاس الخزينة وباحتلال تنظيم داعش الارهابي لربع الاراضي العراقية. وحتى اللجنة التي شكلت للتحقيق في كارثة احتلال الموصل ظلت نتائج تحقيقاتها على الرفوف وهرب كل من تسبب في تلك الجريمة الوطنية الى الخارج. في حين ان السيد العبادي اعترف صراحة انه لا توجد سلطة قادرة على مواجهة الفاسدين، لتبرير عجزه عن عمل اي شيء في هذا المجال.
الامر الملفت للنظر ان كل اللجان التحقيقية التي شُكلت، وفي كل القضايا، لم تخرج بنتيجة او تسمي شخصا واحدا او جهة معينة قامت بارتكاب هذه الجرائم منذ بداية الاحتلال ولحد هذه اللحظة. وفي الحالات النادرة التي اصدر فيها بعض القضاة الشجعان اوامر بالقاء القبض على بعض الفاسدين من المسؤولين الكبار (لم يتجاوز عددهم عدد اصابع اليد الواحدة)، كان يتم تهريب او تسهيل هروب الذين صدرت بحقهم الاحكام الى خارج العراق. او يتم تبرئتهم من قبل القضاء بجلسة لا تستغرق اكثر من نصف ساعة. وللتذكير ايضا ان اول من بدا جرائم الفساد والاغتيال في العراق كانت القوات الامريكية الغازية والتي عمل تحت مظلتها مجاميع مسلحة ومنظمة (اسرائيلية وخليجية) قامت بتصفية العلماء والاكاديميين وحرق المكتبات والمتاحف. ثم اضيفت لهذه الجماعات الفصائل المسلحة التي قدمت من ايران ومن كردستان العراق ليضاف الى المشمولين بعمليات الاغتيال الضباط والطيارين وسكان مدن وقصبات كاملة اعتبرت موالية للنظام السابق. وهكذا ذهبت ارواح اكثر من مليون عراقي هدرا وظل مرتكبي هذه الجرائم طلقاء، بل ومستمرين في ممارسة القتل والخطف والتشريد والتغييب.
في كل دول العالم التي يمتلك ساستها بعض الاحترام للنفس، وعند حدوث مثل هكذا كوارث، يبادر الوزير المسؤول الى الاستقالة، او يبادر رئيس الحكومة الى اقالته فورا هو ومن يشاركه المسوولية ويصدر امرا باحتجازهم واحالتهم الى القضاء. لكن قرار السيد رئيس الوزراء الاخير قضى (بسحب يد ثلاثة) مسؤولين، وهذا الاجراء وللعلم ليس عقوبة، فالمسؤول الذي تسحب يده يبقى رسميا في منصبه، واذا ما تمت ادانته ربما يتم اتخاذ قرار اخر ضده، وعكس ذلك يعود الى ممارسة عمله بصورة اعتيادية. وفي ظل التجارب السابقة فلقد كان يتم اما انقاذ المسؤول المتهم بالفساد او السرقة او الاهمال من قبل الكتلة التي تدعمه والمستفيدة من خدماته ماديا، او تسهل له نفس الجهة سبل مغادرته العراق في وضح النهار ليذهب الى احدى الدول المجاورة او الاقليمية او التي يحمل جنسيتها، حيث توجد ودائعه من الاموال المنهوبة ومن السحت الحرام لينعم بها. ولم تكلف اية حكومة من حكومات بعد الاحتلال نفسها المطالبة باسترداد مسؤول سابق واحد من الذين سرقوا المال العام او اساءوا استخدام مناصبهم.
لا احد يدري كيف ستنتهي هذه الحالة الماساوية، ولا كيف سيتعافى العراق بعد ان اصبح الفساد والقتل والاهمال اليومي ظواهر متجذرة في المجتمع. ولا يوجد في الافق ما يدلل على خلاص قريب للعراقيين من هذه الماسي. ولا يمكن لاية انتخابات قادمة ان تشكل حالة ايجابية للعراق وللعراقيين. فكل الاحزاب والتكتلات المشاركة في العملية السياسية مشتركة في هذا الفساد والجرائم. واية انتخابات جديدة، كما في السابق، ستعيد تدوير نفس الوجوه. ولن يُسمح لاية وجوه اصلاحية المشاركة في الانتخابات، وسيظل التزوير هو الذي يحكم النتائج. وهذا القول ليس تجنيا وانما يعتمد على التجارب السابقة. كما لا يمكن وصف من يعتقد ان الولايات المتحدة يمكن ان تكون المنقذ او انها ستقوم باصلاح الامور، الا بالساذج، اذا احسنا الظن به، او بالمروج لاجندات اجنبية عن قصد او عن عمالة متاصلة في نفسه.
لم يمر العراق طوال تاريخه المعاصر بمثل هذه الفترة الماساوية الطويلة التي غاب فيها القانون واساليب المحاسبة وغابت الغيرة والنزاهة والشرف الوظيفي عن الغالبية الساحقة من الذين يتصدون للعمل العام والرسمي. هذه الحقيقة قد تزعج البعض، ولكنها تبقى حقيقة لا يمكن انكارها. واسوا ما في هذه الحقيقة انها لا تفضي الى افلاس العراق ماديا وهدر ثرواته فقط، وانما الى ذهاب ارواح العراقيين الابرياء ضحايا لهذا الفساد والاهمال الذي لا نهاية له. فبالامس كانت فاجعة عبارة الموصل التي ذهب ضحيتها مئات الاطفال بعمر الزهور، وقبلها كارثة احتلال ثلاث محافظات عراقية من قبل تنظيم داعش الارهابي، والالاف من الشهداء والجرحى والمغيبين الذين تجراوا على التظاهر ضد الفساد والفاسدين والمليشيات التي تروعهم. ناهيك عن فشل جميع المفاصل الخدمية في تقديم الخدمات اليومية المطلوبة لعامة الناس.
لا يمكن ان يظل الحال على ما هو عليه، ولا يمكن ان يكون العراق عقيما عن انجاب مصلحين وقادة يعيدون الامور الى نصابها، رغم صعوبة المهمة. ولكن الحقيقة التي يجب ان لا تغيب عن بال احد ان الاصلاح المنشود لا يمكن ان يكون على يد الاحزاب والتكتلات والوجوه التي حكمت العراق منذ بداية الاحتلال ولحد الان.
الرحمة والغفران لارواح الشهداء الطاهرة الذين قضوا في حادثة مستشفى ابن الخطيب، والدعاء للجرحى والمصابين بالشفاء العاجل. وإنا لله وإنا اليه راجعون.

   

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

505 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع