الدكتور/ أكرم عبدالرزاق المشهداني
ثورات الربیع العربي التي اجھضتھا إمتدادات السلطة العميقة!!
في یوم الجمعة 17 ديسمبر 2010 أضرم النار في جسده شاب تونسي یدعى محمد بو عزیزي أمام مقر ولایة سیدي بو زید احتجاجا على مصادرة (شُرطیّة) لعربته التي كان یبیع علیھا الفواكه والخضار، بعد أن صفعته الشرطية أمام الناس بحجة مخالفته للنظام، وقد أشعلت شعلة النار في جسد البوعزيزي نار الاحتجاجات في المدینة، لتجتاح باقي مدن ومناطق تونس، ووصفه كثیرون بأنه مُطلِق شرارة ثورات الربیع العربي التي توالت بعد ثورة تونس.
محمد بوعزیزي طوى شھادته الجامعیة كحال ملايين الشباب العربي عندما لم تسعفه بعمل یكفل له رزقه ورزق عائلته وصار یطوف شوارع مدینته سیدي بوزید بعربة الخضار التي یدفعھا بقوة ساعدیه الفتیتین ليكسب قوت يومه.
وتحوَّلَت الكلمة التي قالتھا الشرطیة له بالفرنسیة "Dégage" أي ارحل إلى
شعار لثورة شعب بكامله ضد رأس الدولة ونظامه طلبا للكرامة والحریة ورفضا
للفساد.
في الیوم التالي لاحتراق البوعزیزي، خرجت احتجاجات لأھالي سیدي بوزید للتضامن معه، وطالبت أیضا بحل إشكالات البطالة والتھمیش والفقر واصطدمت الاحتجاجات مع قوات الأمن، وتوسعت رقعتھا الجغرافیة، ولم تنفع بعض القرارات الحكومیة (الترقیعیة) وقیام الرئیس بن علي بزيارة لمحمد البوعزیزي في المستشفى في تراجعھا، بل ازدادت وتحولت لانتفاضة شعبیة اجتاحت معظم مناطق تونس وصولا لقصر قرطاج، وأجبرت ساكنه -بعد 23 سنة من الحكم القمعي الدكتاتوري على ترك السلطة والھروب للخارج فرفضته معظمم دول اوربا وبالاخص فرنسا، واضطر الى اللجوء للسعودیة في 14 ینایر2011
ورفض سالم أخو محمد البوعزیزي عرضین من رجلي أعمال لشراء عربة شقیقه التي كان یبیع علیھا الخضار والفواكه، وفضل احتفاظ العائلة بھا كذكرى لفقیدھم، ثم وضعھا في إحدى الساحات كمعلم في مدینة سیدي بوزید.
توفي محمد البوعزیزي الثلاثاء في الرابع من ینایر2011 متأثراً بحروقه وخلفّ موته غضباً لدى الشباب التونسي، وأشعل جذوة الاحتجاجات ضد نظام بن علي، وأصبح سلوك البوعزیزي في الاحتجاج ورفض الظلم والإھانة محط تحلیل، وتقلید كذلك، حیث تكررت حالة الاحتجاج بإحراق الذات أكثر من خمسین
مرة في أكثر من بلد عربي.
الشرارة التي أثارتھا نھایة ذلك الشاب المأساویة امتدت بشكل مظاهرات واحتجاجات شعبیة طالت كل أنحاء تونس وسقط فیھا عشرات الشهداء الضحایا الذین استقبلوا بصدورھم العاریة رصاص أعوان الطاغیة المھزوم، فالشعب التونسي ومنذ الاستقلال عام 1956 وھو یرزح تحت نیر الدكتاتوریة
والاستبداد والتسلط ومحاولات مسخ ھویته العربیة والاسلامیة وإبدالھا بھویة
ھجینة لاتمت لتاریخه ولا لحاضره بأية صله تحت غطاء الحداثة والتجدید وبغیة
التقرب والتملق من الغرب وأوربا.
ولأن بن علي حاكم عربي ولان امثاله الحكام العرب لا یتركون كراسیھم الفاخرة إلا بالموت او بانقلاب عسكري أو بانقلاب ابیض یدبره أبناؤھم أو إخوانھم أو أقرباؤھم أورؤساء مخابراتھم فقد بقي بن علي قابعا في كرسیه حتى اقتلعه الشعب. وفَرَّ بن علي بعائلته وبما استطاع حمله من أموال تونس وشعبھا بعد أن وجد أن إصرار الشعب على التغییرلا حدود له. فلایمكن أن یجتمع الرخاء مع الدكتاتوریة في مكان واحد أبدا , فحیثما حلت الدكتاتوریة والتسلط والاستبداد حل الفقر والخراب ولیست تونس استثناءا من ذلك ولھذا نجد البطالة والفقر وانعدام فرص العمل وتردي الخدمات الأساسیة وسوء الأوضاع الاقتصادیة والاجتماعیة من أھم مشاكل البلدان التي انطلقت الیھا شرارة الربیع العربي.
ثورات الربيع العربي تنطلق في عواصم العرب:
وانطلقت الثورة بعدھا في 25 ینایر بمصر ترفع شعار (ارحل ارحل ولا نرید حكم العسكر.. وشعار الشعب یرید اسقاط النظام) فسقط حسني مبارك ولكن امتدادات حسني مبارك لم یسقطوا فالدولة العمیقة قادت الثورة المضادة وكذا الحال في لیبیا والیمن وسوریا. فقد تمت سرقة ثورات الربیع العربي من اعوان السلطة وامتداداتھا العمیقة فانقلبت الحال وبالا على الشعوب.
لكن ثورات الربیع العربي اعطت دروسا لكل حاكم دكتاتور یظن ان یستطیع ان یحكم شعبه بالحدید والنار.. واثبتت ان الشعب اذا اراد يوماً الحياة فلا بد للقيد ان ينكسر.. ولا بد لليل ان ينجلي ولا بد ان يستجيب القدر.. رحل الطغاة ولكن بقيت وستبقى الشعوب.. فهل يدرك ذلك بقية الطغاة في عالمنا العربي؟
491 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع