إذا عزمت الناصرية تبعها العراق!

                                                    

                          ولاء سعيد السامرائي

إذا عزمت الناصرية تبعها العراق!

أصبحت مدينة الناصرية بالنسبة للعراقيين عاصمة الثورة ودولتها التي تتجه لها أنظار بقية المدن العراقية ويتطلع الثوار بفخر نحو إصرار وتحدي أبنائها الذي لم يتزعزع مستمدين منهما عزما جديدا ومتجددا في اكمال مشوار ثورتهم. فقد استجابت عدة مدن عراقية لاستئناف التظاهرات بعد اندلاع تظاهرات الناصرية من جديد مثل بغداد والمثنى والسماوة والنجف وكربلاء والبصرة وديالى التي هتفت : "كلنه عند عيناج يا الناصرية" وخرجت احياء من بغداد تهتف : "فوتي بزودج يا ذي قار أحنا حزام لضهرج". وفي ساحة التحرير خرج الاف الشباب يهتفون : "الناصرية حلوة وقوية" ، مما حدى بالقوات الأمنية والعسكرية للهبوط الى وسط بغداد واغلاق الجسور بشكل تام تحسبا لموجة كبيرة جديدة من التظاهرات كتلك التي حدثت في بدايات ثورة تشرين.

تستحق الناصرية بجدارة ان تكون عاصمة الثورة وقائدتها لصمودها الأسطوري امام ماكنة حكومة الاحتلال المدعومة بكل خبرة الاحتلال الأمريكي وحلف الأطلسي الذي قال رئيسه قبل أيام انه موجود خصيصا لتأمين بغداد، أي المنطقة الخضراء وعمليتها السياسية، وامام اخطبوط المليشيات الولائية رأس حربة الأحزاب والبرلمان، وهي أيضا تستحق ان تكون كذلك لأن ثوارها يسيرون بخطوات ثابتة وتضحيات كبيرة نحو تحقيق مطالبهم في التخلص من العملية السياسية وحكومة الاحتلال.
تحتل الناصرية المركز الثاني بعد بغداد في اعداد الشهداء اذ بلغ عدد ما فقدته المدينة اكثر من 155 شابا وعدة مئات من الجرحى ، والأرقام في تصاعد هذه الأيام ومعه تتصاعد عزيمة الثوار ورجال عاصمة الثورة الذين يكثفون المواجهة مع الحكومة المحلية ومع حكومة المنطقة الخضراء. عاد ثوار الناصرية مجددا بعد فترة احترامهم لقوانين الحظر الصحي الخاص بكورونا للتظاهر بأعداد أكبر من اعداد العام الماضي اذ يخرج غالبية شباب المدينة منذ عدة أسابيع مصرين على اسقاط الحكومة المحلية بمحافظها ونائبه المتهمين بالفساد وعدم الكفاءة. ورغم قمع القوات الأمنية والمليشيات والتعزيزات التي أرسلت من العاصمة لمواجهة الثوار وقمع حراكهم وسقوط اعداد كبيرة من الشهداء والجرحى الا انهم تمكنوا من اجبار المحافظ ونائبه على الاستقالة وإعطاء الحكومة مهلة 72 ساعة لتنفيذ مطالبهم مما اضطر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لتعيين عبد الغني الاسدي مدير جهاز الامن الوطني بعجالة كمحافظ جديد للمدينة. لكن التظاهرات الرافضة لهذا التعيين لم تنقطع بل انها ازدادت واتجهت من جديد صوب المحافظة للتعبير عن غضبها ورفضها لتعيين شخص عسكري من قبل الكاظمي ، بينما يريد المواطنين شخصية محلية تتمتع بالكفاءة والوطنية قريبة من همومهم لا يمتلكها مدير جهاز الامن ، الذي بدا بعيدا وغريبا كليا عن مشاكل المدينة الحقيقية ومعاناة أبنائها وعن مطالب المتظاهرين الأساسية بخصوص محاسبة قتلة المتظاهرين واطلاق سراح المعتقلين منهم ومطالب كشف فساد المحافظ ونائبه وأعضاء مجلس المحافظة ، في اجتماعه مع موظفي المحافظة وتركز حديثه عن تفاصيل غير ذي قيمة لا ترقى أهميتها لما تعيشه الناصرية ومواطنيها من اهمال تام ومتعمد، كما قام بتشكيل لجنة عليا للإسراع في إنجاز معاملات "قتلى التظاهرات" التي لا تريد الحكومة الاعتراف بهم كشهداء وتقوم غالبا بتحريف وتزوير الوقائع وانكار احداث الاغتيالات وهو إقرار بعدم احترام مطالب المتظاهرين الذين يريدون كشف القتلة ومحاسبتهم واحقاق العدالة لعوائلهم وإطلاق سراح الناشطين والمعتقلين، مما دعى المتظاهرون لإصدار بيان ينددون فيه بتعيينه من قبل رئيس الوزراء الكاظمي معتبرين ذلك مجرد حل ترقيعي.
فجر مشهد الصرامة والإصرار في المواجهة بين ثوار ومتظاهري الناصرية وبين الحكومة المحلية وحكومة الخضراء تظاهرات واسعة في المدينة دعت العراقيين في مختلف المحافظات للتعبير عن تعاضدهم ومساندتهم ورفعهم لثوار الناصرية ولمدينتهم الى مرتبة عاصمة الثورة، بل تبع تظاهرات الجمعة الماضية المحتجة على تعيين عبد الغني الاسدي الواسعة في الناصرية، حراك كبير في المدن الأخرى تحضيرا لتظاهرات واسعة رأت في مسيرة ثوار الناصرية الخطوة الأمثل لتحقيق المطالب الشعبية والقيام بالتغيير المنشود. هبت مدن المثنى والديوانية والكوت وتلتها مدينة الحلة واتجهت تظاهراتها الى مبان المحافظات منددين بالتسويف ومطالبين بإقالة المحافظين ونوابهم والمفسدين معهم وحبست محافظات أخرى أنفاسها مرعوبة من تظاهرات كبيرة للجماهير تقيلها من مناصبها كما فعل متظاهرو الناصرية.
بإقالة محافظ الناصرية واستمرار التظاهرات الضخمة في المدينة ومدن العراق الأخرى ينقل شباب العراق ثورتهم الي عتبة التغيير المنشودة بطريقة سلمية مؤكدين صحة اختيارهم لهذا المسار منذ البداية ليعبروا بالثورة وبالعراق الي الامان. بالإصرار والمطاولة أوصل شباب الناصرية الثورة الى باب النصر والي باب الخلاص من عملية تدمير وتخريب العراق التي يريد المحتلون بأشكالهم استمرارها الى سنوات بل الى قرن كامل.
هذه المدينة تقود اليوم ثورة تشرين الشعبية الى صفحتها التالية للخلاص والتغيير والتحرر من عملية الاحتلال السياسية البغيضة في المحافظة وتقود عقول ثوارها جميع العراقيين في كل المدن للوصول الى نفس الهدف. ان التحاق مدن الجنوب بالناصرية هو التحاق بالعزم والقرار الصائب والصحيح والقيادة التي انتجتها إرادة وإصرار شباب وشابات المدينة التي عجنت منذ بداية الثورة بالشهادة والدم والجراح ، صقلتها أيام في ساحة الحبوبي وصراع على الوجود واللاوجود، في الساحة التي أحرقت يوما فيها الخيام فعاد أهلها الوطنيين بخيام جديدة غيرها ينصبوها في فجر الصباح التالي ، ومن حرق الى حرق عزم شبابها على تعميد الثورة والاحتجاج والتغيير ببناء غرف من الاسمنت رغما عن القمع والقتل وأدوات الاغتيالات ، هذه الارادات التي ابدعت وسهرت، بكت وادميت ، تكونت فكانت ، صلبة ، جسورة ومهابة منها رافع علم العراق في التحرير وهو يتقدم للرصاص غير عابئ بصلي الطلقات، ومنها ابطال ساحات العراق صغار وكبار يخلقون كآلهة ارواحا وتكوينات نقية نقاء الزلال مطلقة كما لا يمكن من اطلاق ، تفجر خلقهم شجاعة وبطولة ، غيرة واباء، عطاء وكرما وفداء ، بكم سنحلف حينما تنجزون الثورة وتسترجعون العراق الذي أقسمتم وضحيتهم بأنفسكم لاسترجاعه.
   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1562 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع