الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
الكليبتوقراطية والديمقراطية الزائفة في العراق المحتل؟!!
الكلِبتوقراطية أو حُكم اللصوص هي حكومة يستخدم قادتها الفاسدون السلطة السياسية للاستيلاء على ثروة شعوبهم، عادةً عن طريق اختلاس أو سرقة الأموال الحكومية على حساب عموم السكان. واللفظ مركب من مقطعين يونانيين؛ أولهما "كلبتو بمعنى لص، وثانيهما قراط بمعنى حُكم " ،اذن فنظام "الكليبتوقراطية" هو نظام السرقة القانونية والممنهجة للمال العام والثروة الوطنية، لأن هؤلاء "اللصوص القانونيين" إنما يقومون بسرقاتهم من خلال التفويض "الديمقراطي" الذي يحصلون عليه ومن مفارقات الأنظمة الكليبتوقراطية أنها تكون الأكثر فسادا وامنا لنفسها، لأن إحدى أدوات الطبقة الحاكمة الجشعة هي الأمن الذي تقويه لحماية سرقاتها وقمع معارضيها.
لم نعد نحتار كثيرا في تصنيف الكارثة التي حلت على العراقيين منذ نيسان 2003 فهي ليست "تيوقراطية" (الحكم باسم الدين) التي تبرر شرعية سلطتها باسم الدين وهي ابعد ماتكون عنه، وهي ليست "أوليغارشية" (حكم القلة). وادق مصطلح يعكس واقع السلطات في العراق المحتل هو "الكليبتوقراطية"، أي حكم اللصوص .
لقد انتهجت السلطات "الكلبتوقراطية" في العراق ثلاث طرق لفرض سلطتها، بالقانون، الذي تشرّع به سرقاتها وتحمي به فسادها وتعاقب به منتقديها ومعارضيها. وبزرع الفرقة داخل المجتمع وخلق صراعات أو استقطابات وهمية بين أفراده لبسط هيمنتها عليهم وتقديم نفسها حكما وضامنا لاستقرارهم ووحدتهم. ثم فرض ثقافة زائفة وصولية انتهازية قائمة على الفساد والتواطؤ والمحسوبية، تمجّد وتعلي من قدر القوى المهيمنه على السلطات وقادتها الذين ينجحون في تحقيق مكاسب شخصية وفئوية وطائفية ومناطقية وتراكم للثروات الكبيرة لمصلحتهم الخاصة على حساب مصلحة الشعب العراقي المغلوب على امره.
فالسلطات الغاشمة المفرطة في استخدام قواها المليشياوية ترهق كاهل المواطنين بالضرائب، وفي الوقت نفسه تجد قادتها يتصرفون في ثرواتها كما لو كانت حسابا خاصا بهم، وغالبا ما يستغلون عائدات هذه الثروات في إنفاقها على مشاريع ضخمة لا وجود لها الا على على الورق، لكنها توفر لهم الفرص لنهب المال بطرق قانونية من خلال إبرام عقود كبيرة تمكّنهم من الحصول على حصصهم التي تودع في حسابات خارجية بعيدا عن أية مراقبة أو محاسبة.
بدأ الشعب العراقي يعي ولو متأخرا لطبيعة النظام الذي يحكمه منذ أن تفجّرت الثورات مع 2010،وصولا الى قمتها في ثورة الاول من تشرين الاول 2019 ولا تزال تداعياتها ومنهجها مستمر ويتصاعد رغم كل محاولات تعويقها او تشويه حقيقتها الوطنية. حيث كشف العراقيين ان من يحكمهم من نيسان 2003 كانوا مجرد لصوص كبار نهبوا ثروات بلدهم وحولوها إلى حساباتهم الخاصة في بنوك أجنبية ومازالوا مستمرين بسرقاتهم حتى اليوم.
وليس غريبا أن نظام اللصوصية في العراق قد يمثل نموذجا جديدا من هذا النوع من الأنظمة، لاسيما بعدم وجود مؤسسات دستورية قوية قادرة على كبح هذا النوع من الأنظمة، في دولة مؤسسات مستقرة مثل العراق تم احتلالها بحجج واكاذيب واهية .
ان استمرار القوى الشيطانية باستخدام المصطلحات عن الديمقراطية المزعومة في العراق المحتل التي ترفعها كيافطات أو شعارات موجهة للاستهلاك الخارجي. في حين ان واقع الحال الذي يجسد الصورة الحقيقية في العراق ما بعد 2003 هو نظام الكلِبتوقراطية .
السلطات الجاثمة على صدور العراقيين سعت إلى الحكم من أجل الحصول على الثروات أو ومن خلالها الوصول إلى السلطة. فالسلطة والثروة توأمان يصعب التفريق بينهما. ومثل هذا النوع من الأنظمة كما في العراق يفتقر إلى الأخلاق والقيم، يمجّد الأشخاص غير الأخلاقيين الذين يدّعون أنهم صادقون في خدمة الصالح العام، في حين أن ما يحركهم في الواقع هو جشعهم الشخصي الذي لا يعرف حدودا.
أن التمشدق بالديمقراطية غير المحصنة، التي لا توجد فيها مؤسسات قادرة على تحصينها، قد حولت الديمقراطية المزعومة (التي تعني حكم الشعب وخدمة الشعب)، إلى نظام لـلتحكم في الشعب وسرقة ثروته، وحولت الشعب إلى خادم للحكام أو الفئة الحاكمة. وتتحول سياسات العصا الغليضة التي تستخدمها الحكومات غير الديمقراطية إلى منافع مادية وثروات تذهب إلى جيوب الأقلية الحاكمة بطرق غير شرعية، وغير قانونية.
وهو ما أدى إلى نهب الثروات التي لا يصل من ثمارها شئ إلى الشعب، فظهرت الفوارق الاجتماعية الكبيرة ووجد الاحتقان طريقه الى داخل المجتمع العراقي، واصبح الغش في العمل وتفشي الفساد وارتفاع معدلات الجريمة والاحتجاجات، تأخذ أشكالا متنوعة حسب القنوات المتاحة لها داخل مجتمعاتها.
ان خطورة نظام اللصوص (الكليبتوقراطية) في العراق المحتل أنه أصبح نظاما مؤسسا له يخترق حدود القيم والاخلاق، وهو يضم اليوم قادة الاحزاب والمليشيات والمسؤولين الرسميين ويتحالف معهم اصحاب الشركات ورجال ألاعمال والكل يتشاركون في حماية سرقاتهم من خلال عمليات غسيل الأموال وتبييضها وتهريبها وتوفير الملاذات الآمنة لها.
والضحية يبقى هو المواطن في وقت ما زالت سلطات اللصوص، ترفع الشعارات الخداعة، وكل همها هو سرقة ثروات ألعراق وتفقير شعبه وفي الوقت نفسه قمعه والتحكم في مصيره لضمان استمرار نهبها وسرقاتها.
3008 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع