د.ضرغام الدباغ
التشيع الصفوي في مأزق
التشيع الصفوي يمر في مأزق شديد الوطأة، وقد يكون حاسماً. فقد سالت الأصباغ على وجه الممثلين، بسبب سخونة المواقف في المنطقة، وبانت حقيقة مزاعمهم وإداعاءاتهم. فالتشيع الصفوي لم يكن منذ بدايته ليس سوى توجه انتهازي، أستغل شعارات دينية لأغراض سياسية بالمطلق، ولم يترك منبراً يمكن استغلاله لإثارة التمزق الطائفي، ودعوات الانعزال، والكراهية، إلا ومارسها بشكل مكثف، مستخدماً أساليب تنطوي على إثارة الذعر والخوف، حتى برز من بينهم من هم أساتذة في فن الدجل والتضليل، واستخدموا الأساليب المسلحة، لإعلاء صوتهم وكلمتهم ليس بقوة المنطق والحجة، بل بأعمال الإرهاب، وبرز من معسكرهم إرهابيون من الطراز الأول، من إنتاجهم، وآخرون قدموا الدعم والرعاية لهم.. ولكن للزمن فصوله و تقلباته تفضح كل من يحاول التستر بالأوهام ...
ففي البدء كان إثارة الذعر والاضطراب، والفوضى المطلقة، من مصلحة القوى المناوئة، لتوجهات التحرر الوطني، وسياسات النأي بالشرق الأوسط عن الصراعات الدولية، والسير بالتنمية إلى آفاق تنقل البلدان والمنطقة إلى مواقع جديدة في السياسة والاقتصاد العالمي، وهو ما ركزت عليه مؤتمرات القمم العربية في الثمانينات فصاعداً، وهو لا يتفق مع رغبات القوى التي تريد إبقاء الشرق الأوسط وأقطاره في فلكها. وهذه هي فحوى وهدف المؤامرات التي استهدفت المنطقة.
والتشيع الصفوي ليست صيحة جديدة، فهي تعود لعام 1501 وهي الوسيلة المبتدعة لتأسيس دولة (فارسية) حديثة يمكنها الصمود بوجه المتغيرات في آسيا الصغرى وأقطار الشرق الأوسط عموماً، الذي شهدت نهوض دولة إسلامية قوية (الخلافة العثمانية) ستعيد عصر الخلافة الإسلامية الني انتهت بسقوط بغداد (1258) بأيدي المغول، وكانت الدولة العثمانية تحكم بأسم الدين ودانت لها الأقطار الإسلامية في آسيا الصغرى، وهنا أرادت بلاد فارس، أن تخرج عن القبول بالقيادة التركية العثمانية، فكان أن هيمن على مقدرات الدولة المنقسمة والضعيفة القائد العسكري إسماعيل الصفوي الذي أراد أن يمنح الدولة الفارسية شخصيتها وفكرها الديني والسياسي لتكون نداً منافساً للدولة العثمانية، وشرع بترسيخ مبدأ التشيع بالقوة في البلاد (وهو السني المذهب)، وحيثما استطاعت قواته الوصول، لذلك كان عهده وعهد المرحلة الصفوية عبارة عن حروب وصراعات مسلحة، وتبعاً لذلك كانت مناطق السيطرة الهيمنة تتسع وتتضاءل بناء على تلك الحروب.. وهناك الكثير من الأنباء عن أصول الأسرة الصفوية والتداخل العرقي والديني. (آذري، وكردي، تركماني، جيورجي، ويوناني).
بدأ التاريخ الصفوي بتأسيس الطريقة الصفوية، على يد مؤسسها الذي سميت على اسمه صفي الدين الأردبيلي (القرن الثالث عشر وكان صفي الدين قد أسس المدرسة الزاهدية ــ الصوفية في جيلان. وكان صفي الدين يمتاز بشخصية دينية قوية وكاريزما جذابة، فأُطلق على تعاليمه بعد ذلك اسم الطريقة الصفوية. وسرعان ما أصبح للطريقة الصفوية دورا كبيرا في مدينة أردبيل وأرجاءها، حيث كان أغلب الناس متأثرين بتلك المدرسة وتعاليمها. ويوجد حتى يومنا هذا شعر ديني كتبه صفي الدين باللغة الآذرية القديمة (وهي لغة إيرانية شمالية غربية صارت اليوم بائدة).
بعد وفاة صفي الدين، انتقلت قيادة الطريقة الصفوية إلى صدر الدين موسى (المتوفي عام(1392 كانت الطريقة في ذلك الحين قد تحول إلى حركة دينية وراحت تبث دعاياتها الدينية في جميع أنحاء إيران وسوريا وآسيا الصغرى، والأرجح أنها كانت حتى ذلك الوقت ما زالت على أصولها السنية الشافعية. ثم انتقلت قيادة الطريقة / الحركة من صدر الدين موسى إلى ابنه خواجة علي (المتوفي عام 1429)، الذي انتقلت منه القيادة أيضا إلى ابنه إبراهيم (المتوفي عام 1447). عندما تولى الشيخ جنيد (ابن إبراهيم بن صدر الدين موسى) قيادة الطريقة الصفوية في عام 1447، تغير المسار التاريخي للحركة الصفوية تغيرا جذرياً، إذ: لم يكن الشيخ جنيد راضيًا عن السلطان الديني، ولذا سعى إلى تحقيق سلطان مادي دنيوي. في ذلك الوقت كانت أقوى أسرة في إيران هي أسرة قراقويونلو (وتعني: الخرفان السوداء)، فلجأ الشيخ جنيد إلى الأسرة المنافسة لأسرة قراقويونلو التابعة لجهان شاه، أسرة آق قويونلو (الخرفان البيضاء التركمان) التابعة للخان أوزون حسن، وعزز علاقته بها وذلك من خلال زواجه بخديجة بيغوم أخت أوزون حسن. ولكن الشيخ جنيد قتل أثناء عملية اقتحامه لأراضي شروانشاه، وخلفه في منصبه ابنه الشيخ حيدر الصفوي.
تزوج حيدر من مارثا العمشا بيغوم، أبنة أوزون حسن، التي ولدت إسماعيل الأول، مؤسس الأسرة الصفوية. كانت أم مارثا، ثيودورا التي تُعرف أكثر باسم دسبينا خاتون، أميرة يونانية بونتيكية، وكانت بنت الكومنينيون الأعظم يوحنا الرابع ملك طرابزون، وقد تزوجت بأوزون حسن في مقابل حماية الكومنينيون الأعظم من العثمانيين.
بعد أن مات أوزون حسن، شعر ابنه يعقوب بالتهديد، بسبب تعاظم النفوذ الديني الصفوي. تحالف يعقوب مع شروانشاه. ثم قتل حيدر في عام 1488. بحلول ذلك الوقت كان أغلب أتباع الطريقة الصفوية من الأوغوز الذين يتحدثون بالتركية، وقد كانوا قبائل من آسيا الصغرى وأذربيجان، وكانوا معروفين باسم قزلباش، وتعني ذوي الرؤوس الحمراء، لأنهم كانوا يلبسون عمائم حمراء مميزة. كان القزلباش محاربين، وموالين دينيًّا لحيدر، ومصدرًا لقوة الصفويين عسكريًّا وسياسيًّا.
وبعد وفاة حيدر، اتحد أتباع الطريقة الصفوية حول ابنه علي مرزا الصفوي، الذي طارده يعقوب أيضًا حتى نجح في قتله. وفقا للسجل الصفوي الرسمي، كان علي قبل رحيله قد عيّن أخاه الصغير إسماعيل قائدًا دينيًّا للطريقة الصفوية.
كانت إيران تدين بمذهب السنة ولم يكون فيها سوى أربع مدن شيعية هي: آوه، قاشان، سبزوان، قم. وعقب تتويج إسماعيل الصفوي ملكا على إيران أعلن المذهب الشيعي مذهبا رسميا للدولة بأستخدام مفرط للقوة، فيقول المؤرخ السني قطب الدين النهروالي عن إسماعيل الصفوي " قتل خلقاً كثيراً لا يحصون عن ألف ألف نفس" ويصف المؤرخ الشيعي محسن الأمين ذلك "بالكذب الصريح" بينما يقول عنه: و أجبر البقية على تغيير مذهبهم توجهت أنظار إسماعيل إلى منطقة جبل عامل في لبنان، التي كانت آنذاك أحد معاقل الشيعة، وقراً لكثير من علمائهم.
وإذا كان إسماعيل شاه فد أسس التاريخ الرسمي للتشيع الفارسي، إلا أن المرحلة الصفوية انتهت بعد حروب طويلة وصراعات، حققت خلالها نجاحات محدودة، لكن دون أن تحقق مركزاً قياديا لإيران كما كان الهدف الحقيقي للسياسة الصفوية، ولكنها كرست تقليداً أن يكون المذهب الشيعي أساس للحكم في بلاد فارس وما جاورها، والتي تأسست دولة إيران لاحقاً (1923)، ولكن بعد أن أصبح التشيع هو العمود الفقري والعصبية لتجمع إيران في دولة أطلق عليها (إيران) لتضم شعوباً ليست فارسية، وليست على المذهب الشيعي، وسرعان ما دخلت ميدان ومسرح السياسة الدولية وكواليسها وتوازناتها، فأصبح وجود القوى العظمى في إيران يؤشر مصالح عديدة ومتناقضة أحياناً إلا أنها تشير في نهاية المطاف إلى مصالح الغرب في أهمية وجودها ككيان سياسي لتمثل جدار الصد من قوى وشعوب أواسط آسيا، وبين شعوب الشرق الأوسط العربية، وتزاد الأهمية بالنظر للمعطيات الجيوبولتيكية، والاقتصادية للمنطقة. ولكي يكون الكيان الإيراني العنصر المهدد والمثير للمتاعب في الكيانات الإسلامية.
وتحول التشيع ليصبح الآيديولوجية / الرابط لكيان الدولة حتى بعد العهد الصفوي، في العهد القاجاري، والبهلوي، ويتضمنها الدستور الإيراني صراحة بنص واضح، والمدارس الدينية وطقوسها كانت المخدر الأساسي للشعوب الإيرانية كي لا تتجه صوب شعارات سياسية / اجتماعية، وكانت سرنجة (أبرة) المخدر بيد السفارات البريطانية والأمريكية، ومن يقرأ تاريخ فارس / إيران الوسيط والحديث يتوصل لحقيقة أن سفارات بريطانيا والولايات المتحدة كان المسير الحقيقي للسياسة الفارسية / الإيرانية. وأخيراً قررت هذه الدوائر التدخل واىستخدام المخدر حين بدا لها أن قوى سياسية / اجتماعية قد حطمت حاجز الخوف من نظام الشاه الرجعي وأجهزته القمعية، وقد أشعلت للمرة الأولى في تاريخ إيران نيران ثورة اجتماعية طابعها عمالي / تقدمي تساهم فيها الفئات الكادحة المسحوقة، والأحزاب الوطنية والتقدمية والدينية المتنورة (حزب تودة، نقابات العمال، مجاهدي خلق، حزب الجبهة الشعبية).
فقدرت المخابرات الأمريكية التي كانت (وما تزال) تدير الملف الإيراني (منذ نهاية الحرب العالمية الأولى)، أن نظام الشاه ساقط لا محالة، ولا يمكن إعادة تأهيله أو إنتاجه (reproduction) كما فعلت في أزمات داخلية سابقة، كما أن تحالف القوى الوطنية المعادي للشاه، يحمل في ثناياه احتمالا بأن يتطور الموقف السياسي في مستقبل ليس ببعيد ويفرز موقفا ومعطيات مقلقة. وبما أن التاريخ لن يعود للوراء (لعام 1954) لإنقاذه بعملية انقلاب (الجنرال زاهدي) تسانده جموع غوغاء من المصارعين ومدلكين الحمامات الشعبية، إذن لا مندوحة من ترك المؤسسة الدينية من أن تطلق الغوغاء للشوارع وتقلب الطاولة على رأس الجميع، فهي أفضل الخيارات السيئة المطروحة، وسيبقى النظام غير بعيد عن تأثيرات الولايات المتحدة وحدود أفلاكها.
ولكن لا شيئ في الحياة عرضة للتغير قدر التحولات في السياسة، سواء في مآربها أو في وسائلها، ذلك أن التحولات الاقتصادية التي لا تعرف التوقف، سوف تفضي إلى مستويات جديدة، تستلزم فهم ومستحقات جديدة لها. ومثل هذه الإنتقالة في الموقف ابتدأت تفرز آثارها ونتائجها بعد مؤتمر مالطا (3 و 4 / كانون الأول / 1989) إلى أفاق جديدة، خففت إلى حد بعيد من مخاطر نشوب حروب شاملة بين المعسكرين، وبالتالي تضاءلت قيمة المخافر الأمامية، ومواقع الرصد، أو النقاط الأمية، وبالتالي تضاءلت أهمية إيران في الاستراتيجية الأمريكية، فراحت (إيران / الملالي) تبتكر المواقف وتحاول تثبت أهميتها كلاعب مهم في الشرق الأوسط بوسعه أن يتواجد بقوة ويشعل معارك في ساحات مختلفة بما يخدم المصالح الغربية.
ولكن حتى تلك المحاولات في التدخل هنا وهناك لم تسفر عن نتائج ذات قيمة تستحق ما صرف عليها من تكاليف مادية وسياسية وبشرية، رغم أن الغرب وفر لها الغطاء السياسي الكافي للتدخل في جميع الساحات، أما في العراق فقد سلموها لهم تسليم اليد، ولكنهم لم يستطيعوا أن يستثمروا هذه التسهيلات والدعم، فأنغمست عناصرهم (الإيرانية والعراقية) في فساد ونهب قل نظيره في تاريخ العراق، إضافة إلى افتقار تام إلى القدرات السياسية في استيعاب الموقف السياسي والاجتماعي والثقافي، فطيلة عقدين من الزمن تقريباً، فشل مشروعهم السياسي فشلاً ذريعاً، إلى جانب سقوط إدارة الدولة، ولم يعد لديهم ما يواجهون به الشبيبة العراقية الساخطة سوى القمع الوحشي الذي أودى بحياة المئات من الشبان.
والوضع داخل إيران لم يكن بأفضل من التوجهات الخارجية الفاشلة، فالاقتصاد الذي يواصل هبوطه وانحطاطه بدرجات غير مسبوقة بسبب تخبط السياسة الداخلية والخارجية، ولم تكن النتيجة سوى تراجع في مستوى حياة المواطنين، يعبرون عنه بأكثر من 14 أنتفاضة، وبألوف القتلى في المصادمات وأمام محاكم دينية رجعية لا علاقة لها بالقوانين والعدالة، ولم يجد الشبان أمامهم سوى الهروب إلى اللجوء في بلدان العالم وتسرب الكفاءات الإيرانية إلى الخارج.
وبهذا ألتحم الفشل الداخلي بالفشل الخارجي وأطاح بالجوهر الآيديولوجي للثورة الإسلامية (مشروع تصدير الثورة) وأن نظرية الإمام الخميني بتحديث الفكر الصفوي من خلال محاولة بائسة في منح شرعية غيبية مزعومة في نظام الجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه، وهي ليست سوى تشريع لديكتاتورية بائسة وبذلك سقطت نظرية ولاية الفقيه سقوطاً ذريعاً، والذي أسقطها هو ديماغوجيتها، والتوجه صوب أهداف مستحيلة، رغم أنها لم تواجه مقاومة حاسمة، لأن العالم العربي والإسلامي يواجه مؤامرة شرسة جداً من الغرب وإسرائيل، ولكن هناك خلل كبير في نظرية ولاية الفقيه، بل وحتى القسم الأعظم من الشيعة لم يقتنعوا بها، إلا من وقعوا في براثن الاستخبارات الإيرانية، وخضعوا لعملية غسل دماغ محكمة. فالتحم الفشل الداخلي مع الفشل الخارجي، لينهار المشروع برمته، وبات لا يراهن سوى على القوة المسلحة وتجنيد المرتزقة.
هذا هو بتقديري السبب الرئيسي لسقوط التشيع الصفوي الجديد، الخلل في البرنامج السياسي، وفي الجانب الذاتي هناك مجموعة كبيرة من الاخطاء التكتيكية في الداخل جعلت من النظام دولة قائمة على القمع الدموي الواسع النطاق، أضعاف ما كان عليه نظام الشاه، وفي الخارج لم يحاول ... مجرد محاولة أن يدخل عقول وقلوب الناس بالحوار والإقناع وباتباع أساليب حضارية ومثقفة، بل جل ما فعلوه هو اعتماد الشتائم والسباب والتفسيق، والتفنن بالاغتيالات، وبالمغالاة والتطرف التي أبعدتهم كثيرا حتى الكثير من جمهورهم ...! لم يفعلوا طيبا في سورية ولبنان واليمن .... لذلك ما جنوه هناك هو كراهية الجمهور، وعدا الهرولة في الشوارع شاهرين أسلحتهم يطلقون صرخات مسعورة، والميليشيات المسلحة والتي تسفك الدماء في ظل الأفتقار التام لأي منجز سياسي واقتصادي وثقافي، لا شيئ البتة ...! هذا هو حصاد 42 سنة من نظام ولاية الفقيه " التشيع الصفوي الجديد ".... !
أما ذروة السقوط الآيديولوجي / السياسي فقد تمثلت بكل جلاء بتطورات أحداث القضية الآذرية ....! وبتقديري فقد مثلت الضربة القاضية، وبددت يقايا أحلام من كان يعتقد خيراً في نظام ولاية الفقيه. وفي الحقيقة لم يكن الكثير من المراقبين والمتابعين يتوقعون أن تؤيد الجمهورية الشيعية الإيرانية، جمهورية أرمينيا الأرثودوكسية، وتؤيدهم في أستيلائهم على الأرض الآذرية (ناغورنو قرة باغ) وتخالف بذلك أبسط قواعد وبنود الدستور الإيراني. وهي خطيئة كبيرة وقع فيها الملالي، فقد كان بوسعهم الوقوف على الحياد على الأقل، والدعوة لوقف الحرب، والدعوة لحوار العقل والتعقل، ولكنهم وجدوا أن المصلحة تكمن في الوقوف مع ارمينيا ومساعدتها، بل والقتال إلى جانبها، وحتى بالوقوف إلى جانب غلاة الأرمن وتشجيع المتمردين/ المتطرفين منهم بالسلاح، فأندفعوا دون تبصر وتأمل.
يستطيع كل خبير في الشؤون الإيرانية أن يتبين حجم وشدة الهواجس الإيرانية حيال القضايا الآذرية، (تمثل أذربيجان الجنوبية نسبة كبيرة من أرض وسكان إيران) فالأطراف الدولية التي تعول على القيمة الاستراتيجية لإيران، ستكتشف دون عناء، أن إيران فقدت حتى الآن الكثير منها، والتفاعلات المقبلة للقضية تنبأ بفقدان المزيد من المزايا، وانهيار متزايد لنظرية ولاية الفقيه البائسة، التي تفتقر للأسس العلمية والقانونية، فوزارة الخارجية الإيرانية تصرح علناً: حيث يوجد ضريح لأل البيت هي منطقة مصالح لنا، من المؤكد أن نظريات السياسة الخارجية لم تسمع بنظرية كهذه من قبل، والعالم يعلم أن آل البيت لم يكونوا من الفرس، ولم يعيشوا حتى في بلاد فارس، إلا ربما كزيارة، ولم يكونوا من الشيعة (هم لم يؤسسوا هذا المذهب) الذي بدوره يتألف من عدة مذاهب ..! وما العمل إذا كان أحد من آل البيت من الجيل الخامس أو السادس أو الأربعين قد سافر إلى استراليا وتوفي هناك ..؟ حسناً .. ملوك الأردن هم من آل البيت، وملوك المغرب كذلك، وآل البيت كانوا ملوكا في العراق وسورية واليمن وليبيا .. مالعمل هل نقلب التاريخ رأسا على عقب ليتناسب مع مزاج مخرفين يريدون إنشاء امبراطورية فارسية على أشلاء الملايين ..!
بعد أن ظهرت فساد هذه النظرية الرجعية، وأن الجماهير الإيرانية قبل غيرها سيتبين لها أنها في ظلال عظيم. وأن القناعة المطلقة بالغيب هو تسليم لمصائرهم بأيدي مخرفين يريدون تحقيق شعارات سياسية بوسائل منحطة. تأتي إيران لتقدم المال والسلاح والدعم لمتمردي قرةباغ الأرمن الأرثودوكس ضد السلطة الآذرية الشيعية .. هل نحتاج لعبقرية لندرك أن القصة دجل في دجل ...!
ولا تخفي تركيا السعي لمنظومة الجامعة للشعوب التركية، التي تمتد من بحار مرمرة وإيجة والمتوسط والأسود، وبحر قزوين وتصل حتى الصين، كيان سيكون عازل بين روسيا والشرق الأوسط ، الغرب لا يفضل رؤية كياناً قويا كهذا، ولكن إذا كان في الأمر ما يحبط خطط الصين أو روسيا ... فهنا يصبح الأمر يستحق النظر .. فهذه كيانات تتحد بناء على التماثل العرقي القومي (التركي)، والمعتقد الديني (الإسلامي)، فيما إيران تهيمن بالقوة والعنف على شعوب داخل الكيان (الإيراني) كالآذريين والتركمان والكرد والعرب والبلوش. ولكن بين الدول الغربية من أقفل نظره وعقله ومداركه ضد العرب وضد المسلمين، مالعمل ... القضية كبيرة وتستحق موقفاً كبيراً .. وسوف تتغير استراتيجيات. وعلى الأرجح أن الولايات المتحدة تتفهم المتغيرات، واستراتيجيوها يفكرون بالمصالح فقط، وبمعطيات الواقع المادي الموضوعي، ويعملون بدون محرمات (Taboo)، فيما تتداخل في أفكار الأوربيين مفاهيم الديانة والطائفية (بروتستانت، أرثودوكس، كاثوليك) والأثنية ومستحقاتها..الخ ... وظلال التاريخ والذكريات.
وتشير أحدث المستجدات، أن هذا الكيان التركي قد اجتاز مرحلة التشاور وسيتخذ شكله النهائي قريبا، بصيغة : تحالف/ تجمع دول، منصة تعاون سيضم مبدئياً معظم دول المنطقة، وقد تدعى أرمينيا إليه، وهناك منظمات أرمنية متطرفة تحضى بدعم طهران، هي رافضة للحلول الواقعية وللسلام في المنطقة، ومن المؤكد أن أذربيجان الجنوبية سوف تتطلع (وهي تفعل ذلك منذ قرن) إلى الالتحام بنصفها الآخر، وهذا سوف يثير الهواجس الإيرانية، وقد شرعت فعلاً بردود الأفعال، وإطلاق تصريحات تنافي المنطق والعقل.
ذات يوم كنت أحادث صديق لي وهو من الشيوخ في حوزة النجف، سألته: لماذا فشل حكم الفاطميين في مصر بعد تعاطفت معهم في البداية شعوب شمال أفريقيا في ليبيا ومصر ومدوا نفوذهم إلى الحجاز ولبنان وسورية(رغم كون سكان هذه الأقطار من السنة)، واستطال حكمهم 250 عاماً ثم أنطفأ دون أن يترك حتى بصيص ..؟ لماذا ... فذهل الرجل، وقال حقا أمر غريب لا يخطر على البال ..! فقلت له " فكر ....لأنهم اتفقوا مع الصليبيين ضد أبناء قومهم العرب المسلمين ..! رباط السالفة ...! ",
أبتسم الرجل وقال ... " نعم واضح .. فهمت .."
نعم ... سيفهمها الجميع ... إن عاجلاً أو آجلاً ...!
2966 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع