د. سعد ناجي جواد
في ذكرى ما عرف بالربيع العربي
تمر هذه الايام الذكرى العاشرة لذكرى قيام ما عرف ب (ثورات الربيع العربي) ، والتي بدات بانتفاضة شعبية شاملة وكبيرة في تونس ضد النظام الدكتاتوري فيها، والتي نتج عنها اجبار رئيس الدولة آنذاك على التنحي والهروب خارج البلاد. ثم انتقلت روح الثورة على الانظمة الشمولية الى مصر وليبيا وسوريا واليمن وبعد سنين عديدة الى الجزائر والسودان. وكانت النتيجة ان تمت الاطاحة بكل رؤوساء هذه الدول الذين كانوا مصرين على البقاء في الحكم، باستثناء سوريا، وعلى مخططات بعضهم لتوريث الحكم الى ابناءهم. ربما يكون من المبكر (تاريخيا) اجراء تقييم موضوعي لما جرى، ولا لإصدار حكم على نتائج هذه الظاهرة، التي لا تزال اثارها الكارثية مستمرة في بعض الدول العربية، الا انه بالامكان تسجيل بعض الملاحظات عليها.
الملاحظة الاولى والمهمة جدا ان هذه الانتفاضات الشعبية لم تات من فراغ، وانما جاءت نتيجة لتفاقم الاستبداد والاستئثار بالحكم لسنين كثيرة، بل وفي كثير من الحالات لعقود، بحيث ان جيلا كاملا لم يعرف غير حاكم واحد، وما صاحب ذلك من ممارسات اساليب القمع والترهيب وملء السجون بالمعارضين وعدم السماح لحرية الراي باي شكل من الاشكال سواء المكتوبة منها او المتحدث بها، يضاف الى ذلك الفساد الذي استشرى وافقر الغالبية العظمى من المواطنين، في الوقت الذي امتلات به خزائن الحكام وبطانتهم بالسحت الحرام.
الملاحظة الثانية، والتي حدثت لاول مرة في الوطن العربي، تتمثل في نجاح الجماهير وفي تظاهرات مدنية سلمية، ولكنها عارمة وجارفة، في اجبار قيادات ظلت رافضة التنازل عن الحكم او فسح المجال لوجوه جديدة لكي تاخذ دورها.
الملاحظة الثالثة، وربما الاهم ان النتائج لم تكن بمستوى ما كانت تطمح له الجماهير الغاضبة. ففي مصر مثلا تحول الامر الى قفز مجموعة او حزب الى استغلال الثورة وتجييرها لصالحة، وبدلا من العمل على تغيير هذا الواقع بانتخابات تالية تم اللجوء الى انقلاب عسكري. وانقسم الشارع المصري الى قسمين متناحرين الاول يعتبر ما حدث انقلابا على الشرعية والثاني يعتبره الحل الامثل لافشال محاولة جر البلاد لهيمنة فئة معينة وقتل الحريات.في حين ان في ليبيا لم تنتظر الدول الغربية نتائج الانتفاضة الشعبية وانما تدخل حلف الناتو لاسقاط النظام بالقوة العسكرية وترك البلاد تنغمس في حروب اهلية داخلية لا تزال مستمرة لحد هذا اليوم. ثم نقل هذا الاسلوب الماساوي في الحل الى سوريا التي مازالت هي الاخرى تعاني من حروب اهلية تعلن اطراف خارجية كثيرة وبدون خجل او خوف انها تشارك فيها وتدعم طرف من الاطراف. ومع فشل عملية اسقاط النظام هناك، الا ان الاطراف الخارجية مازالت مستمرة في لعب الدور الاساس في تغذية الحرب الاهلية، بمساعدة اطراف سورية تبجحت كثيرا بان ما تقوم به هو من اجل الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان، في حين ان تجربتها القصيرة في المناطق التي سيطرت عليها لم تدلل على ذلك. والحال نفسه يجري في اليمن، الذي انتقل الى حالة حرب دامية يشنها عليه ما سمي ب (التحالف العربي). وهكذا تحولت ثورة اليمن التي كانت نموذجا في السلمية والاحتجاجات المدنية الى حرب اهلية ذهب ضحيتها الالاف من الشعب اليمني. ولا يزال الامر مستمرا. في السودان، وبعد ان نجح الحراك الشعبي بالاطاحة بالنظام الذي استمر لعقود هو الاخر، قفزت مجموعة عسكرية جديدة الى الحكم، وبدلا من ان ترسي دعائم ديمقراطية جديدة، لجاءت الى اسرائيل والولايات المتحدة لكي يضمنان بقائها في الحكم، بدعوى ان هذين الطرفين هما من يمتلكان القدرة على تهدئة الامور في السودان. اما في العراق فان كل الانتفاضات الشعبية والتي بدات منذ عام 2015، ولاتزال مستمرة لحد هذه اللحظة مازالت تتعرض للقمع والقتل والاختطاف من قبل اطراف عديدة، حكومية وغير حكومية، في ظل سكوت الاطراف التي قادت عملية احتلال وتدمير العراق. وربما تكون نتائج ما جرى في الجزائر افضل من غيرها، ولكن هناك من لا يزال يعتقد ان التغيير الذي حصل لا يزال يحتاج الى عمل اكبر لتلبية مطامح الجزائريين الذين افشلوا عملية استمرار نفس الحاكم وبطانته في الحكم. وحدها التجربة التونسية هي التي تبشر بخير مع وجود محاولات لافشالها.
الملاحظة الرابعة ان موجات المطالبة بالتغيبر شملت في الغالب الانظمة الجمهورية فقط، وكانها هي الوحيدة التي تقمع الحريات ولا تحترم حقوق الانسان.
الملاحظة الخامسة ان اطراف اسرائيلية لعبت (وفي العلن) دورا في تاجيج الاوضاع خاصة ضد الانظمة التي كانت، ولا تزال تقف موقف الرافض للممارسات الصهيونية في فلسطين المحتلة (سوريا وليبيا) نموذجا. كل ذلك بدعوى الدفاع عن الديمقراطية، في حين ان الغرب لا يقول شيئا ضد ممارسات اسرائيل القمعية ضد الشعب لفلسطيني. من ناحية اخرى لم تخف الكثير من القيادات التي قادت حركات الاحتجاج في دول عربية علاقتها بالدوائر الصهيونية.
في المحصلة النهائية يمكن القول انه بعد عشر سنوات من الاحتجاجات الجماهيرية الصادقة والمطلوبة ضد انعدام الديمقراطية والفساد، لم تنجح هذه الحركات في احداث التغيير المطلوب، كما ان الغرب بصورة عامة لا يزال غير مكترث بدعم حركات الاحتجاجات التي ترنو الى احداث نقلة حقيقية الى الديمقراطية، وانما هدفه ظل ويظل تمزيق واضعاف الدول العربية حماية لامن اسرائيل. واخيرا وليس اخرا ان عدم وجود قيادات وطنية قادرة على توجيه وتنظيم الاحتجاجات نحو احداث ثورة وتغيير ديمقراطي حقيقي، هو ما سهل عمليات قمع هذه الاحتجاجات او اختطافها من قبل اطراف معينة لا تؤمن اساسا بالديمقراطية او حقوق الانسان او الحريات بكافة انواعها. بمعنى اخر ان الوطن العربي لايزال ينتظر ربيعا حقيقيا وطنيا لا تحركه اصابع خارجية لكي يحقق طموحات ابناءه.
2029 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع