هل تبخرت آثارنا؟

                                               


                               زينب حفني

جميعنا يتذكّر إبّان الغزو الأميركي للعراق، كيف نُهبت أمام أنظار العالم آثار نفيسة من المتحف العراقي لا تُقدّر بثمن. هذه القطع المسروقة تعود لحضارة ما بين النهرين التي استمرت ثلاثة آلاف سنة، ومن المؤسف أنه لحد الآن لم يتم استرجاع الكثير منها رغم مرور ما يُقارب العقد على واقعة الاحتلال الأليمة.

مع قيام ثورات «الربيع العربي»، كان السعي لنهب الآثار من النتائج السلبية التي خلّفتها الثورات، والكل لم يزل يتذكّر صرخات المخرج المصري خالد يوسف التي بثّتها وسائل الإعلام، ووقوفه عند مدخل المتحف، ومطالبته الشرطة بالحضور لحماية المتحف من محاولة البعض اقتحام المتحف المصري لسرقة قطع فرعونية لا تُقدّر بمال، تعود لحضارة عظيمة امتدت لسبعة آلاف سنة.

محاولة الاعتداء على الآثار وسرقة بعضها من المتاحف لم تقتصر على العراق ومصر، بل امتد الأمر ليصل إلى سوريا. وقد نشرت مؤخراً صحيفة «الصنداي تايمز» تحقيقاً يُظهر قيام مجهولين سوريين بنهب الآثار الرومانية التي تشتهر بها منطقة تدمر الأثرية، وبيع عدد من القطع النفيسة التي لا تُقدّر بمال لشراء السلاح! وقد تأكد خبراء من اليونيسكو عند فحصهم للقطع المباعة أنها بالفعل حقيقية وليست مزوّرة.

نهب الآثار أو اتلافها تُعتبر في الدول المتحضرة خيانة عظمى. الإنسان لا يُمكن أن يعيش من دون هوية، وآثارنا هي الصورة التي تعكس هويتنا، وهي التي تحكي في صمت عن ماضينا، وتتحدّث بإسهاب من خلال حائط مرسوم، أو كلمات محفورة عن عظمة حضارة الأجداد.

لفت انتباهي في الآونة الأخيرة خبراً نشرته مواقع كثيرة، أن العربة (الكاديلاك) التي اعتادت كوكب الشرق أم كلثوم الذهاب بها لحفلاتها، قد جار عليها الزمن وأصبحت مكباً للنفايات! مندهشة أن ينتهي مصير السيارة إلى هذه النهاية المخجلة وهي تعود إلى مطربة كبيرة أثرت الموسيقى العربية بصوتها وأغانيها التي لم تزل تعيش بيننا لحد اليوم. وقد تبادر سؤال في خاطري... لماذا لم يتم وضع العربة بمتحف أم كلثوم؟! لكن سواءً كان الخبر المنشور صحيحاً أم عاريا من الصحة، إلا أنه يفتح ملفاً مهماً حول مدى اهتمامنا بآثارنا التاريخية، وحرص بلداننا على حفظ المقتنيات الشخصية التي تعود لأفراد كان لهم مكانة لا يُستهان بها في ثقافتنا العربية.

الزائر لأوروبا يُلاحظ كيف تُحافظ على آثارها التاريخية وتحرص على ترميمها من عوامل تعرية الزمن، إضافة إلى اهتمامها بإقامة متاحف صغيرة مستقلة لمبدعيها الكبار، تكون منابر حية لكل من يهوى ارتياد المناطق الأثرية أو يحب مشاهدة الأماكن التي ولد وعاش فيها المبدعون بمختلف اتجاهاتهم.

إذا فكّرتَ بزيارة مدينة أكسفورد، ستجد بأنَّ الحكومة قد جعلت البيت الذي ولد وعاش فيه كاتبهم العظيم وليام شكسبير مزاراً سياحيّاً، يُباع في جزء منه تذكارات صغيرة مستنسخة من مقتنياته الخاصة. وينطبق الحال على جنوب أفريقيا التي عندما تقوم بزيارة مدينتهم الساحلية كيب تاون لا بدّ أن تزور جزيرة (روبن) التي نُفي إليها زعيمهم نيلسون مانديلا إبّان الحكم العنصري، وأصبحت مقصداً سياحياً بعد انضمامها للآثار التاريخية العالمية.

تخليد المبدع لا ينحصر في جعل مسقط رأسه معلماً سياحياً يرتاده السيّاح ويعود ريعه لخزانة الدولة، ولكن الهدف أسمى من ذلك بكثير، حيث تكمن أهميته الحقيقية في تعريف الغريب بمنابع كافة الأوطان وأنها لم تنبت من فراغ، بجانب تعميق دورها في تعليم الأجيال الجديدة قيمة أوطانها، وأنها لم تُبن من عبث، بل هناك عظماء حفروا في الصخر بأيديهم، وناضلوا بصرامة ليصلوا بأوطانهم إلى شواطئ المدنيّة. الحضارة تبدأ من احترامنا لآثارنا ولقاماتنا التاريخية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

977 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع