بقلم: نوري جاسم
إشراقات القلب السابح في النور ..
في صمت ما قبل البدء، حيث كل شيء يهيأ لاستقبال النور، هناك قلبٌ سابحٌ في الملكوت، لا تعوقه جاذبية الأرض، ولا تقيّده صيغ اللغة. قلب تحرر من أسر الظاهر، لينصت إلى النداء الأول: "ألستُ بربكم؟ قالوا بلى". ومنذ تلك اللحظة، بات للروح توقٌ لا ينطفئ، ورحلة لا تنتهي نحو مرافئ الوجود حيث السكينة المطلقة، وهذا القلب، المفعم بالذكر، المتوضئ بالأنين، والمحموم بالشوق، لا يعرف الضجيج. يسير فوقه، يتجاوزه، يذيب صخبه ببسمة، بصلاة سرية، بهمسة "يا هو". هو قلب كسنزاني، نهل من معين السلطان، وتربى في حضن محمديٍّ لا تغيب شمسه عن الوجدان، وفي مرافئ النور، لا زمن يحكمنا، بل مواقيت الكشف، ولا مكان يحدنا، بل اتساع الحضرة. هناك، في سكون الليل، تتساقط الحجب واحدة تلو الأخرى، وتلمع عين القلب ببصيرة تنظر ولا ترى إلا الله، ولا حواجز بين العبد وربه إلا النفس، فإذا صُفِّيت برفقة المربي المرشد، تجلّى، والذكر ليس تكرارًا، بل ولادة. هو ليس صوتًا في الحلق، بل نبضًا في القلب. هو مفتاح الأبواب السبعة، ومحرّك السفينة العائمة فوق موجات الجلال والجمال، نقول: الله... الله، فنذوب كما تذوب شمعة العارف في حضرة محبوبه، ونسير كما سار الأوتاد، لا نسأل سوى القرب، ولا نرجو إلا وجهه الكريم،
في الطريق، تتناثر آلامنا، ذنوبنا، أوجاعنا، كأوراق خريف يتلقفها نسيم الرحمة، والطريق ليس سهلاً، لكنه مضمخ بالعطر، مملوء بالإشارات، مزين بأسماء الله الحسنى، وفي كل خطوة، هناك ترميم للروح، وانبعاث للصفاء، وشوق يُكتب بالدموع ويُفهم بالصمت، نحن أبناء السلوك، حفدة المحبة، سلالة من قادونا إلى الله بلا ضجيج، بلا خطابات، بل بسيرتهم. من سلطان إلى سلطان، حتى بلغنا يد الشيخ شمس الدين محمد نهرو الكسنزان القادري قدست اسراره، من ينفخ في القلوب، ويوقظ النائمين، ويضع المرآة أمام النفس لتتطهّر وتتجمّل، وفي حضرته، لا يعود السؤال: "من أنا؟"، بل يصبح: "من أنت يا الله؟"، فنحيا بالمعرفة، لا كمعلومات، بل كوجود، نغتسل من وهم الأنا، ونلبس ثوب الانكسار، ليصير كل شيء دعاءً، وكل لحظة ذكراً، وكل نفس قربًا، أيها القلب، اسبح حيث النور لا يغيب، لا تتعلق بالأصوات، بل بالصدى الإلهيّ في داخلك. هناك يكمن السر، وهناك تُولد من جديد، وهذه إشراقاتك، لا تخف من البُعد، فالطريق محفور فيك، وما من ضياع لمن عرف اسمه، وردد سره، وسلك بسند متصل بالنور المحمديّ، يا رب، خلقتنا للوصال، فلا تذرنا في ظلمة الانفصال، واجعلنا من الذاكرين، من العاشقين، من السابحين في ملكوتك،وأدخلنا إلى مرافئ وجودك، بشفاعة الحبيب سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وبهمة الأولياء والصالحين،وبسر الطريقة العلية القادرية الكسنزانية، آمين، وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ...
694 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع