د. سامان سوراني
يقال بأن الأفكار ليست مجرد صور أو مرايا، بقدر ماهي إستراتيجيات معرفية لفهم العالم والتعاطي معه وأن كل فكرة هي عبارة عن قرأءة، لتفسير الواقع، أو تأويل حدث، أو صرف لفظ، أو شرح ظاهرة، أو تحليل تجربة، أو فك شيفرة، أو تفكيك بنية، أو صوغ مشكلة، أو معالجة قضية، أو تحويل علاقة، أو ترتیب صلة.
والأفكار تختلف و تتفاوت من حيث معقوليتها و مصداقيتها، أو من حيث أهميتها و فاعليتها، كذلك من حيث القدرة علی النفوذ والإنتشار.
فالدستور لا يكتب إلا لدولة وطنية، والدولة الوطنية بطبيعة الحال بحاجة الی المواطنة والمشاركة الفاعلة في كافة الميادين. فهو إذن وثيقة خالصة من صنع البشر لتحديد طبيعة العلاقة وكيفية التعامل بين مؤسسات الدولة الوطنية بعضها بعضاً وبين الحكام والمحكومين على وجه الخصوص. فالوثيقة الدستورية لا تمتلك أية قيمة إذا لم تتوفر شروط ثلاث: الدولة الوطنية، المواطنة، والمشاركة.
الذي نعرفه بأن الدستور يكتب بالتزامن مع تشكل وترسخ الدولة الوطنية كهيكل سياسي مستقل ليعکس المساواة الكاملة بين المواطنين بصرف النظر عن الاختلاف في العرق أو لون البشرة أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي في الحكم. و مواد الدستور تصميم معماري يجب أن تتسق مع بعضها البعض لتبنى معا كياناً متكاملاً له فلسفة أو رؤية تعكس تصور الشعب لنفسها في هذه المرحلة المحورية من تاريخ كوردستان و مشواره الديمقراطي. الهدف الرئيسي من كتابة دستور إقليم كوردستان كان الإسراع في بناء كيان وطني مستقل و تنظيم و حماية و تطوير هذا الكيان.
نحن نأمل أن يحضی موضوع نظام الحكم فيما يخص صلاحيات سلطات الدولة الثلاث وتوزيعها واستقلالها وتقاطعها وتعارضها بالإهتمام الكامل من قبل النخبة المثقفة في الإقليم لإغناء هذا النظام بفكرة "التوازنات والمراجعات" علی غرار النظام الذي تبناه الدستور الأمريكي من أجل منع تغول أي سلطة علی الأخری بهدف عدم التفرد بالسلطة من قبل طرف واحد يحكم البلد بقبضة حديدية.
في النهاية يجب أن تكون عمل السلطات الثلاث في ظل تناغم و رضا عن بعضها البعض لمنع الطغيان أو حدوث شلل في أحدها، لكن هذا لا يعني أبداً دعم فكرة بعض الجهات المعارضة، التي تريد النيل من الدستور و نظام الحكم الحالي في الإقليم من أجل مصالح سياسية ضيقة تفوق المصلحة العليا لكوردستان و الهدف الذي من أجله سُطّر بنود الدستور الكوردستاني.
النظام الأمريكي هو نظام رئاسي بامتياز فللرئيس سلطة تعيين الحكومة ولكن هذا لا يعنى بتاتاً أن يتمتع الرئيس بصلاحيات تسمح له بالتحكم فى البرلمان أو القضاء أو حتى اختيار من لا يرضى عنهم البرلمان والقضاء لأسباب موضوعية تتعلق بالصالح العام وللسلطة التنفيذية في هذا النظام حق الإعتراض على القوانين، كمنع إقرار أية ميزانية و تعيين القضاة وكل المناصب الرسمية و إبرام المعاهدات و للسلطة التشريعية حق سن القوانين و تعيين قضاة المحاكم ما عدا المحكمة و حقوق أخری.
أما السلطة القضائية فهي تفسر القوانين الصادرة من البرلمان و لها حق اعتبار أى قانون أو قرار تنفيذى باطل دستورياً و التأكد من حسن سلوك أعضاء البرلمان و حقوق أخری.
المادة 117 من الدستور الدائم للعراق الفدرالي تقول بأن لسلطات الأقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وتعديل تطبيق القانون الاتحادي.
في الثقافات الديمقراطية نری بأن الشعب هو الأصل في كلّ السلطات و لشعب كوردستان حق اختيار رئيس الاقليم عن طريق الاقتراع المباشر و أن شعب كوردستان بتجربتها الجديدة (21 عاماً) صاحب الكلمة الأخيرة بشأن الدستور عندما يعرض على الاستفتاء الشعبي.
الأطراف التي تعارض هذه الفكرة لاتهتم بالتشنجات الإقليمية علی المستوی السياسي والعسكري و تنسی موقع الإقليم الجغرافي علی الخارطة السياسية.
هذا دأبهم، إنهم يحسبون المشكلات حلاً، ولا يحسنون سوی التستر علی الأخطاء والمساویء لكي تفعل فعلها بصورة مضاعفة، هذا ما تشهد به مآلات المشاريع والشعارات التي تقدمها تلك الجهات في المعارضة، لذا نراها تطالب لمصالح حزبية في اتخاذ القرار بدلاً من المواطنين حول مسودة الدستور- التي صوغت بحضور و موافقة أكثر من 20 حزباً سياسياً من قبل لجنة لترسم مستقبل كوردستان- من أجل التقليل من الوحدة الوطنية، التي نحن اليوم بأشد الحاجة اليها.
علینا أن ندرك بأن عملية تغيير المجتمعات والعالم، أيا كان الشعار والعنوان هي مصير مشترك. فلكل فاعل الحق في المشاركة بفكره و عمله أو بمعرفته و درايته أو بمبادرته و إقتراعه، فالإنسان كما يقال هو فاعل فكري بالدرجة الأولی، أيا كانت التجليات و القطاعات أو المهن والأعمال والصناعات.
إن عملية إعادة البناء هي عمل نقدي تحويلي و إيجابي، علی الذات، يمس شكل الوعي والتوجه الوجودي، كما يمس منطق التفكير فضلاً عن الأسماء و منطوق الخطابات وأن إعتقاد تلك الجهات في المعارضة بأنها تمتلك وحدها الحقيقة لإحتكار المشروعية هو نوع من الإلتفاف علی الحقيقة أو لفلفة
القضايا لإنتاج الفتن عبر تعبئة النفوس ضد الحكم أو الغير، بدلاً عن تغذية اللغة و الخطاب بمقاصد و مفاهيم و قيم تدعم الوحدة في دولة وطنية لها دستور يضمن المواطنة والمشاركة.
وختاماً: "علينا أن نعترف بواقع التداخل و التشابك بيننا و بين الآخرين، لكي نندرج في حركة العصر و نتقن لغة التواصل مع العالم و فيما بیننا."
الدكتور سامان سوراني
817 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع