د. ضرغام الدباغ
ويحدثونك عن الإرهاب
يوم أحتلنا الإنكليز في الحرب العالمية الأولى، لم يكن هناك داعش ولا إرهاب، ولا قاعدة ولا ماعدة ولا من يحزنون ... كان هناك بلد وشعب ومستعمرون طامعون، يجدون في نسمة هواء مبرراً للتدخل، وإذا لم يجدوه فيشرعون قانوناً يجيز الاستيلاء على ما يريدون بالقوة المسلحة، كما فعلت عصبة الأمم حيث أقرت ما نصه " حق الأمم المتمدنة بالأخذ بيد الأمم المتخلفة إلى ..." وبهذا منحوا أنفسهم الحق ... ومن لا يعجبه الأمر فليفعل ما يشاء، وماذا فعل العراقيون والسوريون ... قاموا بثورات مجيدة أقنعت الاستعمار بالرحيل.... أن هذه البلدان لا تحتل هكذا .. فليبحثوا عن طرق أخرى ...! وبحثوا سنين طويلة وتعبوا، ولكنهم في النهاية وجدوا المفتاح ..!
اليوم لا ننكر أن الأنواء شديدة والعواصف والرعود قاسية، ومعسكرنا اليوم لا يشبه تلك الأيام، قبل سنة ونصف لم يكن هناك داعش، وقبل 2003 لم تكن هناك قاعدة في العراق ولم يكن هناك إرهاب بأعتراف الجميع، ومع ذلك تم غزو العراق وتدميره، وما نراه اليوم من مسلسلات إنما هي نتائج ليس إلا لذلك التدخل المخالف للقانون الدولي والذي أدى إلى ما نشهده من مشكلات.
قلنا ونكرر، أن الشعب العراقي بأسره بعيد عن ثقافة داعش، وهذه الوحشنة التي نشاهدها، إنما هي رد على وحشنة أقوى منها، الشعب العراقي برئ من كل هذه الثقافة الوحشية الهمجية، ولكن هل هناك من يدعو إلى ثقافة راقية اليوم ...؟ فهذا يسمونه وطني وقومي وتقدمي ويسخرون من هذه العبارات ... ولكن الشعب يعرف من شيد العراق ومن بناه ومن جعله رغم وجود الأخطاء في كافة المراحل، منذ العهد الملكي وحتى الاحتلال الأمريكي، تقدم العراق خلال عقود معدودة حوالي 80 عاماً من لا شيئ، إلى دولة متقدمة تستحق أن تغادر حقل البلدان النامية، والآن في غضون أثنا عشر عاماً عدنا إلى الوراء ودمر كل شيئ وحلت في البلاد أورام ودرنات، وعوالق ... إزالتها تستحق جهداً وطنياً جباراً.
داعش وغير داعش، لاحظوا أعزائي داعش تظهر عندما تشعر إيران ... إيرن تحديداً أنها في ضيق، وداعش أساساً اخترعت لهذه الغاية، " أن هناك خطراً جسيماً مقبل، فدعونا نحرق البيت بمن عليه ". في هذا الجانب، وفي الجانب الآخر أورام مشابهة، دواعش بمسميات أخرى، من أصحاب النظريات التدميرية، كل هؤلاء سيولون الأدبار عندما تقضي على السوق الطائفية البغيضة، ولكن ما دام هناك من ينفخ في الكير ويروج طائفيات ويقيم دساتير طائفية ويشكل 40 مبليشيا، فلماذا لا يفعل غيرهم مثلهم ..! كل هؤلاء من دواعش وغيرها من عصائب وما شابه ذلك، سيختفون في حالة واحدة فقط، وهي عندما يدركون أن البلاد أصبحت في قبضة نظيفة، وأنتزعت من أيديهم كل مبررات تجميع الناس وتجييشها ودفعها لتقاتل بعضها ... كيف نجعلهم يقاتلون بعضهم ..؟ حسناً نذع بين أيديهم ثروات وندعم يتقاتلون عليها كالذباب على طبق من الدبس .... المطلوب إذن ينبغي إزالة هذه العوالق والطفيليات وإبعادها عن ميدان العمل السياسي نهائياً، والمباشرة في إقامة نظام وطني ديمقراطي، آنذاك نكون وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح، وطالما هناك مخرفون في جهة، ستخلق جبهة مقابلة من أمثالهم المخرفين في المقابل، وها نحن نشهد المنازلات الهمجية.
الشعب العراق أدرك هذه الحقائق المرة متأخراً أو مبكراً ... المهم الشعب الآن في الساحة، وهو يعبر عما يريد بنفسه، وقد أحتاط مسبقاً لمحاولات الاحباط والتسويف والمماطلة، والعمل بالقطارة ... هذه أشياء صارت معروفة، ومن يشاهد صور عن المظاهرات والأنتفاضات في مدن العراق ويسمع الشعارات المدروسة والعفوية يدرك أن الشعب قد أمسك بقدره ومصيره ويعض عليه بالنواجذ، ألم ترى كيف قذفوا بمحافظ في كونتينر للنفايات ..؟ ألم تسمع شعارات (ــ)لا أريد أن أكررها هنا .. نفذ صبر الناس ... اليوم قرأت أن هناك في مطار بغداد 72 طائرة صغيرة خاصة اعتقد اكثر من أي مطار في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا .. الفساد ... ولا أقصد الفساد المالي فقط .. الفساد برمته بلغ حداً لابد من الانفجار وها نحن نشاهده بأجلى مشاهده وصوره.
يقوم طيران ولا يعرف أصله وفصله في أجواء العراق المستباحة، التي يطير فيها من هب ودب، حتى غربان المزابل، تضرب .. تقصف .. تقتل ... دون أن تسأل، ودون أن يكلف أحد خاطره ليعلن، طالما نحن ودماؤنا مستباحة، قصف الطيران المجهول وبقسوة متميزة جامعة الموصل (19 / آذار / 2016)... وكأن جامعة الموصل تضم معسكراً للمدرعات أو فيها مفاعلات نووية، أو مطارات استراتيجية، فقتلت أكثر من 90 شخصاَ وجرحت أكثر من 155،(من الطلبة والاساتذة) وخربت وهدمت بوابة الجامعة التاريخية، وتناثرت الأشلاء، ولا نعتقد أن داعشياً واحد قد قتل في هذه الموقعة الحربية.
وضعت مدن الأنبار تحت الحصار والقصف بذرائع وحجج مختلفة، كل هذا والحكومة تعد بالإصلاح .... كل هذا وهناك من يزعم أنه يمثل حكومة لكل العراق ... لا أحد يسأل ولا أحد يحاسب .. ولا أحد يفكر بالغد ...!
يقوم إرهابيون بتوجيه ضربات بالصواريخ (أصبحت الصواريخ لعبة) لا معنى لها إلى مطار مطار بغداد، إلى المنطقة الخضراء، تقتل وتجرح، وهنا أيضاً لم يكلف أحد نفسه ويسأل من الفاعل، أو بالأحرى من هم وراء الفاعلين.
الفاعل عصابي / إرهابي وليس من العسير اليوم في أجواء الشرق الأوسط، تجنيد العشرات والمئات، في غسيل أدمغة واستغلال حالة الشعور بالمهانة، والملاحقة، والإبادة، وهنا أيضاً لا يتساءل أحد لماذا هذا الشعور ... وكيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه. لماذا يسهل تجنيد أنتحاريون ...لماذا لا يتساءل فرد أو جهة، لماذا يشعر هؤلاء الناس أن الحياة لا تساوي شروى نقير ... وفي مثل هذه التراجيديا .. لابد أن يغضب أحد الناجين من المجزرة، ثم يكون هناك من يتعاطف معه، وقوى مخابراتية تبلور هذا الغضب لمصلحتها، وتنسج من كل هذه المفارقات عباءة تضعها على شماعة، وهل هناك أفضل من شماعة العرب والمسلمين .....؟ هي شماعة جاهزة في كل آن وأوان ... والذرائع جاهزة ومغلفة بالسلوفان....!
ترى من له المصلحة في توظيفات كهذه ...؟. هناك قاعدة شهيرة يعرفها كل محقق إن كان في الغرب أو في الشرق ..... عندما تحدث جريمة، أسأل من المستفيد ..؟
• علم التحقيق الجنائي / السياسي متطور جداً في الغرب، ولا يصعب عليهم التحقيق ... فالمحققين أكتشفوا أن الفرعون توت عنخ آمون مات (1335 ق.م) أغتيالاً، وبواسطة كومبيوترات متطورة اكتشفوا (عام 2005) أن التهابات نتيجة ضربة أدت لوفاته، والعالم لا يريد أن يعرف من خلق داعش ...! وعاجز عن حل ألغاز بسيطة .... لماذا ... وكيف ... ومتى ...؟.
• لماذا لا يسأل أحد لماذا كل هذا التردد في قتال داعش، ولكنهم جميعاً يقتلون الناس بجدية أكبر، لماذا تباد ديالى والأنبار ويقتل الناس مجاناً في الطرقات ولا يسأل أحد عن حقوق الإنسان ..؟.
• لماذا لا يلاحق المحققون مسؤول سوري حكومي / أسدي، مالذي كان يعنيه بإرسال أنتحاريين إلى أوربا وأمريكا (9 / 10 / 2011 )... بل وهدد على الملأ أمام عدسات التلفاز أن هؤلاء قد وصلوا بالفعل ...!.
• لماذا لا يسأل أحد مالمقصود بأن النصر ضد داعش سيستغرق عشرات السنين ..؟.
• لماذا لا يحقق أحد مع وزير العدل العراقي الذي صرح أمام التلفاز، أن عملية تهريب قادة داعش كانت بأوامر حكومية ....
• لماذا لا يجري تحقيق (تحقيق وليس مزاح وهذار) كيف سلمت الموصل وثلاث فرق من الجيش النظامي جيش كامل بكل صنوفه البرية والجوية عدا قوات الشرطة و الأمن ... ؟
• لماذا لا نسأل من هم بمنجى عن الإرهاب ...؟ ولكن هذه أسئلة متعبة للدماغ ... والأسهل لتعلق على الشماعة المشهورة ذاتها ...
• من يدفع الأحداث صوب مسار اللا حل ...
حسناً لنسأل من هو المتضرر الأول .... إنهم العرب والمسلمون ...! إذا كان الفاعلين عرب ومسلمون، والضحايا عرب ومسلمون .... فنحن حيال حزورة ما لها حل ... المنشار يأكل منا بالطالع والنازل ....
إذا كانت داعش مركباً كيمياوياً، صنع في مختبر مخابرات إحدى الدول، فلماذا لا يفشي أحد الأطراف الضالعة في الألعاب الأولمبية الإرهابية سر هذا المركب الكيمياوي ...؟
بتقديري لو جمعنا هذه المعطيات والأسئلة ووضعناها في سلة فسوف لن تنمو زهور ورياحين .... بل إرهاب ... وإرهاب أسود لعين ... إرهاب يحصد هنا، ويحصد هناك .... هناك مخرج شيطاني لهذه الحفلات الدموية ... هناك خروج أرعن عن النص هنا وهناك، ولكن مخرج المسرحية قابع خلف الستارة يبتسم، عملية البحث عنه ليست صعبة ... بل سهلة للغاية ... إن توفرت النية ...!
إنهم يعرفون الحقيقة ... كلهم يعرفونها ... ولكن الحقيقة التي يراد طمسها ...!
في أول دخول داعش للموصل أجرت معي التلفزيون الجزائري مقابلة (18 / أيلول / 2014) طرحت علي المذيعة سؤالاً، هذا نصه ونص الإجابة عليه دون تحريف أو تعديل:
السؤال :ــ ما رأيكم بأنشطة داعش.؟
الجواب : ــ وحول موقفنا من أنشطة داعش، فقد توصلنا وفق أدلة مادية وعقلية، أن داعش هو عبارة عن منتوج لأجهزة المخابرات السورية والإيرانية، للإساءة للثورات الشعبية وللإسلام، ودلينا المادي في ذلك أن داعش أنقذت نظام بشار الذي كان يحتضر، وكذلك أنقذت نظام بغداد بعد كان مصيره محسوماً. وربما أضافت عليها أجهزة الولايات المتحدة بعضاً من لمساتها الفنية، أو أنها استفادت منها لفترة من الوقت، إلا أن وبعد تفاقم أمرها، وانتشار شعاع ضررها على أكثر من ساحة، صار الإعلان عن قرار التصدي لها، والأنباء حول ذلك متواترة، بين عدم اشتراك قوات برية، إلى اقتصارها على الهجمات الجوية، إلى إعلان أمد طويل للعمليات العسكرية، كل ذلك يضيف غموضاً غير مفهوم عن طبيعة العمليات وهدفها النهائي. نحن في المجلس السياسي نراقب بدقة هذه الأفكار والتحركات، وموقفنا منها هو المزيد من التمسك بأهداف المجلس، ألا وهي تحرير العراق، وإسقاط النظم الطائفية، وأستعادة العراق لأستقلاله وسيادته، وتخليصه من النفوذ والهيمنة الأجنبية، والسعي لنظام ديمقراطي تعددي والبدء بعملية تنمية وإعمار شاملة.
ولو يتسنى لي اليوم الإجابة على نفس السؤال، لربما أضفت كلمة أو جملة قصيرة، ولكي أحتفظ بجوهر الجواب ولبه.
كلما يصيب العطب ماكنة الاحتلال، يخترعون مبرراً (وغالبا أختراع غبي ومكشوف) لمدارة الفشل بالقوة والقتل .. وماذا تتوقع أن يكون لديهم غير الهمجية والقتل ..؟ هل يعقل أن يفكرون ويعيدون النظر في أساليبهم ..؟ بمناسبة اطلالة داعش الجديدة وموجات الأغتيالات لقد فضحتم وبان صدئكم ... فاكشفوا عن قناعكم أنتم لا تغشون أحدا
1113 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع