د.منذر الدوري
شيخ الجراحين ابو القاسم الزهراوي وجراحة الغدة الدرقية
ابو القاسم الزهراوي (Albucasis ) خلف بن عباس الانصاري الاصل المولود في عام 936 ميلادية في مدينة الزهراء القريبة من قرطبة والتي بناها عبد الرحمن الناصر ومنها اخذ اسم الزهراوي وكنيته(ابو القاسم) .
عندما انجز الزهراوي كتابه” التصريف لمن عجز عن التأليف” كان قد مضى على مزاولته المهنة خمسون عاما وقال في كتابه يخاطب أبناءه”إذ لافضل مال لي أخلفه لكم،فإن وراثة العلم عند أهل النهى أفضل من ورثة المال”.”كانت العادة ان يهدى كاتب الكتاب كتابه الى اصحاب النفوذ والمال ويأمل في المقابل على مال ومقام .الزهراوي لم يفعل ذلك .
ويقول ابو القاسم الزهراوي بأنه يوجد العديد من الأطباء ممن يمارسون الجراحة في زمانه إلا أنهم لم يحسنوا الصنعة ووقعوا في أخطاء كثيرة”وهذا ماقاله ايضاً ابُقراط في زمانه .
من المعروف عالمياً أن الزهراوي (936-1013 م) هو اول من أجرى عملية ناجحة على الغدة الدرقية .ولم يستطيع الجراحون في زمانه ومن بعده حتى بداية القرن التاسع عشر من اعادة ماقام به الزهراوي .لذلك احاول ان افهم ماهو سر نجاحه ؟!
الزهراوي وعلم التشريح
ركز ابو القاسم الزهراوي وألح على ضرورة تعلم علم التشريح بكل دقائقه وذلك لمن أراد أن يعمل بالجراحة.وقال يحذر من أنه من لم يكن عالما في التشريح لم يخل أن يقع في ء يقتل الناس .واغلب الدلائل تشير بأن الأطباء العرب شرحوا بالسر ولم يكتفوا بوصف جالينوس.
ومن المعروف أن طبيب دمشق علاء الدين بن النفيس (1200-1288)هو أول من وضع كتابا مستقلاً في علم التشريح سماه “ شرح تشريح القانون” واعتقد يقصد به كتاب القانون لأبن سينا. Ref
ويبدو لي ان ابن سينا اخطأ عند وصفه تفرعات الشريان السباتي (carotid artery) في اعلى الرقبة كأنما الشريان الفقري((vertebral artery المغذي للجزء الخلفي للدماغ فرع من الشريان السباتي( carotid artery) .لا أدري هل هو خطأ في كتب جالينوس, ام خطأ الجسم الذي شرحه ( abnormal variation ) ؟ ام انه شرح رأس مقطوع في اعلى الرقبة لذا لم يستطيع ان يرى منابع الشرايين.
الزهراوي ووقف النزف
لقد بين ًفي كتاب التصريف كيف يوقف النزيف. اذا كان النزف غزيراً فأوصى بربط الشريان بخيط من الحرير الخام أو من أوتارالعود.واول بتكر هذي الطريقة هو Aulus Cornelius Celsius لكنها لم تحضَ بتأييد جالينوس صاحب النفوذ الطاغي في الطب ،الى أن جاء الزهراوي وأحياها.ثانياً ايقاف النزف عن طريق الكي و ثالثاً بالضغط فوق مكان النزف بالأصبع الى ان يتخثر الدم في محل النزف. Ref
الزهراوي والطب السريري
يبين لنا كتاب التصريف بأن الزهراوي كان جراحاً سريرياً يزن الفائدة والضرر من التداخل الجراحي.
كانت تدعى الغدة الدرقية (قيلة الحلقوم) تصيب النساء اكثر من الرجال وقسمها الى نوعين: “ أما ان يكون طبيعياً وأما أن يكون عرضياً فأما الطبيعي فلا حيلة فيه وأما العرضي فيكون على ضربين أحدهما شبيه بالسلع* الشحمية والضرب الآخر شبيه بالورم الذي يكون من تعقد الشريان وفي شقه خطر.إن سيرتها وفتشتها بالمس فألفيتها تشبه السلعة الشحمية ولم تكن متعلقة بشيء من العروق فشقها كما تشق على السلع وتخرجها بما يحويها من كيس إن كانت في كيس وإلا استقصي جمعها ثم عالج الموضع بما ينبغي من العلاج”
اعتقد ان الطبيعية يقصد بها ال Physiological goitre or Thyroglossal Cyst أما العرضية فتشمل الThyroid Cyst and Multinoduler Goitre
والنوع الثالث هو ال Thyroid Cancer ,like Anaplastic and Thyroiditis الذي حرم التداخل الجراحي في هذا النوع من الغدد الدرقية.
الزهراوي وتقدمة المعرفة والأنذار
( Induction for Surgery & Prognosis)
يابني أوصيكم “عن الوقوع فيما فيه الشبهة عليكم فإنه قد يقع إليكم في هذه الصناعة صنوف من الناس بضروب من الأسقام فمنهم من قد ضجر بمرضه وهان عليه الموت. ،ومنهم من يبذل لكم ماله ويغنيكم به رجاءالصحة ومرضه قتال، فلا ينبغي ان تساعدوا من أتاكم ممن هذه صفته البته، وليكن حذركم أشد من رغبتكم وحرصكم، ولا تقدموا على شيء من ذلك إلا بعد علم يقين يصبح عندكم بما إليه العاقبة المحمودة، واستعملوا في جميع علاج مرضاكم تقدمة المعرفة والإنذار ( Prognosis ) بما تؤول إليه السلامة فإن لكم في ذلك عونا على اكتساب الثناء والمجد والذكر والحمد، ألهمكم الله يابني رشدة ولا حرمكم الصواب والتوفيق إن ذلك بيده لا إله لا هو.
في اعتقادي هذي أهم الأسباب التي ادت الى نجاح اول عملية غدة درقية في العالم .
في حين ادرك ولأول مرة الأطباء الأوربيون بأن الغدة تتكون من فصين عندما رسمها الفنان Leonardo da Vinci
فشل الكثير من الجراحين في جراحة الغدة الدرقية حتى امتنع البعض منهم القيام بها و البعض الآخر استعمل عدة طرق مثل ترك الجرح مفتوحاّ بعد استعمال الجلاليب Hooks لرفعها قطعة قطعة في عملية بربرية تنتهي عادةً بموت المريض من النزف واستمرت الحالة على هذا الوضع الى القرن التاسع عشر. في 1821( Johann Hedenus) اجرى مجموعة من عمليات الغدة الدرقية الناجحة ولكنها لم تنشر الا بعد قرن في 1921
ولأول مرة تسجل عملية رفع احد الفصين للغدة الدرقية لاحتوائه على عقدة بحجم اربع سنتمترات بأسم الجراح Pierre Joseph Desault في 1791بشق طولي وربط الأوردة والشريان المغذية لها بواسطة الملقط الشرياني (Artery forceps )
.التقدم الحقيقي جاء في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والفضل يعود الى ثلاث اكتشافات مهمة: Rev
اليود وأهميته للغدة الدرقية بتقليل النزف عام 1811 والتخدير العام في 1846 واكتشاف التعقيم في1867 ،والى ثلاثة جراحين وهم:
Theodor Billroth (1829-1894)، Theodor Kocher (1841-1917 (and
William Halsted (1852-1922.
يعتبر( Theodor Billroth (1829-1894 النمساوي الأصل اشهر جراحي زمانه في جراحة الجهاز الهضمي ( ابو جراحة الجهاز الهضمي واول من عمل عملية على المريء) عندما وصلت نسبة الوفيات في جراحة الغدة الدرقية لديه الى 40% توقف لمدة عشرة اعوام واعاد النظر وطور نفسه وتمكن من تقليلها الى 10 %. اما الجراح الثاني فهو (Theodor Kocher (1841-1917 السويسري الأصل زار Billroth ولاحظ سرعته الفائقة في الجراحة فتعلم ان يعملها ببطءٍ مع السيطرة على نقاط النزف واستطاع ان يخفض نسبة الى 1%.وحصل على جائزة نوبل في1909.
اما الجراح الثالث( William Halsted (1852-1922. اول برفسور في Johns Hopkins فتعلمها من Kocher وعلم اطباء اصبحوا مشهورين فيما بعد امثال Charles Mayo and Frank Lahey .
اجراء العملية بالمنظار
النساء والرجال يفضلون عدم وجود علامات لجرح في الرقبة بصورة عامة وفي بعض المجتمعات يعتبر نقص في جمال المرأة مثل الشعب الياباني لذلك قام بعض الجراحين بإيجاد البديل بوضع الجرح في الصدر.
وبتقدم جراحة المنظار توصلوا لإجرائها من خلال الابط والآن تجرى من الفم بوضع الجرح خلف قاعدة الشفة السفلى .وتسمى العملية Transoral Endoscopic Thyroidectomy Vestibular Approach (TOETVA)
المهم سلامة المريض اولا وقبل اي اعتبار آخر. للأسف بين حين وآخر اسمع عن مريض عطب العصب الراجع(Recurrent Laryngeal Nerve )في جهة واحدة وهذا يؤدي الى خشونة في الكلام Hoarseness of voice الى اخره من اعراض اما اذا عطب العصب الراجع في الجهتين فتكون حياة المريض في خطر.
لذلك اوصي الزملاء من الشباب الفهم - الفهم في التشريح قبل البدء في جراحة الغدة الدرقية
مهداة الى استاذي الجليل هاشم عبد الرحمن الذي علمني جراحة الغدة الدرقية
شكري للأخ الدكتور ناصر كعدان على اهدائي كتابه القيم “ الجراحة عند الزهراوي”
المصادر
-كتاب القانون لأبن سينا صفحة ٦٠
-الجراحة عند الزهراوي ،للدكتور عبد الناصر كعدان، دار القلم العربي
سوريا-حلب .سلسلة التراث الطبي العربي والإسلامي
- A review on history of thyroid surgerySaurav Sarkar, Swagatam Banerjee, Rathin Sarkar & Biswajit SikderIndian Journal of Surgery
volume78, pages32–36(2016).
1000 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع